التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

أين هم عقلاء الأمة؟ 

ماجد حاتمي –

لا يمر يوم علي الانسان المسلم دون ان تتناهي الي مسامعه فتاوي الجهاد ضد الكفار والمشركين والمرتدين وضرورة العمل علي قطع دابرهم دون رحمة او شفقة، ولا يمر يومه الا وتسقط عيناه علي افلام وصورمرعبة متخمة بمشاهد القتل والذبح والصلب والتمثيل بالجثث والتفجير والتدمير والتخريب، فيما لا يتجاوز نطاق هذه الممارسات العبثية علي الارض دائرة المجتمعات العربية والاسلامية.

لا يمر يوم الا وتنهار مآذن وتفجر اضرحة وتنبش قبور لانبياء واولياء وصحابة اجلاء، وتسوي اماكن عبادة من كنائس وحسينيات مع الارض، علي اصوات الله اكبر ولله الحمد، وكأن هذه الاماكن هي التي حالت دون تقدم الامة وتطورها والتحاقها بركب الحضارة، او لم يكن اكثر من مليار مسلم يعرفون دينهم قبل مجييء هؤلاء الناس.

لا يمر يوم الا وينزح الالاف من البشر من مدنهم وقراهم ومحل سكناهم، خوفا من القتل والتنكيل، وهم يهيمون علي وجوههم في ارض الله، بعد ان تبين انهم لم يكونوا مسلمين!!، بل كانوا مشركين ومرتدين وضالين ومضلين، ولابد من قتلهم وسبي نسائهم وذراريهم!!

لا يمر يوم الا ونصحونا علي ان جيراننا الذين عاش اجدادنا واجدادهم معهم دهورا، تناسبنا وتصاهرنا وخلفنا ذراري كثيرة، ليسوا مسلمين!!، وكانت عشرتنا معهم باطلة وحرام ولابد من وقفها فورا !!، لذا وجب علينا التكفير عما ارتكبنا من حرام وذلك عبر غسل التاريخ المشترك معهم بالدم.

في كل هذه المشاهد العبثية للقتل والدمار التي تتكرر يوميا في المجتمعات العربية والاسلامية تحت رايات الله اكبر، لم تسقط فيها قطرة دم واحدة قط لكافر او مشرك او زنديق او عدو للامتين العربية والاسلامية، بل ان سيول الدماء التي سالت وتسيل هي دماء مسلمين يشهدون ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله، ويصلون ويصومون ويحجون البيت الحرام ويقرأون القران ويتصدقون، ويؤمنون بيوم الحساب.

كثر الكلام عن الاسباب التي اوصلت المسلمين الي هذه الحالة المأساوية والمزرية، فهناك اراء لامست حقيقة هذه الاسباب وهناك ما ابتعدت كثيرا عنها، ولكننا نري ان هناك ثلاثة اسباب رئيسية تظافرت فافرزت هذه الحالة العدمية التي جعلت المسلمين وللاسف الشديد عنوانا للتخلف والتطرف، سنمر من امام السببين الاول والثاني سريعا ونتوقف قليلا امام السبب الثالث.

السبب الاول هو العامل الاجنبي المتربص منذ زمن طويل بالاسلام، رمز قوة المسلمين، فحاول بكل الوسائل للعمل علي تشويه صورة هذا الدين العظيم، الذي دخل قلب وعقل الانسان الغربي، لما يحمله من طاقات معنوية وروحية هائلة، تمكنت من ملء الفراع الروحي لهذا الانسان الغارق في الحياة المادية الخاوية، والتي كانت نتيجة طبيعية لابتعاده عن الله، وهو ما ظهر جليا في اعتناق اعداد كبيرة من الغربيين للدين الاسلامي طواعية وعن اقتناع تام، فكان لابد من تشويه هذا الدين، فكان ذلك عبر دعمه المباشر وغير المباشر للمجموعات التكفيرية ومدها بكل اسباب القوة، كما بدا واضحا في الكثير من مناطق العالم، كما لا يجب ان نمر مرور الكرام من امام الدور الخبيث للكيان الصهيوني في اشعال نيران الفتن في ديار المسلمين كلما سنحت له الفرصة، لتفتيت قواهم واضعافهم عبر ابقائهم متناحرين متقاتلين.

