التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

الدعم المالي السعودي لتونس.. ما خفي كان أعظم! 

تمرّ السعودية خلال هذه المرحلة بظروف سياسية استثنائية ناجمة عن سياستها الجديدة في مرحلة ما بعد استلام الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، حيث خرجت السعودية عن سياستها الكلاسيكية الهادئة نسبياً وبدأت سياسة جديدة قادها ابن سلمان بمباركة والده ولم تكد هذه السياسة تتجاوز عمرها الثاني حتى وصلت إلى حائط مسدود في الداخل والخارج، فمن توقّف مشاريع ابن سلمان الداخلية وصولاً إلى توريط نفسه بملفات خارجية لم تجدِ نفعاً لا في المحيط القريب ولا البعيد.

كل ما ذكرناه في كفّة ومرحلة ما بعد “مقتل خاشقجي” في كفّة أخرى فقد وجهت أصابع الاتهام إلى ولي العهد السعودي في هذه القضية ومؤخراً حمّل مجلس الشيوخ الأمريكي محمد بن سلمان مسؤولية مقتل خاشقجي.

هذه الضغوط الهائلة التي يتعرّض لها ولي العهد من كل مكان أجبرته على بدء زيارة خارجية شملت 6 بلدان عربية وتخللها زيارة إلى الأرجنتين لحضور قمة العشرين، ومن خلال هذه الجولة تبيّن حجم العزلة الدولية التي يمرّ بها ولي العهد السعودي ومدى الدعاوى المقدمة ضده إن كان في الأرجنتين أم تونس أم غيرها من الدول التي خرج أبناؤها رافضين زيارة ولي العهد، وكان هذا المشهد أكثر وضوحاً في تونس التي لم تستمر زيارة ولي العهد محمد بن سلمان لها أكثّر من 4 ساعات.

تونس وأسباب الدعم

منذ اندلاع ما يسمى بـ”الربيع العربي” مرت تونس التي بدأ فيها هذا الحراك بظروف استثنائية رافقها عزل رئيس البلاد زين العابدين بن علي عبر ثورة شعبية كان سببها الغضب من البطالة والفقر ومستويات التضخم القياسية، وحتى اللحظة ما زالت تكافح تونس من أجل خفض عجز الموازنة وتحقيق استقرار احتياطياتها المتداعية من العملات الأجنبية، وتحقيق توقعات الدائنين الدوليين الذين يريدون إصلاحات من بينها خفض فاتورة الأجور العامة.

نقطة الضعف هذه أدركتها السعودية ووجدت فيها ثغرة للدخول إلى تونس التي تعيش حالياً أفضل مراحلها السياسية من ناحية الديمقراطية وحرية التعبير، ويبدو أن الرياض وأبو ظبي لن تدع الأمور كما هي.

نبدأ من الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد إلى السعودية الخميس الماضي، والتي كانت غايتها توقيع مجموعة من الاتفاقيات بين البلدين، ولكن نعتقد بأن هدف الشاهد كان يتمثل بمحاولة خفض عجز الموازنة إلى نحو 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقارنة مع 6.2% العام الماضي.

ويوم أمس صرّح الشاهد في تصريح للصحفيين إن السعودية تعهدت بمساعدة مالية لبلاده بنحو 830 مليون دولار، وقال الشاهد إن مبلغاً قدره 500 مليون دولار من المتوقع أن يستخدم لتمويل الميزانية، بينما سيتم تمويل التجارة الخارجية بمبلغ 230 مليون دولار، وستذهب 100 مليون دولار لتمويل مشروعات، ولم يخض رئيس الوزراء في التفاصيل.

وذكرت رئاسة الحكومة التونسية، على صفحتها الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي، “فيسبوك”، أن الاتفاقيات المُبرمة، جاءت لتمويل مشاريع تنموية زراعية، والتزود بالماء الصالح للشراب في الأرياف التونسية.

ما خفي أعظم

صحيح أن هذه المساعدات المالية ستكون بمثابة معالجة سريعة لما تمرّ به تونس من أزمات اقتصادية عالقة تؤثر على حياة المواطنين اليومية، إلا أن السعودية تبحث عن أمر آخر في تونس.

يمكن أن نستشف ذلك من تحذيرات الصحفي البريطاني ديفيد هيرست حول سعي السعودية والإمارات إلى إحداث انقلاب خليجي محتمل في تونس بدعم من السعودية والإمارات جراء ما وصفه بـ “خضوع الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي لإغراءات الرياض وأبو ظبي.

وتحت عنوان (تونس أمام خطر انقلاب مدعوم خليجياً، هل سيسمح العالم بذلك؟) كتب هيرست في مقال بموقع “ميدل إيست آي”، الخميس: إن وجود حركة إسلامية سلمية ممثلة بحركة النهضة في تونس تعتبره بعض الديكتاتوريات في الدول الخليجیة ومصر شوكة في خاصرتها، وتسعى هذه الديكتاتوريات للقضاء على التجربة الديمقراطية الهشّة في تونس.

وتساءل الكاتب هل ستجلس أوروبا التي تحكمها البرلمانات الديمقراطية على الهامش تتفرج وهم يخرّبون برلمان تونس؟ وهل سيقف العالم متفرجاً مرة أخرى في صمت ويترك طغاة الخليج يدبّرون انقلاباً آخر وتدخلاً آخر.

بعد أن غادر ابن سلمان، خلّف من ورائه ثلاثة من مستشاريه الخاصين، حيث يتم في هذه الأثناء جلب مدافع ثقيلة أخرى إلى الساحة، وأحد هذه المدافع السفير الإماراتي الجديد في تونس، راشد محمد المنصوري.

المنصوري كان قد لعب دوراً أساسياً في إقناع زعيم الكرد العراقيين مسعود البارزاني بأنه لو توجّه نحو الاستفتاء على الاستقلال فإن كردستان ستحظى بالدعم المالي من الدول الخليجیة. وبالفعل، قام ابن البارزاني، منصور، الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي، بزيارة سرية إلى أبو ظبي قبل شهر واحد فقط من الاستفتاء الذي أجري في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول الأول، فهل سنشهد مغامرة جديدة للمنصوري في تونس؟.

السبسي – الذي قاوم إغراءات أنظمة خليجية قبل أربعة أعوام – لم يعد الآن يقاومها، فقد زاره الملياردير المصري نجيب ساويرس يوم 19 من نوفمبر/تشرين الثاني في قصر قرطاج بهدف “تطوير شراكات مع عدد من المؤسسات التونسية”، وهي الزيارة التي فجّرت غضب النشطاء الذين وصفوه بـ “عرّاب الانقلاب المصري”.

لا يحمل أي من ذلك أخباراً سارّة، ونعلم ما الذي ينبغي أن نتوقعه. من المفروض أن تُجرى في العام القادم انتخابات برلمانية ورئاسية، وما من شك في أن صعود أسهم النهضة ورئيس الوزراء الشاهد في استطلاعات الرأي سيحفز السبسي وحلفاءه الجدد في السعودية والإمارات على بذل ما في وسعهم لتغيير النتيجة.

المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق