المقاومة النزيهة والرشيدة
تفعلها المقاومة مرة تلو مرة فتتصدى للخطر والتحدي وتقدم الشهداء والدماء وتحرر أرضا لبنانية محتلة وتدحر عدوا يشكل خطرا على لبنان برمته ولا تسعى لمكسب فئوي او سياسي خاص لقاء ما بذلته.
اولا: إنه المشهد ذاته يتكرر… بعد كل انتصار تاريخي تحرزه المقاومة يخرج قائد المقاومة واضعا رصيد الإنجاز في عهدة شعبه ووطنه وبالذات مع شريك المقاومة الأمين في ملاحم الصمود ورفيق السلاح: الجيش اللبناني الذي فرض عليه حلف سياسي معروف بارتباطاته الخارجية ان يبقى لعقود متواصلة في وضعية المظلوم والمحاصر والمرتهن في إمكاناته وقدراته ومعنوياته بينما تعتز المقاومة بما حققته بالشراكة مع هذا الجيش الوطني وضباطه وجنوده البواسل حتى اليوم.
بعد التحرير سلمت المقاومة لهذا الجيش الأرض التي طردت منها الغزاة الصهاينة وتعاملت بسمو كبير بعيدا عن الانتقام وتركت للقضاء ان يحاسب العملاء فتراخى وتساهل تحت ضغوط سياسية وطائفية معروفة ولم تحول المقاومة الأمر إلى عنوان مواجهة أو توتر في الداخل ضنا بهذا الداخل الوطني وظلت بيقظتها وبمتابعتها لقضية النضال ضد الكيان الصهيوني تطور قدراتها لتعوض عيبا خطيرا في واقع الدولة اللبنانية نتيجة طبيعة النظام السياسي الطائفي المخترق لحساب الحلف الإستعماري الصهيوني وأذنابه من حكومات الرجعية العربية.
ثانيا: خلافا لكل ما اتهموها به لم تشترط المقاومة أي مطلب او مكسب سياسي أو طائفي في الداخل اللبناني لقاء تضحياتها وإنجازاتها وظلت مترفعة وصابرة على مرارة الشراكة الوطنية مع بعض السفهاء المرتهنين رغم كل ما قوبلت به من الجحود والإنكار والافتراء والتحريض من الحلف المعروف نفسه ومن الأدوات والأبواق نفسها وواجهت الظلم والاتهام بالصبر والمثابرة.
… تكرر المشهد في نصر تموز وعلى الرغم من تكرار العدو لإعترافه بالهزيمة النكراء طيلة احد عشر عاما ما يزال المنكرون على مذهب أسيادهم في الخارج يجترون كلماتهم وأقوالهم البائسة التي يرفضون بها الاعتراف بما تحقق فعليا من ردع للعدوان وهم مصممون بالمقابل وحتى الثمالة على استثمار النتائج العملية لما انجزته المقاومة من امن واستقرار بردعها للعدو وبمنعها له من شن حرب جديدة ضد لبنان نتيجة ما تراكمه من قوة وقدرة وجميع اللبنانيين مدينون لهذه المقاومة التي تحمي لبنان بالشراكة مع الجيش وكل فرص الحياة والعمل الباقية في البلد سواء في مجابهة التهديد الصهيوني ام في التصدي لخطر الغزو التكفيري الذي ساهم البعض نفسه في تمكينه وفتحوا له الأبواب وقدموا التسهيلات والخدمات على الفاتورة كالعادة ورددوا شعاراتهم البلهاء المضللة لتغطية ما اقترفوه.
ثالثا: تعرف المقاومة أكثر من سواها كمية ضخمة من المعلومات المفصلة عن وجوه التآمر اللبناني مع العدوين والخطرين الصهيوني والتكفيري وعن كل بادرة او خطوة في الداخل تورط فاعلوها في خدمة العدو الصهيوني خلال الحرب وبعدها وحتى اليوم وهي تعرف الكثير واكثر مما تتخيل بعض العقول اللبنانية المريضة عن تورط اولئك انفسهم في استحضار التكفيريين والإرهابيين والمرتزقة في سياق إنشاء منصات العدوان على سورية تنفيذا لأوامر المشغلين الأميركيين والأوروبيين والخليجيين الذين يخططون الحملات ويملون التصرفات والمواقف ويوحون بمضامينها التفصيلية احيانا لتلاقي او تمهد لتدبير هنا او هناك يستهدف المقاومة وقدراتها.
تبتعد المقاومة عن الإستعراض والمبالغة وتتواضع في تظهير قدراتها وإنجازاتها رغم حجم الإنتصار التاريخي المحقق بردع العدو الصهيوني وبدحر العصابات التكفيرية على أيدي المقاومين وبدماء شهداء وهبوا ربيع أعمارهم للذود عن وطنهم وأهلهم في لبنان وسورية.
رابعا: عن قصد وتصميم وبسمو اخلاقي كبير يبقي قائد المقاومة للمتورطين مجالا مفتوحا للتراجع السياسي ومع حفظ ماء الوجه لمن يشاء بلغة راقية ومترفعة ليس فيها استقواء على احد ولا تصفية حساب مع أي كان من المتورطين الذين ارتكبوا جرائم لا تحصى ففي خطابه يتحدث عن حسابات خاطئة وعن رهانات خاطئة فحسب وهي أفعال تحتمل التراجع وبابتعاده عن منطق تصفية الحسابات يثبت سماحة السيد نصرالله دعائم التسامي الأخلاقي والإنساني في خطابه وقد بات سمة تاريخية راسخة تلقى ارتياحا وتعاطفا شعبيا وترحيبا واسعا عابرا للطوائف باعتراف الخصوم وهو يؤصل بذلك الصدى الطيب والعظيم لبطولات المقاومين في وجدان جميع المواطنين ويشل فعل العصبيات والغرائز في الإصطفاف السياسي مع سطوع النقاء الوطني في مواقف المقاومة وأهدافها وتفاصيل ادائها بعيدا عن مفردات القسمة والنزاعات الطائفية والمذهبية.
النزاهة الوطنية ونقاء الأهداف والترفع عن المكاسب والحسابات الفئوية والتسامي بعفو المقتدر المنتصر في التعامل مع جميع المتورطين رغم الإلمام الدقيق بالأسرار والخفايا: علامات فارقة في نهج قوة تاريخية تعلي الشأن الوطني المتمثل باستقلال لبنان ومنعته وسيادته واستقراره… وتفتح مخاض تبلور هوية وطنية استقلالية من حول منظومة القوة التي نسجتها المقاومة مع الجيش والشعب بالدماء والتضحيات ورغم الحقائق الناصعة سيبقى الفحيح المسموم مستمرا في الداخل وبكل أسف لأنه الصدى لمشيئة خارجية تضيق رقعة تأثيرها شعبيا وهذا هو الأهم بالنسبة للمقاومة ولأبطالها ولقائدها ولجميع مناصريها أليس كذلك ؟
بقلم / غالب قنديل