الفيتو الاقتصادي لـ”ترامب” وضربة الرياض الغادرة لعملية السلام
إن الحرب العبثية والبربرية لتحالف العدوان بقيادة السعودية على اليمن على وشك الدخول في عامها الخامس ولقد أدّت هذه الحرب إلى مقتل وجرح الآلاف من الأبرياء ونزوح الملايين من السكان وتسببت في حدوث واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية ولهذا فلقد تزايدت في الآونة الأخيرة انتقادات معظم دول العالم ضد تحالف العدوان السعودي ومؤيديهم وعلى وجه الخصوص أمريكا والرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”.
وفي حين تعدّ اليمن واحدة من أفقر الدول العربية وأقلّها نمواً اقتصادياً وعسكرياً، فإن دول تحالف العدوان لديها أكبر مخازن الأسلحة في العالم، ووفقاً لأحدث التقارير الصادرة عن معهد “أبحاث السلام”، تعتبر السعودية هي المشتري الأكبر للأسلحة في العالم ولكن تحالف العدوان السعودي لم يتمكن حتى الآن من تحقيق أهدافه المتمثلة في استسلام الشعب اليمني على الرغم من قيامه بالكثير من المجازر الوحشية ضد أبناء الشعب اليمني وفرضه عقوبات عسكرية واقتصادية وغذائية شاملة على معظم المحافظات اليمنية حتى وصل “التحالف” إلى الحد الذي لم يعد بمقدوره تبرير كل هذه الجرائم للحلفاء الغربيين، وهذا الأمر أدى إلى تزايد انتقادات معظم دول العالم التي دعت إلى ضرورة إنهاء الحرب في اليمن وقطع الدعم العسكري واللوجستي لدول تحالف العدوان وعلى رأسهما السعودية والإمارات.
وفي هذا السياق، قامت العديد من الدول الأوروبية، مثل ألمانيا بفرض عقوبات عسكرية ضد الرياض في أواخر عام 2018، ولقد أعلن وزير الخارجية الالماني “واتشيكو موس” في 6 مارس الماضي بأن وقف صادرات الأسلحة إلى السعودية قد تم تمديدها حتى نهاية مارس، وفي وقتنا الحالي زادت انتقادات المعارضين الأمريكيين تجاه استمرار الحكومة الأمريكية في دعمها العسكري لدول تحالف العدوان في الكونغرس الأمريكي، حيث صوّت مجلس الشيوخ الأمريكي يوم الخميس الماضي لإنهاء الدعم العسكري الذي تقدمه أمريكا لدول تحالف العدوان ولقد حاز هذا القرار على 54 صوتاً مقابل 46 صوتاً مخالفاً وهنا أفادت العديد من التقارير الإخبارية بأن الرئيس “ترامب” أنزعج كثيراً من هذا التصويت الذي قام بها أعضاء الكونغرس الأمريكي وقال بأنه سوف يستعين بالفيتو للاعتراض وإلغاء هذا التصويت.
الفيتو الأسود مقابل الخيانة الكبرى
بالتأكيد، إن استمرار دعم أمريكا لدول تحالف العدوان للاستمرار في حربهم العبثية في اليمن ليس مهماً من الناحية العسكرية بالنسبة للسعوديين فقط، ولكنه أيضاً مهماً من الناحية السياسية في ظل الانتقادات الدولية التي تعاني منها الرياض وهنا يدرك السعوديون جيداً حقيقة أنه في حالة تراجع “ترامب” عن تقديم الدعم العسكري واللوجستي لهم للاستمرار في الحرب العبثية التي يشنوها على اليمن، فإنه سيتعين عليهم إنهاء حربهم العبثية في اليمن والتراجع والقبول بهزيمتهم الكبرى، ولهذا وعلى الرغم من تزايد انتقادات الدول الغربية للرياض بسبب المجازر التي ارتكبتها بحق الشعب اليمني المظلوم، إلا أن فيتو “ترامب” يمكن أن يسهّل على السعوديين الاستمرار في حربهم العبثية والوحشية في اليمن.
يذكر أن مجلس الشيوخ الأمريكي يمكنه إلغاء فيتو الرئيس إذا تم التصويت بأغلبية ثلثي الأصوات، ولكن في الأوضاع الحالية للأسف الشديد لا يوجد إجماع من هذا القبيل بين أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي للتعامل مع مثل هذه القضية.
إن من أهم الأهداف الأخرى التي يسعى “ترامب” لتحقيقها عن طريق القيام بهذا الفيتو، يتمثل في أن استمرار مشتريات الرياض للأسلحة يشكّل مصدر قلق للبيت الأبيض، بغض النظر عن العواقب الكارثية التي تقوم بها الرياض وهنا قال “ترامب” قبل أقل من شهر في اجتماع مع رئيس الوزراء الفيتنامي “وين شين فوك”: “أنا سعيد للغاية لأنك تتطلع لشراء معدّاتنا العسكرية، لدينا أفضل المعدات العسكرية في العالم من الطائرات المقاتلة إلى الصواريخ وكل ما تريد”.
وخلال اجتماعه مع ولي العهد السعودي في البيت الابيض في مارس 2018، قال “ترامب” أيضاً : “إن السعوديين يعتبرون من أهم أصدقائنا ومن أهم المشترين لمعداتنا العسكرية في العالم وتعدّ السعودية واحدة من أكبر الدول التي تستثمر أموالها في أمريكا والتي قامت خلال العقود الماضية بشراء الكثير من أسهم الشركات والبنوك الأمريكية وساعدت واشنطن على خلق الكثير من فرص العمل للمواطنين والشباب الأمريكيين”.
إن عدم اكتراث “ترامب” المفرط تجاه الجرائم الوحشية التي تقوم بها السعودية في اليمن لا يقتصر على رغبته في نيل رضا الرياض وأخذ الكثير من أموالها وإنما يرغب هذا الرئيس المقامر في تنفيذ خطته المشؤومة الموسومة بصفقة القرن وحول هذا السياق، أعلن ممثلو أمريكا خلال قمة “وارسو” أن خطة “ترامب” المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتي يطلق عليها “صفقة القرن”، سيتم الإعلان عنها في شهر أبريل القادم ونظراً لمعارضة الحكومة والشعب الفلسطيني، والمجتمع الدولي والدول الإسلامية لهذه الخطة، فلقد رأى “ترامب” بأن الطريقة الوحيدة لوضع حدّ للقضية الفلسطينية التي تعتبر مقدمة لتطبيع العلاقات بين الدول العربية و”تل أبيب”، هي الوقوف إلى جانب بعض الحكام العرب وخاصة مثل السعوديين ولهذا فإن “ترامب” يعتقد بأن استمرار الحرب في اليمن سيصبّ في مصلحة الكيان الصهيوني.
المصدر / الوقت