هل سيعيد الامريكان عرش الحكم الى آل برزان؟
ربما لم يصدق البعض أن نيجرفان بارزاني كان مخططا له، ان لايذهب بعيدا في التصريحات بشأن الاستفتاء الذي اجري في شمال العراق في الـ25 من ايلول الماضي، مع ان حكومته هي التي ادارت ملف الاستفتاء واشرفت عليه وهيأت البنى التحية الكافية لاجرائه.
وبدا بعد اجراء الاستفتاء بيوم واحد وهو يدعو الى الحوار، ولم يدخل معركة التصريحات وتبادل التهم ليكون الاكثر مقبولية في البقاء على رأس السلطة في الاقليم ووريث عرش الاسرة التي انهى اجداده واعمامه فصولا منها لتؤول اليه ويكمل بقية المشوار بعد أن سّلمه عمه مسعود كامل الصلاحيات ومفاتيح خزائن الاموال والعقود وادارة حكم الجبال.
هذا التخطيط لديمومة حكم اسرة ال بارزان لم يات عن رغبة عائلية انما تلعب الولايات المتحدة وقبلها بريطانيا الدور الاكبر في صناعته وتداوله ولذا حين ذهبت الحكومة الاتحادية في بغداد للبحث عن شخصية كردية تضمن -على الاقل -الالتزام بوحدة وسيادة العراق والسيطرة على المنافذ الحدودية والموارد الاقتصادية لمرحلة مابعد الاستفتاء وتداعياته، وجدت نفسها تتوقف عند منفذ الخابور الحدودي وتواجه ببيان مفتوح على لسان المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيذر نويرت “أن الولايات المتحدة تتطلع الآن إلى الإنخراط بشكل نشط مع رئيس حكومة إقليم كردستان نجيرفان بارزاني ونائب رئيس الوزراء قوباد طالباني” وببيان لوزارة البيشمركة يقول: “ان قوات البيشمركة ستدافع عن الملايين في الإقليم من مصير مماثل لما حدث في محافظة كركوك، وقضاء طوز خوماتو.”
تبع ذلك زيارة وفد أميركي الى الشمال أشرف على تنحي مسعود وايداع السلطة والمال عند نيجرفان بارزاني بعد أن طمأن الشعب الكردي ان الحكومة الاميركية لن تترك هذه الاسرة التي قدمت الكثير لهم وهيّأت الارض لبناء القواعد والشعب لتقبل “العلاقة مع اسرائيل” ولذا وصفت المتحدثة باسم الحكومة الاميركية السيد مسعود بارزاني بـ”شخصية تاريخية وزعيم شجاع لشعبه”.
ولم تكتف الحكومة الاميركية بدعوة الحكومة الاتحادية الحوار والتعاون مع نيجرفان وقوباد بل فرضت على الاحزاب الكردية الاخرى بالانخراط في التعاون مع هذين الشخصيتین.
واذا كان الاسناد الحكومي الاميركي غير كاف سرعان ما ارسل مجموعة من أعضاء الكونغرس رسالة الى السيد العبادي اشبه ما تكون بـ”رسالة تحذير” دعوه فيها بالعمل مع حكومة إقليم كوردستان لحل التوتر الحالي ومحذرين من استخدام السلاح الامريكي والحشد الشعبي في النزاع مع اربيل وقالوا ان “المعارك مع البيشمركة ليست في مصلحة احد داعين الى بدء حوار شامل وعاجل بين حكومتي بغداد واربيل لازالة التوتر. فيما ابدوا تخوفا من تواجد قوات الحشد الشعبي في مناطق النزاع بين بغداد واربيل. ودعو الى اخراجها وقالوا ايضا :اصبح لدينا امتعاض عميق بسبب استعمال الاسلحة الامريكية ضد الكرد والأقليات الاخرى.
يبدو أن السفير الاميركي في بغداد كان متواجدا في الاقليم منذ ايام وكان باستقبال الوفد الاميركي ومناقشة بيان الحكومة الاميركية بشأن الحلول والاجراءات التي تعقبها ويبدو أن السيد نيجرفان قد اتضحت لديه الصورة واطمأن على وجوده بالسلطة فارسل رسالة الى اردوكان يطلب فيها الزيارة الى تركيا واللقاء به .
الحل الاميركي للازمة بين بغداد وشمال العراق يتلخص بالنقاط الاتية:
1-تجميد الاستفتاء (وفق ما جاء في رسالة اعضاء الكونغرس الاميركي(
2-بقاء مسعود بارزاني كرمز للشعب الكردي بقية عمره.
3-ابقاء حكومة نيجرفان بارزاني ونائبه قوباد طالباني .
4-عودة عمل برلمان الاقليم وتشجيع الاطراف المعارضة لاداء واجباتهم.
5-بدء الحوار مع بغداد بوفد يضم حكومة الاقليم بقيادة نيجرفان .
6-أن يكون الحوار بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان برعاية أمريكية.
7-أن تكون ادارة معبر ابراهيم الخليل مع تركيا مشتركا بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم وبقوات عسكرية مشتركة ايضا .
8- عدم تواجد قوات الحشد الشعبي في أي من المناطق المتنازع عليها.
9-اجراء الانتخابات في الاقليم وفق موعد الانتخابات المحدد لدى المفوضية للاقليم .
لاشك هناك أمور كثيرة ربما تحمل المفاجات في الموقف الاميركي حيث طالما كان العراقيون ومعهم العالم اجمع ينظر للموقف الاميركي في قضية الاستفتاء موضع الريبة والتشكيك ويعتقدون تماما أن مسعود لايمكن له أن يخالف أمر الولايات المتحدة، فلوكانت قد نهته عن الاستفتاء لما أجراه قط ولكن يبدو أن هنالك سيناريو معد مسبقا لتصميم الواقع السياسي العراقي لمرحلة مابعد الارهاب.
أما لماذا اختارت امريكا نيجرفان دون غيره من القادة الاكراد فنعتقد للاسباب الاتية :
1- هو سليل اسرة ال بارزاني التي يرى فيها الاكراد مفصلا مهما من تاريخ الصراع الوطني الكردي من أجل الاستقلال
2-أنه الاكثر مدنية والاكثر مرونة من بقية السياسيين من المحاربين القدامى من رجال البيشمركة المتعصبين
3-أمتلك خبرة الادارة خلال عمله الطويل في العمل السياسي ويمكن له أن يواصل هذا المشوار في ادارة الحكومة حتى موسم الانتخابات المقبلة
4- الاكثر مقبولية لدى اسرة بارزاني لما عرف عنه من ضامن لمصالحهم وامتيازاتهم .
5- مقبول لدى دول الجوار حيث تربطه علاقات طيبة سواء مع الجمهورية الاسلامية أو مع تركيا .
6-رجل اعمال وصاحب رؤوس أموال كثيرة وشركات لذا يرى فيه اصحاب رؤوس الاموال شخصا غير مغامر ويبحث لهم عن اسواق وعلاقات اقتصادية جيدة .
7-علاقاته مع الاحزاب السياسية الكردية الاخرى جيدة ويمكن التفاهم معهم وضمان مصالحهم .
8- علاقاته مع المسؤولين في بغداد أفضل من السيد مسعود وهو من ادار معهم معظم الحوارات لذا فهو مؤهل لأكمالها باعتباره يملك معلومات جيدة عنها.
9- ليس له عقدة في العلاقة مع اسرائيل وسبق ان زارهم لمرات حسب ما تداولته بعض وسائل الاعلام
10-الشعب الكردي يتقبل الامرة من اربيل أكثر من بقية محافظات الشمال لاسباب تاريخية
11- سنّه وهو منتصف العمر (51عاما )ما زال يرى فيه شباب الاقليم قريبا من تطلعاتهم .
12- الاكثر ضمانا للمصالح الاميركية من الاخرين وعرف عنه ميوله وتطلعاته الغربية
13- أغلب العقود التي تمت في مجال النفط مع الشركات العالمية كانت بتوقيعه وخلال فترة حكومته لذا ترى فيه الشركات الكبرى ضامنا لمصالحها
ربما وفق هذه النظرة رأت فيه الولايات المتحدة الشخص المناسب للاستمرار في ادارة الاقليم وربما لشؤون أخرى أجهلها عنه لكن في كل الاحوال لابد من السؤال اللاحق؛ كيف ستتعامل حكومة بغداد مع هذا الواقع الذي فرضته الولايات المتحدة عليها وهل ستقف ضده أم ستعمل بالضد منه وتستمر في البحث عن شخصيات أكثر اطمئنانا على الشمال اولا أو على العراق بشكل عام خاصة وان نيجرفان يبقى مصدر قلق باعتبار انه سليل اسرة عرفت بخلق الازمات سواء مع شعبها الكردي او مع العراق والبلدان المجاورة وكيف لها أن تضمن عدم تخطيطه لمشروع الانفصال؟ ولماذا لاتكون خياراتها هي الاكثر حظوة في التعامل مع الاحزاب الكوردية الاخرى التي باتت لاتطيق حكم ال بارزان. وترى فيهم سرّاقا لاموال الشعب الكردي وسببا في دفعه للمغامرات كما كان مع الاستفتاء ؟
كيف ستقنع احزاب السليمانية بأن تعود ذات الوجوه التي حرمتها من الرواتب والامتيازات واستولت على المقدرات السياسية والمالية لادارة السلطة ثانية وكيف ستنظر الى بغداد؟ كيف سينظر الشعب العراقي الى الحكومة الاتحادية وهي تفاوض شخصية هي من ادارت ملف الاستفتاء وسوّقت له وشاركت فيه وما زال الحبر في اصابعهم حتى اليوم ؟
كيف ستنظر اسر الشهداء من الحشد الشعبي وقواتنا المسلحة الذين ارخصوا دماء ابنائهم من أجل العراق ووحدته وهم يرون الاسرة التي كانت سببا في دخول الارهاب الى العراق واوت المطلوبين للقضاء العراقي وقادة منصات الفتنة والمجرمين ورفعت علم اسرائيل وحرقت العلم العراقي وهي تعود للحكم ثانية ؟
هل سينعم الاكراد بذات الامتيازات و بحرية الدخول والخروج الى محافظات العراق فيما يقف العراقيون لساعات اذلاء عند حدود اربيل ؟
كيف سيكون وضع قوات البيشمركة؟ هل سيبقون تحت أمرة قادة يهتفون ليل نهار للحرب وقتال العراقيين ولم يتركوا جريمة الاّ وارتكبوها بحق الاخرين وهم الى اليوم يرفعون بنادقهم بوجه الجيش العراقي ويعملون للمواجهة وهل سنبقى ندفع رواتبهم واسعار اسلحتهم من الموازنة ؟ فهم أما من المنظومة الامنية العراقية أو من منظومة الاحزاب التي يتلقون منها أوامرهم ؟ كيف ستطمئن دول الجوار لشخصية طالما كانت جزءا من مشروع الانفصال؟
نختم أن من يرغب أن يحل الازمة مع الاقليم عليه أن ينظر بعين الاعتبار أن هذا المكان جزء من ارض العراق وان لافرق بين شعبه وبين بقية الشعب العراقي وضمان الحقوق مطلوب وأن لانترك أمره بيد من لايرحمه ويأخذ به الى المهلكة بدعوى”أمرهم مابينهم” لأن ما يقع عليهم يقع علينا ومن لايعتقد أنه قادر على ادارة العراق من الشمال الى الجنوب فليترك الامر لغيره حتى لايلعنه التاريخ!
الكاتب والمحلل السياسي محمود الهاشمي
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق