سوريا إلى أين؟
إن المتابع للشأن السوري و تداعياته على الصعيدين السياسي و الميداني ، يدرك بأن انتصار الاسد حتمي ، و لنتبعد عن التحليل العاطفي انطلاقا من حرصنا على سوريا الدور و الموقع .
و لنذهب إلى الاعترافات التي تنشرها تباعا مراكز الأبحاث الغربية ، ففي الوقت الذي تعترف به هذه المراكز بان الرئيس بشار الاسد انتصر استراتيجياً ، و قد قلنا هذا الامر منذ 9 أشهر تقريباً ومباشرة بعد العمل بـ استراتيجية الاسد السياسية و الميدانية ، وفي الوقت الذي تنصح به المخابرات الاميركية وتوحي لكل من يستمع اليها بأن عليه أن يبدأ بالتعامل مع فكرة انتصار الرئيس الاسد وبقائه في الحكم لان الشعب يريده ، وفي الوقت الذي باتت دول من مكونات جبهة العدوان تتحسس رقابها خوفاً من أن يعود اليها إرهابيوها الذين صدّرتهم الى سورية ، لأن عودتهم باتت احتمالا قائماً اذا لم يقتلوا في الميدان او يستسلموا، نجد أن سورية تسير بخطى ثابتة إلى النصر ، بل اكثر من ذلك فإن سورية تعود و بقوة إلى دائرة التأثير الإقليمي و الدولي ، كذلك يمكننا القول بأن الوضع الداخلي بات يشهد تحسنا على الأصعدة كافة ، كنتيجة حتمية بعد خروج سورية منتصرة من حرب عدوانية ، كل هذه المعطيات تقودنا إلى سؤال محوري ألا و هو ، سورية إلى أين ؟ ..
لا يوجد لدى أي منّا شك في أن ملامح انتصار سورية بدأت تلوح في الأفق بالرغم من أن معارك شرسة ما تزال بالانتظار في الشمال و الشمال الشرقي في سورية ، كما أن الأعمال العدوانية التي تنفذها قوات الاحتلال الأميركية بشكل مفضوح، وصارخ لن تثني سورية وحلفاءها عن متابعة الطريق حتى هزيمة الإرهاب، واجتثاثه من الأرض السورية، باعتباره أداة أميركية غربية رجعية لتنفيذ مشاريع التقسيم، والتفتيت التي يبدو واضحاً تماماً أنها تستهدف الجميع حتى أولئك الذين تورطوا في الحرب العدوانية على سورية.
قد يتساءل البعض أين مؤشرات الانتصار السوري ؟ ، و هو سؤال منطقي ، و للإجابة عليه نقول بأن التقدم الميداني الهائل والكبير خلال الفترة الوجيزة الماضية من خلال معارك الغوطة الشرقية لدمشق و الجنوب السوري ، والتقاء القوات السورية بالعراقية شمال شرقي التنف ، وانهيار تنظيم “داعش” على امتداد هذه المساحات الكبيرة ، إضافة لسعي مجموعات مسلحة أخرى للانضمام إلى الجيش السوري ، هذا الواقع الميداني هو الذي يفرض الأجندات السياسية على الطاولة ، بالإضافة إلى انفراط عقد محور العدوان على سورية من خلال الاشتباك السعودي القطري، والسعودي التركي، وسعي الولايات المتحدة لإعادة توزيع الأدوار من جديد على أدواتها واستنزافهم مالياً ، بعد فشلهم في الوظائف التي كُلفوا بها، وإذا أضفنا إلى كل ذلك الانقسامات الأوروبية، وسقوط القيادات التي تورطت في هذا المشروع العدواني، وانضمام باكستان، والهند لمنظمة شنغهاي، والتصادم التركي الأميركي بشأن الملف الكردي ، وانتشار الإرهاب في أغلب عواصم العالم ، وبدء ظهور نزعة استقلالية لدى العديد من القادة نتيجة لبروز دور روسيا والصين ودول البريكس ، وحاجة العالم وشعوبه إلى إيجاد قواسم مشتركة قائمة على احترام سيادة الدول وقرارها الوطني، أي الحاجة لمنظومة جديدة للعلاقات الدولية كل هذا مؤشر آخر نستطيع من خلاله أن نستشف الطريق الذي تسلكه الدولة السورية .
معطيات عديدة يمكننا أن نوضحها ، لكن قد لا يسعفنا هذا المقال في شرحها و تبيان تداعياتها و نتائجها ، لكن من المؤكد أن سورية باتت تسير في طريق النصر و بدأت نهاية هذا الطريق تلوح في الأفق السوري ، الأمر الذي فرض على الغرب إعادة حساباته ، و لا يمكننا أيضا أن نغفل بأن هناك نقاط ضعف داخلية استغلتها قوى التآمر على سورية للسعي لتحطيم سورية الوطن والدور والوزن التاريخي والثقافي ، وسواء أحب البعض ذلك أم لم يُحب، فإن نقاط الضعف هذه تشمل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، فقوة الدول تقاس دائماً بالوحدة الداخلية التي هي أساس الانطلاق في السياسة الخارجية، وسبق للرئيس الأسد أن أشار إلى ذلك في أحد خطاباته عندما قال: «لو كان بيتنا الداخلي سليماً لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن» ، لكن اليوم و مع انقلاب الصورة و المشهد في سورية ، نقول بأن الجبهة الداخلية السورية باتت أكثر قوة و تماسكا سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا و حتى دينيا ، و هنا لا نقارب هذا الموضوع جُزافا ، بل ثبت بالدليل أن ما تعرضت له سورية جعلت الكثير من مفاصل الدولة تعيد من هيكليتها بناء على توجيهات القيادة السورية .
لا شك بأن حلفاء سورية كان لهم دور بارز في مساعدة الدولة السورية على الصعد كافة ، و هنا بطبيعة الحال لا تشكل هذه المساعدة انتقاصا من سيادة الدولة السورية ، فعلى العكس تماما ، نحن نتحدث هنا عن محور مقاوم و حلف روسي قوي ، في مقابل محور يضم واشنطن و عملاؤها الإقليميون ، و في هذه الجزئية سنتحدث عن ايران و دورها في سورية انطلاقا من قوة ايران عسكريا و اقليميا ، و من الطبيعي أن تلجأ واشنطن و أدواتها في الإقليم ، إلى شيطنة إيران بعد بروز دورها الاقليمي بل و الدولي المؤثر ، و لا ضير بالنسبة إلى أعداء ايران السعي إلى إظهارها كدولة تسعى إلى تحويل سورية لدولة تكون امتداد ” شيعيا ” لها ، و هنا يسعى أعداء ايران إلى تحويل انتصار سورية و ايران لجهة الخوف من التمدد الايراني بناء على مقومات دينية ، و هذا تسويف و مغالطات يُراد منها تعزيز فكرة ” إيران فوبيا ” لدى الدول العربية و الإقليمية .
و فيما يخص العلاقة الإيرانية السورية ، و طبيعة التواجد الإيراني في سورية ، نقول و بكل وضوح بأن سورية دولة علمانية تاريخيا ، و لا يمكن نظرا لطبيعة العلاقات المجتمعية التي تحكم المجتمع السوري المنفتح نوعا ما أن يتم تحويل هذا المجتمع إلى مجتمع ديني ذو صبغة اسلامية ، لأن الثوابت التي شكّلت السياسة السورية ومشروعها الوطني والقومي و الاجتماعي ، جعلت منها دولة علمانية و محورية في الوطن العربي و العالم ، و هذه السياسات تبتعد عن التوجهات و الإجراءات التي قامت بها إيران إبان الثورة الإسلامية ، لكن إيران و انطلاقا من دعمها وتأييدها للحق العربي ، كان الأساس المرجعي في التأسيس للعلاقات بين الجمهورية الإسلامية و باقي دول المنطقة .
نَخلص إلى القول بأن الدولة السورية تسير بخطى ثابتة نحو النصر داخليا و خارجيا ، بمعنى أن الدولة السورية باتت اليوم تملك مقومات الانتصار سياسيا و ميدانيا ، فبعد جملة متراكمة من المنجزات السياسية و الميدانية و التي حتما ستقود سوريا إلى مصافي الدول المتقدمة ، نجد أن المنجزات الداخلية و على الصعد كافة ، ستكون بلا شك ثورة حقيقية ، فهاهي اليوم دمشق تحتضن معرض دمشق الدولي ، هذا المعرض الذي يحمل رسائل خارجية مفادها أن الاقتصاد السوري يعاود دورانه من جديد ، فضلا عن الشركات الغربية المشاركة في هذا المعرض ، و هذا بحد ذاته انتصارا يعكس الانتصار السياسي و الميداني للدولة السورية .
الدكتور حسن مرهج/ شام تايمز
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق