داعش وحربها التدميرية على الإرث الثقافي
هناك دلائل كثيرة، تُثبت أن ثمة عداوة راسخة بين الجماعات المتشددة، وبين الثقافة ورموزها وكل ما يمت لها بصلة، تُرى لماذا هذا العداء الغريب للجماعات المتشددة التي تُنسب نفسها للإسلام، وهي تتناقض مع تعاليمه ومبادئه؟؟، في الحقيقة إذا أردنا أن نأتي من الآخر، فإننا نقول أن سبب هذا العداء المكين، يعود الى خوف هذه الجماعات المتطرفة من الثقافة، لأن الفعل والمضمون الثقافي لا يلتقي من قريب او بعيد مع التطرف، فالثقافة هي جوهر التسامح الذي يكافح من اجل دفع الحياة البشرية الى أمام، من خلال ترسيخ منظومة قيم توافقية، غير حديّة، تستوعب الجميع عن طريق احتواء التناقضات، ومن ثم تذليلها وتحويلها الى نوع من الانسجام الإنساني الذي يقف الى جانب الناس وليس ضدهم.
وتأتي الأفعال المجحفة التي تقوم بها جماعة داعش المتطرفة، ضد الثقافة والإرث الثقافي، لتؤكد ذلك العداء المستديم بين الثقافة والتطرف، فقد نقلت لنا وسائل الإعلام، وشهود عيان من الموصل التي تتواجد فيها هذه الجماعة المتطرفة التي تنسب نفسها للإسلام زورا وبهتانا، لتؤكد للعالم بالصوت والصورة الدامغة، ما قامت به هذه المجموعة، ضد رموز ثقافية ومراقد للأولياء الصالحين، وغير ذلك مما تركته لنا الجهود الثقافية الحضرية الماضية على الأرض، وقد قامت داعش بتهديم ونسف الرموز الدينية والحضارية والثقافية بفتاوى وحجج منسوبة للاسلام وهو منها براء جملة وتفصيلا، ولكن في حقيقة الامر ان المجاميع المتطرفة، غالبا ما تجد لنفسها المسوغات والاعذار التي تقف وراء اعمالها المناهضة والمناقضة للثقافة التي تصنع الحياة.
لقد اكدت وسائل اعلام محلية وعالمية كثيرة واغلبها موثوقة، على جرائم لا تغتفر ارتكبتها داعش، كما حدث مع النبي يونس ومرقد العسكريين في سامراء، فقد أفاد مصدر امني في مدينة سامراء، بأن قذيفتي هاون سقطتا على محيط مرقد الامامين العسكريين (عليهما السلام) في المدينة. وافاد مصدر امني آخر، بأن عناصر تنظيم “داعش” اقتحموا مرقد النبي يونس (عليه السلام)، وقاموا بنبش القبر.
وكان مصدر أمني في محافظة نينوى قد أفاد، بأن عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي قاموا بخطف جميع موظفي ضريحي النبيين يونس ودانيال بعد أن اغلقوهما. فيما اكد شهود عيان من اهالي مدينة الموصل، انباء تحدثت عن تفجير مسلحي “داعش”، تمثال الشاعر أبو تمام، والموسيقي العربي الشهير عثمان الموصلي، والمزار المعروف بقبر البنت في الساحل الايمن من مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى بدعوى “الحرام شرعا”. ويشار الى ان ما يعرف بجبهة النصرة، أقدمت مؤخرا، على تفجير تمثال آخر للشاعر ذاته (ابو تمام)، في درعا، جنوب سوريا.
فما هي الاسباب التي تقف وراء مثل هذه الاعمال المعادية للانسانية، سوى نزعة التطرف التي تستولي بصورة تامة على هذه الجماعات، القمعية التي لا ترى الصحيح إلا في افكارها واقوالها التي تحاك وتُكتب وفقا لأهوائها ومصالحا، لكن الامر الخطير في هذا الجانب، أن هذه الجماعات تتعكز على الاسلام، وتحاول أن تجد لها تبريرات تدعم اعمالها التي لا تمت بأية صلة للاسلام الذي يدعو الى صيانة كرامة الانسان وحرمته، وصيانة ارثه الثقافي والابداعي، وتوظيفه بما يخدم تطور الناس وتحضّرهم.
لقد بات واضحا ان داعش التي عاثت وتعيث فسادا في الارض، لا علاقة لها من قريب او بعيد، بالقيم التي تبنّاها الاسلام، وطالب المسلمين باعتمادها في تسيير اعمالهم وانشطتهم كافة، بما يحفظ حقوق الناس جميعا بلا استثناء، وبما يدفعهم خطوات الى الامام، لكي يواكبوا الركب العالمي المتطور، وفق القيم الانسانية المتفق عليها بين الجميع.
لذلك لابد للمسلمين وقادتهم أن يضعوا الخطوات اللازمة لفضح داعش واخواتها، والعمل بجدية عالية وارادة جماعية على دحر هذه الجماعات التي تحاول شق صف المسلمين بشتى السبل والوسائل، كونها ذراع تتحرك وفق اوامر اعداء المسلمين الذين يتبنون مثل هذه الجماعات الشاذة، ويمدونها بالعدة والمال والاغراءات التي تدفعهم للقيام بالنيابة عن اعداء الاسلام بتشويه الوجه والجوهر الحضاري للاسلام، وهذه اخطر المهام التي اوكلت لداعش واخواتها، بدلا من الاعداء المعروفين للاسلام والمسلمين.
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق