التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 18, 2024

في ظل صراع القوة وبسط النفوذ…روسيا تخطط بذكاء لإنشاء تحالفات دولية وإقليمية 

اعلن رئيس الولايات المتحدة “دونالد ترامب” قبل أيام قليلة في خطاب له عن الاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأمريكي وركز “ترامب” في خطابه هذا على شعار “أمريكا الأولى” وهذا الأمر أثار حفيظة الروس وبالأخص الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” الذين ابدوا الكثير من ردود الأفعال السلبية تجاه هذه الاستراتيجية. ووفقا لهذه الاستراتيجية فلقد قامت الولايات المتحدة بوضع روسيا جنبا إلى جنب مع الصين باعتبارهما الخطر الذي يهدد امن ونفوذ ومصالح أمريكا في العالم. وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” أشاد بشكل ظاهري بالمواقف الروسية وصرح بأن: ” لديه نية حقيقية للتعاون مع فلاديمير بوتين”، إلا انه خلال الفترة السابقة اعرب في هذه الوثيقة الخاصة بالاستراتيجية الجديدة للأمن القومي الأمريكي بأن روسيا وإلى جانبها الصين، يشكلان تهديد على امن ومصالح الولايات المتحدة في العالم ووصفهما بأنهما “قوى رجعية”.

لقد وجهت هذه الاستراتيجية الجديدة الخاصة بالأمن القومي الأمريكي الكثير من الاتهامات لروسيا ووصفتها بأنها “تعمل على تطوير أسلحة متطورة تهدد البنية التحتية الحيوية الأمريكية”، فضلا عن أنها “تقوم باستخدام أدوات استخباراتية متطورة لتقويض شرعية الديمقراطية” وفي نهاية المطاف، اتهمت روسيا بأنها “تعمل على نشر حالة من عدم الاستقرار عبر الحدود الأوراسية”. وهنا سوف نتطرق إلى كافة التعليقات والتصريحات التي أدلت بها سلطات موسكو حول هذا الاستراتيجية وذلك من اجل معرفة كيف ستكون ردة فعل الجانب الروسي النظرية والعملية على هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة.

وحول هذا السياق وصف الرئيس الروسي ووزارة الخارجية الروسية في ردٍ لهم على هذه الاستراتيجية الجديدة المتعلقة بالأمن القومي الأمريكي، بأنها استراتيجية “معادية” و”متشددة” واعربوا بأن “الأسلحة النووية الروسية” هي الضامن الأساسي لأمن موسكو. ووفقا لما صرح به الرئيس الروسي “بوتين” وتحدث به حول “الاستراتيجيات العسكرية الغربية”، فان وزارة الدفاع الروسية ترى بأنه يجب عليها أن تأخذ في عين الاعتبار، حقها القانوني في استخدام كافة الوسائل للرد على هذه التهديدات.

وفي سياق متصل اعلن “نيكولاي بتروشيف” سكرتير مجلس الأمن القومي الأعلى الروسي، بان موسكو “ترى بأن تحقيق تلك الأهداف المنصوص عليها في وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي حُددت من اجل تعزيز الموقف الدولي للولايات المتحدة من خلال قوتها وسلطتها”، يعد تهديد محتمل للأمن الإقليمي والدولي واردف قائلا “لذلك سوف نسعى إلى استخدام كافة الأساليب المتاحة لنا للتعامل مع هذا التهديد”.

على الرغم من أن تلك التصريحات التي أدلت بها السلطات الأمريكية والروسية قبل وصول “ترامب” إلى كرسي الحكم كانت تسعى إلى تحسين العلاقات بين البلدين، إلا انه كان من الواضح منذ فترة طويلة أن العلاقات بين هذين العدوين السابقين لن تتحسن قط وقد ربما يعقبها أيضا المزيد من التوتر والعداء. وهذا الأمر أكدته تصريحات الرئيس الأمريكي “ترامب” عندما ركز في خطابه على قضية “أمريكا الأولى” وهذا الأمر هو الذي أثار حفيظة الجانب الروسي الذي اعتبر هذه التصريحات بأنها تصريحات غير مقبولة وذلك لإنه يرى بأن الولايات المتحدة لم تُعير أي اهتمام للقوانين والأنظمة الدولية.

أن الشيء الأخر الذي زاد من حدة التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا هو رفض الولايات المتحدة الاعتراف بأن روسيا أصبحت “قوة عالمية” و”أنها أصبحت ند قوي للولايات المتحدة”. تجدر الإشارة هنا أن هذا النهج كان واضحاً في عهد الرئيس السابق “أوباما”، الذي كان يحتقر روسيا ويصفها في خطاباته بأنها لا تزال “قوة إقليمية صغيرة” ولكن الآن وفي وقتنا الحاضر ترى روسيا بأنه من الضروري اعتبارها “طرف مساوي” للدخول في أي مفاوضات مع الولايات المتحدة تخص بعض المسائل والقضايا السياسة الدولية.

ليس هنالك شك في أن التوترات بين موسكو وواشنطن تزداد يوما بعد يوم (نظرا لخلافاتهما العميقة والقديمة فيما يتعلق بمناطق مثل كوريا الشمالية وأوكرانيا وأوروبا الشرقية ومنطقة الشرق الأوسط و..) ولكن الروس يوقنون جيدا بأن القيود الاقتصادية المفروضة عليهم، أرغمتهم على عدم الدخول في منافسة لتصنيع أسلحة قوية ومتطورة مع الولايات المتحدة وهذا يظهر جليا عند ألقاء نظرة واقعية على الميزانية العسكرية لكلا البلدين، حيث أقدمت الحكومة الروسية على خفض ميزانيتها العسكرية للعام الجديد إلى أقل من 50 مليار دولار، بينما رفع الأمريكيون ميزانيتهم العسكرية إلى 700 مليار دولار.

وكما يقول الرئيس الروسي “بوتين”، فإن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية الجديدة “ليست مجرد وثيقة وإنما هي بنود دعت إلى ضرورة القيام ببعض الأعمال الاحترازية وأكدت أيضا على ضرورة تمويل تلك الأعمال بالشكل المطلوب لكي تحقق أهدافها”. ولقد أشارت بعض ردود الأفعال للمسؤولين الروس، إلى أن روسيا تحاول مواجهة هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة من خلال تشكيل تحالفات إقليمية جديدة وإيجاد شركاء جدد لها على الساحة الدولية يتسمون بالاهتمام بالتعاون الدولي ويرفضون التدخلات الأمريكية في الشؤون الداخلية للكثير من دول العالم وسياساتها الأحادية الجانب وعدم احترامها للقوانين الدولية وإرادة الشعوب الأخرى.

الجدير بالذكر هنا، انه لو تم افتراض أن لدى الرئيس الأمريكي “ترامب” رغبة شخصية في التقرب من الرئيس الروسي “بوتين” والعمل على تحسين علاقات بلاده مع موسكو، فإن مجلس الشيوخ سيمنع حدوث مثل هذا الشيء وسوف يبدي الكثير من المقاومة لمنع كافة المحاولات التي تهدف إلى إعادة بناء العلاقات مع روسيا. كما أن الحكومة الروسية أيضا لن تسمح للرئيس “بوتين”، بالجلوس على طاولة للتصالح مع الجانب الأمريكي وإقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة.

وأخيرا، لا بد من القول إن التناقضات القوية في المصالح الاستراتيجية بين هذين البلدين “خاصة وان الولايات المتحدة تستخدم استراتيجيتها الأحادية الجانب وتتدخل في الشؤون الداخلية للكثير من بلدان العالم، في حال تسعى روسيا جاهده إلى زيادة دورها في الساحة الدولية”، لن تقتصر فقط على عدم تغير العلاقات التنافسية والعدائية بينهما وإنما سوف تؤدي إلى زيادة حدة التوترات بين هذا البلدين.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق