قراءة في نتائج معركتي (فجر الجرود) و(إن عدتم عدنا)
قد تكون من المرات القليلة والنادرة التي يستسلم فيها تنظيم داعش الارهابي في المعارك التي خاضها في جميع ميادين ارهابه ومشاريع تمدده.
وهذا الاستسلام – الانسحاب من جرود رأس بعلبك والقاع وعرسال في لبنان ومن جرود القلمون الغربي في سوريا، ستكون له تداعيات مهمة على معركته وعلى مشروعه بالكامل، في الوقت الذي سيكون للمعركة المزدوجة “فجر الجرود – ان عدتم عدنا” نتائج استراتيجية مهمة على طبيعة الصراع مع الارهاب في الشرق والعالم بشكل عام وفي لبنان وسوريا بشكل خاص.
من هنا، ربما من العبارة الاخيرة: “الصراع مع الارهاب في سوريا ولبنان بشكل خاص”، يمكننا ان ندخل في خصوصية وحساسية ارتباط وتداخل الصراع ضد الارهاب بين لبنان وسوريا بشكل وثيق وعميق، الامر غير الموجود بنفس المستوى من الترابط بين دول متجاورة اخرى، وهذا ما أفرزته معركتا “فجر الجرود” و”ان عدتم عدنا” في النقاط التالية:
لقد كان مستحيلا من الناحية الميدانية والعسكرية تنفيذ المهاجمة الخاصة بكل من المعركتين، وتحقيق الاهداف الموضوعة لها من دون التنسيق العملاني، اقله في الحد الادنى عند اقتراب الوحدات من بعضها بعضا في المرحلة الاخيرة لكل مناورة من الاثنتين، الامر الذي فرض تنسيقاً ضمنياً ومستنتجاً ومفهوماً من الجهتين بطريقة خفيّة غير علنية، تجاوزت عملياً تعليمات الحكومة اللبنانية للجيش اللبناني حول إلزامية عدم التنسيق مع الجيش العربي السوري والمقاومة، ولكنها احترمت هذه التعليمات اعلامياً وسياسياً واعلانياً.
-لقد كان مستحيلا ايضاً ان ينفرد الجيش اللبناني في إنهاء معركته ضد وحدات داعش المتواجدة على الاراضي اللبنانية، تفاوضاً او حسماً، دون الارتباط بذلك مع شكل انهاء الجيش العربي السوري والمقاومة لمعركتهما في القلمون الغربي وايضاً، تفاوضاً او حسماً، والسبب إلزامية وضرورة توافق الجميع على بنود اي تسوية حيث الجميع يملك اوراقاً تفاوضية ولديه مطالب أساسية، وحيث كان الجيش اللبناني ومن ورائه طبعا الحكومة اللبنانية يحتاج وكمطلب أساسي ملّح جدا، المعلومات عن مصير عسكرييه المختطفين مع داعش، في الوقت الذي امتلك ورقة الضغط العسكرية القوية بعد محاصرته مجموعة كبيرة من التنظيم في بقعة من وادي مرطبيا داخل اراضيه، مع القدرة الكاملة على التحكم بها بواسطة طائراته ومدفعيته الفائقة الدقة والفعالية، فان الجانب السوري كان يملك ورقة التحكم بحركة واتجاهات انسحاب عناصر داعش، والذين لم يتبق لهم لحفظ ما تبقى من عناصرهم احياء سوى التمسك حتى النهاية بورقة المعلومات عن مصير العسكريين المختطفين، ولذلك كان من الطبيعي ان الجيش اللبناني سيفقد نهائيا المعلومات عن اسراه فيما لو تابع معركته تحت شعار تدمير وقتل جميع عناصر داعش التي يحاصرها .
من هنا، وامام هذه المعطيات المعقدة، لعب حزب الله دور المفاوض الناجح في استثمار ضغطه في القلمون الغربي مضافا اليه ضغط الجيش اللبناني في وادي مرطبيا المذكور لفرض استسلام داعش وانسحاب مقاتليه الى دير الزور بعد موافقة الجيش السوري، مع تقديم التنظيم الارهابي المعلومات المطلوبة عن مصير الجنود اللبنانيين المختطفين وتسليم اسير ورفات وجثامين شهداء من المقاومة وحلفائها كان يحتفظ بهم.
وهكذا انتهت المعركة المزدوجة ” فجر الجرود – ان عدتم عدنا” بتحديد مكان وجود جثامين عسكريي الجيش اللبناني المخطوفين وتسليم جثامين الشهداء والاسير للمقاومة، بالاضافة لتحرير الاراضي اللبنانية والسورية المعنية بالمعركة المذكورة من اي تواجد ارهابي، مع النتائج الاستراتيجية التي سيكون لها تداعيات مهمة على معركة ومشروع داعش وذلك على الشكل التالي :
-خسر داعش نقطة ارتكاز اساسية كانت مشروعا دائما لقاعدة انطلاق لتمدده غربا حتى البحر الابيض المتوسط، وحيث كان التنظيم يعتقد في مكان وفي وقت ما، ان مواقعه في تلك الجرود ستشكل له نقطة ربط مهمة بين البادية السورية وبين شمال لبنان عبر القريتين – مهين – صدد ( غرب تدمر) وقارة في القلمون الغربي السوري، هو الان في مكان آخر بعيد عن ذلك الحلم بعد ان اندحر من البادية ومن القلمون السوري ومن شمال شرق لبنان مؤخراً.
-تلقى التنظيم الارهابي صفعة قوية فيما كان يميز طريقة قتاله العنيفة والجامدة، وبالاضافة للخسائر الكبيرة التي سقطت له بين الأشداء من مقاتليه، بدا مذهولا من قوة وفعالية الضربات المحكمة التي تلقاها في أغلب مواقعه التي كان يعتبرها محصنة ومحمية، وانتقل في قتاله الى الاختباء والفرار دون القدرة على القيام بأي ردّة فعل عسكرية أو ميدانية كما تميزت معاركه دائماً، وطبعاً هذا سيؤثر سلباً على مقاتليه من الناحية المعنوية في ما تبقى له من ميادين في سوريا او في العراق حيث تنتظره مواجهات مصيرية.
بقلم / شارل ابى نادر