سياسات فرنسا تجاه غرب آسيا .. تصنيف الجهات الإقليمية الفاعلة
غرب آسيا هي واحدة من المناطق المعدودة في العالم التي تلعب فيها الجهات الدولية دورا أسياسياً قد يكون اكبر من الجهات الفاعلة في داخل المنطقة. إحدى عوامل عدم الاستقرار الشبه دائم في المنطقة يعود بنسبة كبيرة الى دور ونفوذ الجهات الدولية لتحقيق مصالحها، وهي النقطة التي تسعى إحدى أبعاد سياسة ايران الخارجية للحد منها. فرنسا هي واحدة من الجهات الدولية الفاعلة التي لها مصالح معينة في غرب آسيا، حيث تتبع نهجا مختلفا عن غيرها. وتحاول كسب أكبر استفادة ممكنة تتماشى مع مصالحها عند حدوث اي قضية في المنطقة.
نظرة فرنسا إلى الجهات الفاعلة في غرب اسيا؛ من الحلفاء للزبائن المحتملين والفعليين
ولتعزيز سياستها الغرب آسيوية، قامت فرنسا بتصنيف العناصر الفاعلة في المنطقة، والتي لها أولا طابع اقتصادي وتجاري، وثانيا، لا تتبع المنطق الضبابي او الغيمي. يقول استاذ العلوم السياسية الفرنسي فريدريك انسل ان “فرنسا ليس لها سوى حليف واحد في منطقة الخليج وهي الامارات وعدة زبائن تشمل الدول الخليجية بما فيها السعودية الذين هم زبائن فعليين وليسوا زبائن محتملين مثل ايران”.
فرنسا وحليفها الوحيد في غرب آسيا
وعلى المستوى السياسي والأمني، فلدى الإمارات نظرة خاصة تجاه فرنسا لتوفير نظامها الدفاعي وللأخيرة قاعدة عسكرية في أبو ظبي. ومن الناحية الاقتصادية، تعد الإمارات ثاني أكبر سوق للسلع الفرنسية بقيمة تزيد عن 3 مليارات يورو في المنطقة. وبالإضافة إلى ذلك، يوجد أكثر من 40 شركة فرنسية يقع مقرها الإقليمي في دبي.
في البعد العسكري، وبعد توقيع اتفاق أمني في عام 2009، خلال زيارة نيكولاس ساركوزي، تعمقت العلاقات بين الجانبين وأصبحت الإمارات حليفا حقيقيا لفرنسا. وتم افتتاح قاعدة عسكرية دائمة لفرنسا في الإمارات. ويوجد حوالي 250 جنديا فرنسيا في القاعدة.
وقد أدت هذه العلاقات الواسعة والعميقة بفرنسا إلى اعتبار الإمارات الحليف الاستراتيجي الوحيد في المنطقة. وتحالف الإمارات وفرنسا هو أحد المكونات الرئيسية لسياسة غرب آسيا التي تشكل، إلى جانب عناصر أخرى، إطارا لدور فرنسا في المنطقة.
فرنسا وزبائن غرب آسيا
وبالإضافة إلى الإمارات، فإن فرنسا، تضع بلدان غرب آسيا الأخرى، ولا سيما لدول الخليجية، ضمن زبائنها الفعليين والمحتملين. ومع أخذ هذا في الاعتبار، فإن الدول العربية، وحتى إيران، هي في دائرة زبائن فرنسا.
ولكن هؤلاء الزبائن ليسوا متساوين، وبلدان مثل السعودية والكويت وقطر ولبنان ومصر زبائن فعليون وإيران زبون محتمل لفرنسا. وبطبيعة الحال، فإن عامل تحديد العلاقة بين فرنسا وزبائنها هو مستوى العلاقة الاقتصادية.
من جهة أخرى، ترى فرنسا إيران كزبون ذو اقتصاد كبير، وخاصة في مجال الطاقة صناعة السيارات، ولكن نوع السياسة الخارجية لايران في المنطقة وعلى الساحة الدولية، فضلا عن متطلبات سياسة فرنسا في غرب آسيا، يجعلها في فئة زبائنها المحتملين، ولديها مستوى محدود من العلاقات معها، مما يعني وجود علاقة وتبادل الاقتصادي مشروط مع إيران.
إن سلوك فرنسا مع إيران ناشيء غالبا من متطلبات سياسة فرنسا في غرب آسيا؛ فهي بحاجة إلى توفير ارضية لتواجدها العسكري في المنطقة، فضلا عن تشجيع زبائنها الفعليين، من أجل إظهار إيران بأنها تهديد إقليمي. وبهذه الطريقة، تُفضل فرنسا أن تظهر إيران في نظر الزبائن المتحدين والفعليين كقوة إقليمية مهدِدة.
العوامل الرئيسية لسياسة فرنسا في غرب آسيا
أدناه نظرة عامة لفرنسا تجاه منطقة غرب آسيا. وتم استخراج هذه النتائج من دراسة النهج الذي اعتمدته فرنسا تجاه غرب آسيا، وخاصة في السنوات العشر الماضية:
1 – تغليب النظرة الاقتصادية والتجارية على النظرة العسكرية: يظهر من تحليل علاقات فرنسا مع منطقة غرب آسيا انها تغلب النظرة الاقتصادية والتجارية على النظرة العسكرية والأمنية. أما في البعد العسكري، فقد حدت فرنسا وجودها العسكري في الإمارات الى أقل من ألف جندي. وإذا ما قورنت ببلد مثل امريكا مع أكثر من 54،000 جندي في سبعة دول، عمان والإمارات وقطر والبحرين والكويت والعراق والأردن، فمن الواضح أن وجود عسكري واسع هو أحد الأهداف الرئيسية لفرنسا في منطقة غرب آسيا ولكن الاتفاقات الاقتصادية والتجارية الواسعة النطاق مع دول المنطقة، بما فيها إيران، لها أولوية كبيرة بالنسبة لفرنسا.
2 – تصنيف الجهات في المنطقة: يوجد في الإمارات قاعدة عسكرية فرنسية وهي توفر ارضية للوجود العسكري لفرنسا في المنطقة، حيث تستفاد منها الامارات كعمود فقري للعلاقات التجارية والاقتصادية الفرنسية في المنطقة. أما بقية الدول، ولا سيما الدول الخليجية، ماعدا إيران، فهم الزبائن الفعليين لفرنسا التي توفر من العائدات النفطية المرتفعة، سوقا ضخمة للإنتاج الفرنسي.
وفي هذا الصدد، على الرغم من أن إيران تصنف على أنها زبون فرنسي محتمل، فإنها تستخدم في الواقع كعامل لتحقيق أقصى قدر ممكن من الأرباح. لقد أصبح خلق فوبيا ضد السياسات الإيرانية في بين العرب، تقريبا أحد السياسات الفرنسية الدائمة وبالطبع الغربية التي تشجعها على توفير امتيازات سياسية واقتصادية وعسكرية لفترة طويلة بمقابل كسب دعم.
3-لعبة مزدوجة المستوى في العلاقات الإقليمية: الطريقة الفرنسية لتمرير أهدافها في غرب آسيا هي تتبع لعبة من مستويين في الشؤون والتطورات الإقليمية. وفي هذا الإطار، تتبع فرنسا “دور دولي جماعي” و “دور فردي إقليمي”. وعلى الصعيد الدولي، تنسق فرنسا مع قوى عالمية أخرى للحفاظ على مكانتها الدولية، أو على الأقل لا تضع سياساتها في صراع مع مصالحها. والدور الإقليمي والفردي الذي تتبعه فرنسا يسعى إلى تحقيق مصالح البلد الخاصة في غرب آسيا.
الخلاصة والاستنتاج
ويتضمن تحليل سياسة فرنسا في غرب اسيا بشأن إيران، استنادا إلى النتائج الثلاث، مُخرجات تعين إلى حد كبير نمط السلوك تجاه المنطقة وإيران.
أولا، التجارة والاقتصاد وهو العامل الأكثر أهمية لنوع النهج الفرنسي تجاه غرب آسيا وإيران. وهذا يعني أن اعتبارات مثل إضفاء الطابع الديمقراطي على بلدان المنطقة، واحترام حقوق الإنسان، والإرهاب، وهذه الاعتبارات هي من بين أولويات العديدة للسياسة الخارجية الفرنسية في غرب اسيا.
ثانيا، تسعى فرنسا إلى كسب مصالحها الى حد الإمكان من خلال تصنيف الجهات الفاعلة في المنطقة واتباع نهج في إطار محدد. وفي هذا الإطار، ليس لدى فرنسا سوى حليف واحد، وهي الإمارات، اما السعودية وبقية الأنظمة الملكية في المنطقة هم زبائن تكون قيمتهم تتعلق بالمنافع الاقتصادية التي تكسبها فرنسا. كما أن إيران تشكل تهديدا للمنطقة وعاملا يشجع العرب على أن يصبحوا أكثر ربحية، ويمكن أن تكون الأسواق الإيرانية مقصدا للعديد من المنتجات الفرنسية مثل بيجو وأيرباص.
ثالثا، في الوقت الذي تؤدي فرنسا دورها الإقليمي، فإنها تناسق بين سياساتها ودورها الدولي. لذلك، فإن عاملي “الاعتبارات الدولية (بين القوى الكبرى)” و “المصالح الفردية الخاصة” هما مصدران لسياسة فرنسا في غرب اسيا.
المصدر / الوقت