التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

المملكة العربية السعوداعشية: مدارس في التكفير والارهاب 

محمد مرتضى –

الدم, الدم, الهدم, الهدم, كان هذا الشعار من اهم البنود في التحالف الذي قام بين محمد بن عبد الوهاب, مؤسس الوهابية وبين ابن سعود, مؤسس الدولة السعودية الاولى (1745- 1818).

لقد وجد ابن عبد الوهاب المتوثب لنشر فكره التكفيري في آل سعود ضالته, اي الدعم السياسي من العشائر السعودية, فيما وجد ابن سعود في ابن عبد الوهاب الغطاء الديني الذي يعطي لحركته السياسية غطاء دينيا..

لقد اعطى ابن عبد الوهاب لآل سعود تشريع الاستحلال بعد ان اتهم كل المسلمين الاخرين بالكفر, وجعل ذلك الاتهام مبررا دينيا للغزو والتوسع. وبذلك قامت الدولة السعودية الاولى، ونشرت السلب والنهب وسفك الدماء في الجزيرة العربية وحول الخليج وفي العراق والشام .

لقد وجد أهل نجد وأتباع الوهابية في الفكر الوهابي مرتعا لتحقيق نزواتهم باسم الدين، فكل من عداهم كافر يحق لهم قتاله وقتله وسلبه، والنزو على نسائه، ونهب أمواله.

ولهذه الاسباب استطاع تحالف آل سعود – ابناء عبد الوهاب اعادة بناء دولتهم ( الدولة السعودية الثانية ) بعد ثلاث سنوات فقط ( 1821 – 1889 ) لكنها سرعان ما سقطت بسبب تقاتل الامراء فيما بينهم على الغنائم والسلطة .

وبعد ثلاث عشرة سنة أي عام 1902 تمكن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود من بناء الدولة الوهابية الثالثة، وهي الدولة التي لا تزال إلى الآن .

اعتمد عبد العزيز في ملكه على البدو عبر اقناعهم بالعقيدة الوهابية على أنها تمثل الاسلام حصرا. لقد اغرت العقيدة الوهابية أهل البدو من النجديين لأنها اعطتهم التشريع الإسلامي لحياتهم القائمة اصلا على السلب والنهب والقتل وقطع الطرق .. وماذا يريد ذلك البدوي أكثر من أن تجعل له القتل جهادا، والسلب والنهب غنائم، وان هو قتل فالجنة بانتظاره لانه قتل اثناء الجهاد؟

لم تكن استعانة عبد العزيز بالنجديين إلا استعانة مرحلية استفاد منهم في غزو الاحساء وحائل وشمر، وهزم آل الرشيد واستولى على العسير والحجاز وهاجم الكويت والعراق وشرق الأردن ..

وما ان استتب لعبد العزيز الامر بعد ضم الحجاز، حتى شن حربه على النجديين أنفسهم عامي ( 1928 – 1929 ) في معركة السبلة .

وهكذا لعبت العقيدة الوهابية القائمة على تكفير الآخر دورا محوريا في قيام الدولة السعودية ..

لقد استطاع البريطانيون اختراع هذا التحالف، تحالف الدين مع المال، في تزاوج استطاعوا من خلاله المزج بين السلطة الدينية والسلطة المالية. إذاً هو نظام يقوم على فكر ديني تكفيري من جهة، لكنه يعتمد على ملكية مطلقة تتولاها أسرة ملكية..

ثم جاءت الاكتشافات النفطية الكبيرة لتعطي هذا التحالف قوة للتوسع نحو مصر واليمن ودول أخرى . لكن ما ان خبت شمس المملكة المتحدة، حتى ورثت الولايات المتحدة الاميركية مملكة النفط والتكفير.

  • السعودية …السعودية

ورغم أن البعض يعتبر أن ما يسمى بالسلفية الجهادية هو مصطلح جديد ظهر منذ ثمانينات القرن العشرين، وان صياغاته النظرية الاولى ظهرت على يد سيد قطب في كتابه ” معالم في الطريق ” ، تحت تاثيرات كتابات ابي الاعلى المودودي، لا سيما كتابه “المصطلحات الأربعة في القرآن”، والذي اطلع عليه سيد قطب في السجن، أقول رغم هذا فان مضمون ما يسمى بالسلفية الجهادية موجود في ثنايا كتب الوهابية ومن أسس لعقيدتهم ككتب ابن تيمية .

ولعل السبب في الخلط حول الجذور الفكرية هو ان بعض المنظرين الفكريين الذين كانوا ينتمون إلى الفكر الاخواني في مصر قد انقلبوا عليه نحو خط آخر اكثر عنفا كعبد القادر بن عبد العزيز وعصام الدين دربالة وعاصم عبد الماجد .

ويرى البعض أن تشكيل الاخوان المسلمين في مصر على يد حسن البنا شكل انعطافة كبيرة .. ورغم ان جماعة الاخوان قد تأسست بدعم سعودي حسب قول بعض المؤرخين إلا أن المملكة بدأت ترى في الاخوان منافسا كبيرا لها في استقطاب السنة لا سيما بعد أن بدأت الجماعة تستقل بقراراتها عن المملكة .

ومع بروز الصحوة الشيعية في أواخر سبعينيات القرن العشرين ولا سيما بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران، بدأ آل سعود في تكوين جماعات سلفية جديدة انطلقت في الاساس من رحم جماعة الاخوان المسلمين..

لقد فشل التيار السلفي في بداياته لا سيما في الخمسينيات والستينيات من احراز نجاحات كبيرة تستطيع أن تنافس جماعة الإخوان، لا سيما مع اختلافات فكرية وتنظيمية. وقد ادى هذا الاختلاف الى بروز ما عرف فيما بعد باسم السلفية الجهادية.

لقد وجدت السعودية في بروز الجمهورية الاسلامية في ايران شعارا كبيرا لها تستطيع من خلاله شد عضد جماعاتها.. وكان وجود الجيش السوفياتي في افغانستان فرصة مؤاتية لبروز ” الحركة الجهادية ” فكان تشكيل تنظيم القاعدة ودعم حركة طالبان وغيرها ..

ومع انسحاب الاتحاد السوفياتي من افغانستان وبعد أن اكتملت معالم ” الفكر الجهادي ” بعد دخول عبد الله عزام الى افغانستان كمنظر لفكرة ” الجهاد ” على انه أهم فرض من فروض العين، كانت التجربة الافغانية قد اكسبت هؤلاء خبرة قتالية عالية ..

فوجد هؤلاء في بعض بؤر التوتر في العالم الاسلامي كالبوسنة والشيشان وغيرهما متنفسا ” جهاديا ” لاكتساب المزيد من الخبرة والانصار ..

من الواضح عند المتتبع ان هذه الحركة اعتمدت أساسا على الفكر الوهابي التكفيري وعلى الدعم المادي السعودي، سواء من خلال النظام السعودي مباشرة تارة، ومن بعض الامراء في الاسرة الحاكمة تارة أخرى..

لقد مثلت حرب الخليج الثانية عام ( 1991 ) نقطة تحول، وشكلت هزة عنيفة تعرض لها التحالف الحاكم بين آل سعود والمؤسسة الدينية الوهابية .

لقد اثار قرار الملك السعودي فهد بن عبد العزيز باستقدام قوات اجنبية إلى أرض المملكة اشكالية دينية مزدوجة، فالذهنية الدينية الحاكمة في المملكة هي ذهنية اقصائية، تكفر الآخر حتى ولو كان ينطق بالشهادتين، فكيف يمكن القبول بوجود قوات عسكرية أجنبية، هذا من جهة، ومن جهة اخرى الى اي مدى يمكن شرعنة الاستعانة بدولة كافرة حسب توصيفهم ( الولايات المتحدة الأميركية ) لقتال دولة مسلمة كالعراق؟

وهنا برز دور التحالف السعودي الوهابي، فاستصدر آل سعود من المؤسسة الدينية فتوى من ” هيئة كبار العلماء ” والتي كان يرأسها “عبد العزيز بن باز” بجواز الاستعانة بالكفار .

لقد شكلت هذه الفتوى شرارة الصراع بين التحالف الوهابي السعودي وبعض العلماء الرافضين لها ومنهم ” حمود بن عقلاء الشعيبي، وسلمان العودة ” وغيرهما ..

ومع هذا الصراع بدأت تظهر ملامح ” حركة سلفية جهادية ” لا سيما في التسعينيات، كخط فكري محدد يرتبط بسياق النفوذ على منطقة الخليج، ويستهدف الولايات المتحدة الأميركية ووجودها العسكري بشكل أولي ورئيسي ..

ورغم أن المملكة قد شهدت بعض أعمال العنف قبل دخول القوات الأميركية إلى السعودية، كأحداث احتلال الحرم المكي في عام 1979 ، لكنها ظاهرة أتت من خارج السياق العام الذي كانت ترسمه المملكة من خلال دعمها للفكر التكفيري.

إلا أن القضاء على جماعة جهيمان وإن تسنى للمملكة القيام به بسبب محدودية وجود هذه الجماعة داخل المجتمع السعودي بشكل عام، وعدم وجود امتداد لها في المؤسسة الدينية الوهابية بشكل خاص، إلا أن التحدي الاكبر تمثل في خروج بعض السلفيين من داخل العباءة السعودية الوهابية لا سيما بعد دخول القوات الأميركية إلى أراضي المملكة.

إن عام 1991 شكل بداية انعطافة في تاريخ ما يسمى بالحركة الجهادية لا سيما مع بروز تنظيم القاعدة في أواخر الثمانينات ، حيث بدأت بعض الاعمال داخل المملكة، كانت البداية مع هجمات محدودة على أهداف أميركية أثناء حرب الخليج عام 1991 وكذلك هجمات في نفس العام في محافظة القصيم والرياض، ثم استهداف منشأة عسكرية أميركية عام 1995 .

وبين عامي 2002 و 2003 شهدت المملكة هجمات ضد قضاة ورجال شرطة في مدينة سكاكا الشمالية في محافظة الجوف، وهي اول أعمال تطال ممثلين حكوميين.

وتعتبر تفجيرات عام 2003 هي الاهم، لأنها انطلقت مما أطلق عليه اسم ” تنظيم القاعدة ” في جزيرة العرب بقيادة أسامة بن لادن ..

وهذه الهجمات هي الاخطر، لأنها ولدت من رحم الحركة الوهابية نفسها، ومن تنظيم كانت المملكة تعتبر نفسها الداعم الأساسي له، فكريا وماليا ..

إن ما نشهده من عنف إجرامي تقوم به داعش في سوريا والعراق هو نسخة طبق الأصل عما قام به تحالف بني عبد الوهاب – آل سعود في غزواتهم في العراق والكويت والأردن وغيرها في دولتهم الاولى والثانية والثالثة منذ أواخر القرن الثامن عشر حتى بداية القرن العشرين ..

إن شعار محاربة الارهاب وتجفيف منابعه دون محاربة المدارس التي تخرج هذا الارهاب سيبقى شعارا فارغ المضمون، عقيم النتيجة.

إن محاربة الإرهاب ينبغي أن تنطلق من هناك، من معاقل مدارس التكفير، من المملكة العربية السعوداعشية..

 

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق