زيارة الملك سلمان لموسكو هل تقود لانسحاب من الأزمة السوريّة ووساطة روسيّة في حَرب اليمن؟
لا تَستمد الزّيارة التي يَقوم بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز التي تَبدأ رسميًّا الخميس إلى موسكو أهميّتها من كَونها الأولى على هذا المُستوى مُنذ تأسيس المملكة قبل 85 عامًا تقريبًا، وإنّما أيضًا من حُدوثِ تغييرٍ في مَواقف المملكة، العربيّة والدوليّة، ممّا يُمكن أن يُؤدّي ذلك إلى “تفاهماتٍ” حول قضايا إقليميّة مثل الأزمتين السوريّة واليمنيّة على وَجه الخُصوص.
العاهل السعودي وَصل إلى موسكو اليوم (أمس الأربعاء) على رأس وفدٍ كبيرٍ يَضم أكثر من ألف وزيرٍ وخبيرٍ ومَسؤولين كبارًا في الدّولة، إلى جانب المُرافقين العاديين رغم أن الزيارة لا تَستغرق أكثر من أربعة أيّام، ولكن حَجم الآمال الروسيّة المُعلّقة عليها من حيث الحُصول على استثماراتٍ سعوديّةٍ في مجالات الطاقة والتجارة البينيّة تبدو ضخمة، بِما يُؤدّي إلى زيادة مُعدّل التبادل التجاري بين البلدين الذي يبدو مُتواضعًا، ولا يزيد عن 2.8 مليار دولار سنويًّا في الوقت الحالي.
ديمتري بيسكوف، المُتحدّث باسم الرئيس فلاديمير بوتين، قال أن التعاون العسكري التّقني سيكون واردًا على قمّة القضايا التي سَتكون مِحور البحث بين البلدين، الأمر الذي زاد من حدّة التكهّنات حول احتمال تفعيل اتفاق توصّل إليه الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي خلال زيارته إلى موسكو قبل عام، ويتضمّن بناء مُفاعلاتٍ نوويّةٍ روسيّةٍ في المملكة بكُلفة تَصل إلى عشرة مليارات دولار.
التّنسيق في مجالات النفط وإنتاجه وأسعاره من الميادين المُهمّة أيضًا، فالمملكة هي أكبر مُنتج للنّفط داخل منظمة أوبك يزيد انتاجها عن (10 مليون برميل يوميًّا)، أما روسيا فهي أكبر دولة مُنتجة خارج المنظمة نفسها، ويَصل إنتاجها إلى 10 مليون برميل يوميًّا، والتفاهمات النفطيّة بين البلدين لَعبت دورًا كبيرًا في تخفيض سَقف الإنتاج، ووَقف انهيار أسعار النّفط في الأسواق العالميّة واستقرارها عند 50 دولارًا للبرميل في المُتوسّط.
أما إذا انتقلنا إلى الجوانب السياسيّة، فلا نُبالغ إذا قُلنا أن العاهل السعودي يتطلّع إلى دورٍ روسيٍّ على أكثر من صعيد في هذا المِضمار، خاصّةً في الأزمتين اليمنيّة والسوريّة، والعلاقات المُتوتّرة بين المملكة وإيران.
المملكة العربيّة السعوديّة انسحبت كُليًّا من الأزمة السوريّة، وأبلغ وزير خارجيّتها السيد عادل الجبير هيئة المُفاوضات العُليا ومقرّها في الرياض بأنّ عليها التّعاطي مع هذهِ الأزمة بأسلوبٍ جديدٍ على أرضيّة بقاء الرئيس بشار الأسد في الحُكم، وأكّد أن بلاده تَدعم الحَل السياسي في سورية، أي أن الخِيار العَسكري لم يَعد واردًا، ولكن القضيّة الأهم في رأينا التي قد تَجد حيّزًا كبيرًا على مائدة المُناقشات هو كيفيّة مُساعدة موسكو للمملكة للخُروج من “المِصيدة اليمنيّة” بأقل الخسائر.
روسيا لَعبت دورًا كبيرًا في حَسم العَديد من القضايا الشرق أوسطيّة، وأصبحت جارًا لدُول المنطقة، بحُكم قواعدها في سورية، ونجاح المِحور الذي تَقوده ويَضم إيران وحزب الله وسورية، في هَزيمة المَشروع الأمريكي على الأرض السوريّة، مِثلما أثبتت روسيا، أنها على عَكس أمريكا، مُستعدّةٌ لنُصرة حُلفائها حتّى لو أدّى الأمر إلى إرسال قوّاتٍ وطائراتٍ، وتقديم ضحايا من ضُبّاطها وجُنودها، وتَزويد حُلفائها بأسلحةٍ حديثةٍ مُتطوّرة مِثلما هو الحال مع إيران التي زوّدتها بصواريخ “إس 300″ المُتطوّرة، وتركيا التي قَدّمت لها صواريخ “إس 400″ الأكثر تَطوّرًا في الترسانة العسكريّة الروسيّة.
موسكو يُمكن أن تكون أكبر البوابات بالنّسبة إلى العاهل السعودي للدّفع باتجاه حَلٍّ سياسيٍّ في اليمن، بحُكم علاقاتها القويّة بإيران وحركة أنصار الله الحوثيّة، وحزب المُؤتمر، الذي يتزعّمه الرئيس علي عبد الله صالح، مُضافًا إلى ذلك أنها يُمكن أن تكون وسيطًا لفَتح قنواتِ حوارٍ بين المملكة وإيران في الحاضر والمُستقبل، فالسيد الجبير اعترف أخيرًا بأنّ الحَل العَسكري لم يَكن حاسمًا في الأزمة اليمنيّة، ولا بُد من إعطاء الأولويّة للحَل السياسي.
من الصّعب الإغراق في التّفاؤل أو التّشاؤم، فالزّيارة في بداياتها، لكن يُمكن القَول وباختصارٍ شديدٍ، أن الجانبين يحتاجان إلى بَعضهما البعض، وأن روسيا، وبسبب دورها في سورية باتت لاعبًا شَرق أوسطيًّا رئيسيًّا من الخطأ تجاهله.
المصدر / فارس