ابن سلمان و”استثمارات الموت” في باكستان
بعد انتهاء زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى باكستان، وعودة كل شخص إلى بيته، انتهى الضجيج الإعلامي الذي أحدثته الزيارة، وبقي عمران خان وبقيت المشكلات التي خلّفتها الزيارة أيضاً.
وفيما يتعلق بالأبعاد السياسية والأمنية لسفر ابن سلمان، هناك الكثير من الكلام ونحن لا نعتزم معالجته، ولكن وفقاً للإحصاءات الرسمية للبنك المركزي الباكستاني، سنركز بشكل مباشر على القضية الاقتصادية.
خضع ابن سلمان لمعادلة عمران خان وهي المال مقابل العلاقات، فالبقرة السعودية مجبرة اليوم على دفع 21 مليار دولار أمريكي على دفعات على شكل استثمارات في الداخل الباكستاني.
ومن هنا تحاول حكومة حزب الإنصاف التي يترأسها عمران خان أن تحسب هذا “النجاح” لها وتقول إن لولاها لما قامت السعودية باستثمار 21 مليار دولار في الداخل الباكستاني، إلا أن الجميع يعرف أن هذه العلاقات هي تاريخية وطبيعية ومخطط لها من قبل الحكومات السابقة، لكنها تختلف بنقطة واحدة عن سابقاتها وهي أنها أتت في وقت يتعرّض فيه ابن سلمان لضغط كبير بسبب قضية خاشقجي والحرب اليمنية.
ومع ذلك، تشير إحصاءات البنك المركزي الباكستاني إلى أن الاستثمار المباشر في باكستان قد انخفض بنسبة 17 ٪، حيث لم تنجح جهود حكومة إسلام آباد لجذب المستثمرين الأجانب من أجل الاستثمار بشكل مباشر في الداخل الباكستاني.
وبحسب الإحصاءات أيضاً فإن الاستثمار المباشر في باكستان على مدى الأشهر السبعة الماضية قد انخفض بمقدار 30 مليون دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي، أي ما يعادل 17.6٪. كما ودفعت الأزمة الاقتصادية التي تمرّ بها اسلام آباد إلى هروب 490 مليون دولار من البورصة الباكستانية خلال نفس الفترة، مقارنة بـ 74 مليون دولار في العام الماضي.
وتعدّ الصين حالياً أكبر مستثمر أجنبي في باكستان، حيث قامت بتحويل 825.5 مليون دولار إلى باكستان خلال الأشهر الماضية، ولكن حتى استثمارات الصين انخفضت بنسبة 27 في المئة، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، حيث بلغت مليار و 142 مليون دولار.
إلا أن الربح الوحيد الذي يحسب لحكومة عمران خان هو الاستثمار البناء الباكستاني الذي ارتفع إلى 380 مليون دولار بعد أن كان العام الماضي 280 مليون دولار، لكنه في موضوع الطاقة كان الوضع عكس ذلك كلياً حيث انخفضت الاستثمارات في هذا الجانب من 620 مليون دولار إلى 230 مليون دولار أمريكي.
ومن هنا إن الإحصائيات الواردة أعلاه يمكن أن توضّح بسهولة الأزمة الاقتصادية الباكستانية وتوضّح أيضاً سبب الاستقبال المهيب الذي حظي به ابن سلمان في باكستان، لكن الحقيقة هي أن ولي العهد السعودي كان يسعى لسبب واحد فقط من رحلته إلى باكستان وهو الهروب من الهزيمة الثقيلة التي مُني بها خلال الفترة السابقة، كما أن أمريكا تهدف من خلال ابن سلمان واستثماراته هناك أيضاً إلى قطع الطريق على الصين وإخراجها من المشاريع الاقتصادية في باكستان، وخاصة عبر استهدافها لمشروع الصين 2050 الذي يحمل اسم “الحزام والطريق”، الذي يربط الصين بباكستان ويسمح لها بالانفتاح على الغرب عبر بحر العرب. وبالنظر إلى الاتفاقيات التي وقّعها ابن سلمان مع السلطات الباكستانية يتبين أنه من ضمنها خطط تسمح للسعودية بالدخول على خط ميناء جوادر، الذي يقع على بحر العرب ويحتل موقعاً بارزاً في خطة الممرّ الاقتصادي بين الصين وباكستان.
وفي هذا السياق يكشف محللون باكستانيون أن المشروع الأمريكي يقسم على ثلاث مراحل وهي:
1-أولاً استثمار سعودي بقيمة عشرة مليارات دولار.
2- تقوم الإمارات وقطر باستثمارات مماثلة هناك.
3-تنضم أمريكا إلى فريق المستثمرين وتقوم باستثمار مبلغ عشرين مليار دولار في الميناء.
وتشير المعطيات والتي كشف عنها لعميد المتقاعد آصف هارون، في حديث إلى صحيفة «الأمة» الباكستانية أمس أن الرياض تسعى في هذا الإطار إلى شراء أراض في جوادر بحجة مصفاة النفط، لكي تثبّت قدمها في هذه المنطقة، وذلك فور انتهاء عقد بين باكستان وإيران يلزم الأولى بعدم استخراج النفط في منطقة جوادر التي تحتوي ذخائر الغاز والنفط حتى عام 2019 – 2020.
ليس هناك شك أن الدولارات السعودية ستحوّل قريباً إلى حسابات الدولة الباكستانية في البنوك، إلا أن التجارب والأدلة تشير إلى أن السعوديين سيحددون أيضاً تكلفة ذلك قبل دفع الثمن، وهذه ملاحظة مهمة أشار إليها بعض المسؤولين الباكستانيين معلنين تخوفهم من الشروط السعودية المبهمة.
صحيح أن الاستثمارات السعودية والتي تبلغ قيمتها 20 مليار دولار كبيرة، لكن مع تزايد انعدام الأمن من المتطرفين الراديكاليين في القاعدة والذين تدعمهم السعودية في باكستان ستتكرر بشكل حتمي السنوات السود التي مرت بها باكستان بين عامي 2000 و2014 إضافة إلى ازدياد العمليات الإرهابية في باكستان.
في الختام.. لا يزال الوقت مبكراً للوصول إلى نتيجة حول نتائج هذه الزيارة، فالمرحلة الأولى من الزيارة قد انتهت ولا يزال السياسيون الباكستانيون والسعوديون ينظرون إلى الصور التذكارية التي التقطوها، ولكن من الممكن في المرحلة الثانية أن نسمع صوت انفجار كبير في باكستان، وهو صوت عودة الجماعات الإرهابية المتطرفة إلى العمل بفعل هذه الاستثمارات، التي سمّاها باكستانيون بـ “استثمارات الموت”.
المصدر / الوقت