السبب الثاني، هو انتشار القراءة الخاطئة للاسلام والمتمثلة بالوهابية في ديار المسلمين بدعم مالي واعلامي خليجي، حيث تمكن هذا المال والاعلام من تسويق شخصيات تحمل هذه القراءة المتطرفة والمتزمتة عن الاسلام، الي جميع انحاء العالم الاسلامي، علي انها شخصيات علمائية ودعاة، وتمكنت هذه الشخصيات من التمدد علي مساحات واسعة في الفضاء الاعلامي، بفضل الامكانيات الضخمة التي وضعت تحت تصرفها، حتي اصبحت صاحبة الصوت الاعلي والنافذ والاكثر تاثيرا.

اما السبب الثالث والاهم، والذي ساهم ايضا في تضخم السببين الاول والثاني، وخاصة السبب الثاني، هو انحسار دور العقلاء من علماء الامة ونخبها، في داخل نطاقات ضيقة لا تتجاوز الجامعات والمراكز والحوزات العلمية، وترك الساحة لاشباه العلماء والجهلة واصحاب القراءة الخاطئة للدين، يصولون فيها ويجولون، حتي بات من النادر سماع صوت عقلاني متزن لعظماء هذه الامة، رغم كثرتهم، في وسط كل هذا الضجيج التكفيري، وحتي لو تناهي لاسماعنا مثل هذا الصوت، فسيكون خافتا، او يثار حوله الضجيج كي لا يُسمع.

المطلوب من عقلاء الامة الا يتركوا الساحة لاناس يدعون احتكار الاسلام والايمان والتوحيد ويكفرون المسلمين ويعملون في رقابهم السيف، ويشوهون صورة الاسلام، ويبددون ثروات وطاقات الامة في صراعات لا تنتهي، لا تخدم سوي الاعداء، وان يرفعوا الصوت عاليا، وان يبينوا للناس حقيقة الاسلام وتعاليمه السامية، وهذه مسؤولية شرعية و وطنية وانسانية.

ان احوج ما تحتاجه الامة اليوم هو السير علي خطي الافذاذ من علماء هذه الامة، الذين حفظوا كيانها، عندما استشعروا خطر الافكار الهدامة والداعية الي الفرقة والشقاق بين المسلمين، فانبروا، سنة وشيعة، الي تاسيس دار التقريب بين المذاهب الاسلامية في القاهرة عام 1947، ليقولوا للعالم اجمع، ان المسلمين جسدا واحدا لا تفرقهم المذاهب، فسدوا بذلك كل المنافذ التي يمكن ان تتسلل منها الافكار الظلامية الي ديار المسلمين، وحشروا دعاة الفتنة في زوايا ضيقة لا يسمع لهم صوت.

اليوم علي العلماء الاعلام، في الازهر الشريف وجامع الزيتونة والحوزتين العلمية في النجف الاشرف وقم وفي كل بلاد المسلمين، ان يشمروا عن سواعدهم، ويعملوا علي تاسيس دار جديدة للتقريب بين المذاهب الاسلامية، وان يؤسسوا فضائيات ومنابر اعلامية، وان يعقدوا الاجتماعات والندوات الدورية، وان يقدموا الابحاث والدراسات، التي تؤكد علي ضرورة التقريب بين المذاهب الاسلامية، وتعتبر الاختلاف رحمة لا نقمة، وان ما يجمع المسلمين اكثر بكثير مما يفرقهم، وان كل من ينفخ بنار الفتنة بين المسلمين يعمل لصالح اعداء هذه الامة، وبهذا فقط يمكن ان تخرس اصوات الفتنة وان تصمت ابواق التكفير، وتحرر الامة من الافكار الظلامية والظلاميين، وتقف عجلة الموت العبثية التي تسحق مجتمعاتنا وتبعثر طاقاتنا وتدمر بلداننا.

علي علماء الامة اليوم، شيعة وسنة، ان يتحملوا مسؤولية انقاذ المسلمين من براثن التكفير والجهل والتطرف والشقاق والنفاق، كما تحملها من قبل جهابذة هذه الامة، من امثال محمد علي علوبة، والشيخ عبد المجيد سليم، والشيخ أحمد حسين، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد عبد اللطيف، والشيخ عيسي ممنون، والشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ علي الخفيف، والشيخ محمّد المدني، وأمين الحسيني، والشيخ محمد تقي القمي، والشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، والسيد عبد الحسين شرف الدين، وعلي بن إسماعيل المؤيد، والقاضي محمّد بن عبدالله العمري.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق