اغتيال شاعر
عبد الزهرة زكي
مثل كل الجرائم الأخرى لم تنل جريمة تفجير تمثال أبي تمام في الموصل أي اهتمام في الثقافة العربية خارج العراق.
ربما كان أبو تمام وهو يواجه صمت سلفه العربي الراهن ضحية موقف مسبق ليس منه، وإنما من العراقيين الذين كان أحد خلفاء دولتهم العباسية قد استقدم الشاعر العربي من مصر ليوليه على بريد الموصل التي مات فيها.
هذا الاغتيال المعاصر لواحد من أعظم شعراء العربية لم يحرك شيئا جديرا بالاعتبار لدى شعراء ومثقفي العرب الأحياء، بخلاف ما حصل لتماثيل في أماكن عربية أخرى ولكنها خارج العراق.
تفجير تمثال الشاعر العربي هو تعبير رمزي عن إرادة مسبقة لدى الإرهاب بتفجير كل ما يمت بصلة لقيم الجمال والفن والتمدن، لكن صمت مثقفي العرب هو تعبير أوضح فحوى عن تجاهل الموت الذي لا يطحن جيرانهم أو اشقاءهم العراقيين فقط، وإنما هو (الموت) ينمو ويكبر ويتضخم في جوارهم، حيث نأمل أن لا يبلغهم حينما يكون هؤلاء المثقفون بأماكن أكثر (أماناً) حتى الآن من أماكن جرى تصدير الإرهاب الظلامي التكفيري إليها.
المثقف العربي في واحد من أوجهه، وما أكثر وجوه المثقف الواحد، هو شخص متنطع، مدعٍ، يغطي وسخه الداخلي ببهرج من كلام. كلام لا ينفخ به هذا المثقف أوداجه لينأى بنفسه عن أية مسؤولية أخلاقية وثقافية حسب، وإنما أيضاً ليضلل ويلفق ويوهم كلما أراد أن يلمع فكرة ويزينها ويحتمي بها من قول مسؤول. ألم يسع واحد من أكبر صناع كلامهم الثقافي المعاصر إلى إدانة العراقيين الضحايا أنفسهم وتحميل بنائهم النفسي والثقافي والحضاري مسؤولية العنف الذي يدفع يوميا العشرات والمئات ضحايا لشراهته التي انفتحت بها أفواه عواصم ومخابرات وحركات وأحزاب من عرب عاربة ومستعربة ومن موالي وسواهم.
لم يكن أبو تمام عراقياً خالصاً، لكن خليفة العراقيين أكرم مقامه وقدّمه على سواه، كما هو شأن خلفاء وملوك ورؤساء العراقيين دائماً حيث لا يحسنون إلا إلى شاعر وافد إليهم، كان أبو تمام من مدينة لم تكن بالبعيدة عن مدينة هذا المثقف المعاصر الذي سوغ محنتنا، نحن العراقيين، مع الإرهاب بكوننا عصابيين ولا نجيد في التفاهم سوى لغة القتل.
وكما كان أبو تمام موضع تقدير عراقي استمر حتى زمننا هذا، فقد كان (وذلك من نكد الدنيا) هذا المثقف المعاصر هو دائماً محط تقدير ومحبة السواد الأعظم من مثقفي العراق الذين لا يقلون (أريحية) عن خلفائهم وملوكهم ورؤسائهم في تقديم الآخر على مواطنهم.
لا تقف المقابلات بين هذه الأحوال والصروف عند هذا الحد، فالإرهاب والعنف الذي عانيناه وما زلنا نعانيه وجرى تحميلنا، نحن الضحايا، مسؤوليته من قبل المثقف الشقيق، تمدّد، وكم كنا قد حذرنا من تمدده، ليطول البلد الجميل لهذا المثقف، ولعل النكد الأسوأ هو في ما أفترض أنها حيرة صاحبنا الذي لا أدري ماذا يمكن أن يقول الآن، وهل يحمل شعبه، وهو شعب رائع وطيب، مسؤولية المحنة ذاتها مع العنف والإرهاب؟ أهو أيضاً، كما نعتنا، شعب عصابي وموتور ومسكون بروح القتل.
أنا شخصيا لن أرتضي مثل هذا الحكم السخيف على شعب، أي شعب، ولا أتمنى لمثقف أن يتورط بإطلاقه ضد أية أمة من أمم الأرض.
في ثقافة وفن