التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, ديسمبر 23, 2024

القاعدة وتداخلها مع أنصار الشريعة في اليمن 

جاسم محمد –

  ظهر تنظيم أنصار الشريعة مع “ثورات الربيع العربي” عام 2011 حيث أطاحت بعدد من الانظمة منها تونس، وليبيا ودول اخرى. وتعتبر جماعة أنصار الشريعة في اليمن جزء من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وقد عبر زبير بن عبد الله العباب، أحد قيادي تنظيم القاعدة، بانه جزء من اعادة صياغة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في ابريل 2011 واضاف قائلا: “إن اسم أنصار الشريعة هو ما نستخدمه لتقديم أنفسنا في المناطق التي نعمل بها لتعريف الناس بما نفعله وبأهدافنا”.

 ومنذ ذلك الحين أصبحت تظهر في المحافظات الجنوبية ومنها أبين وشبوة في 2011 واعلنت “امارتها وقار ولم تنسحب منها الا بعد هجوم مضاد شنته الحكومة اليمنية واللجان الشعبية المدعومة جوا من قبل سلاح الطيران الاميركي منتصف 2012. فقد بدأ اتجاه التسمية هذه في اليمن عندما أسس تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في2011 أنصار الشريعة في اليمن. وربما كان هذا قد تولد عن قريحة أسامة بن لادن قبل وفاته، فيما يخص إعادة تسمية تنظيم القاعدة.

وعلى الرغم من ذلك فلا شيء من الأسماء الواردة في المستندات التي تم العثور عليها في مقر سكن بن لادن فقد ذكر اسم أنصار الشريعة كمثال محتمل للقاعدة. ومؤخراً وضع أحد أبرز المنظرين الجهاديين العالميين وهو الشيخ أبو المنذر الشنقيطي ختم موافقته على الموجة الجديدة لجماعات أنصار الشريعة.

تحدث عادل العباب عن تأسيس أنصار الشريعة وقال العباب أو أبو الزبير إن الحركة أطلقت هذه التسمية لتحبيب الناس بالشريعة في المناطق التي تسيطر عليها القاعدة. وتعتمد فكرة الحركة على جذب القبائل والمحليين في اليمن الى إيديولوجية القاعدة أو التيار السلفي “الجهادي” عبر تحويل تحكيم الشريعة من عمل نخبوي الى عمل شعبوي كما يقول العباب. وبالفعل انخرطت الحركة في تقديم الخدمات العامة ومحاولتها بحل المشكلات اليومية للمجتمعات التي تسيطر عليها. وقد استطاعت الحركة آنذاك استقطاب عدداً من القيادات القبلية ابرزها كان طارق الذهب من مشايخ قبيلة قيفة والذي نصب آنذاك أميرا على مدينة رداع مركز مدينة محافظة البيضاء جنوب شرقي العاصمة صنعاء قبل أن تنسحب منها الشريعة وقد تسلل المئات من المسلحين من الصومال الى اليمن لدعمه في المواجهات مع الجيش لكن المعلومات الميدانية تؤكد أن التنظيم استقطب ايضا اعداد من المقاتلين من جنسيات عربية وأجنبية يتصدرهم السعوديون والصوماليون والباكستانيون.

اقطاب متعددة للقاعدة

إن ظهور مجموعات أنصار الشريعة يشير الى نهاية أسلوب الجهاد الوحيد القطب الذي اتبعته القاعدة خلال العقد الماضي بعمل الجهاديين محليا وهذا ما اكدته الدراسات المعنية بالقاعدة ومنها معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى. هذا الاسلوب من العمل كان بموازاة اعتماد التنظيم الى التنظيمات المحلية والاقليمية بعد عام 2006 وتحول القاعدة من تنظيم مركزي على الارض الى شبكة “جهادية” على محركات الانترنيت. اعتمدت شبكة القاعدة على تنظيمها المحلي في اليمن ليكون بديلا لتنظيمها المركزي في معاقله في قندهار ووزيرستان ومايدعم هذا الراي هو تبني تنظيم اليمن والجزيرة عولمة الاهداف رغم فشل غالبيتها.

وفي دراسة الى معهد واشنطن ـ هارون زيلين يقول، إن ثمة اتجاه جديد يكتسح عالم “الجهادية”. فبدلاً من تبني أسماء متفردة، تفضل الجماعات على نحو متزايد أن تسمي نفسها “أنصار”. وفي العديد من الحالات تسمي نفسها “أنصار الشريعة” الإسلامية حيث تؤكد بذلك رغبتها في إقامة دول إسلامية. غير أنه برغم حقيقة أن تلك المجموعات تتشارك في الإسم والأيديولوجية الا أنها تفتقر الى هيكل قيادة موحد أو حتى قائد واحد مثل القيادة المركزية لـ تنظيم القاعدة أو ما تبقى منه. وتحارب هذه التنظيمات في أراضي مختلفة باستخدامها وسائل متنوعة لكنها جميعاً تتحِد في الغاية، وهو النهج الذي يتناسب أكثر مع التقلبات التي تولدت عن الانتفاضات العربية.

 أما مصطفى العاني، مدير قسم الدفاع والأمن في مركز الخليج للدراسات في حديث فيقول أن الاستخبارات السعودية مقتنعة بأن الفرع الموجود في اليمن يريد أن يبرز على الساحة الدولية عبر إقناع قيادة القاعدة بأنه الفرع الأكثر قوة ضمن الشبكة الدولية.

تداخل تنظيم القاعدة والشريعة

 تبقى العلاقة متداخلة مابين التنظيم المركزي من الجيل الاول القاعدي وبين تنظيم القاعدة في اليمن بزعامة الوحيشي من جانب اخر وتبني تنظيم اليمن جماعة انصار الشريعة في 2011 في المحافظات الجنوبية من اليمن من جانب اخر.جماعة الشريعة بدون شك هي جزء من تنظيم القاعدة لكن اداء ومهام الشريعة اختلفت وهذا ماكانت تريده القاعدة اي اعتماد الاسلوب الشعبوي وليس النخبوي في العمل والتوسع على الارض داخل اليمن. فجماعة الشريعة تميزت باسلوب ظهورها ميدانيا بين عامة الناس وهي تحمل السلاح وفي نفس الوقت وتقدم الخدمات لعامة المواطنيين مستغلة غياب السلطة. كانت شخوص الشريعة اغلبها من السكان المحليين وكان من ابرز قياداتهم امير “امارة وقار” آنذاك بلعاد المرقشي رغم ان الشريعة ضمت مقاتلين وقيادات من زعامات القاعدة في اليمن ابرزها البرعيشي وهو احد المطلوبين الى اميركا على القائمة 85 من القاعدة.

الشريعة تستهدف قيادة الامن والجيش

إن التحول الرئيسي في الية عمل القاعدة وتعايشها في اليمن فكان باستهداف قوات الجيش والامن والاستخبارات بعمليات انتحارية فبعد ان كانت القاعدة والشريعة تحرم الدم اليمني وتتعايش في مجتمعاتها اصبحت تحلل فتوى قتل العسكر والاستخبارات بل من المواطنين الذين يتعاملون معها وهذا مايرجح ارتفاع فاتورة الدم اليمني اكثر من غيره نتيجة التداخل والتعايش الموجود لمقاتلي القاعدة والشريعة في القبيلة اليمنية ذاتها. الشريعة استفادت من تجارب مقاتلي القاعدة “داعش ـ الدولة الاسلامية” وذلك من خلال استهداف اهداف نوعية من الدفاع والداخلية والامن السياسي والامن القومي لتحمل ذات الرسالة وهي اثارة الرعب والخوف في نفوس قوات الامن والداخلية والدفاع ولتبعث رسالة مفادها ان الشريعة هي من تحمي الناس اكثر من حكومة صنعاء. اما اختيار اسم الشريعة للتنظيم فبات سبب في محاججة الناس وهذا ما اظهره المرقشي في شريط مصور لموقع مدد الجهادي خلال اعلان “امارة وقار” وهو يتحدث الى عدد من اسرى الجيش قائلا:”هل من احد يرفض حكم الشريعة الاسلامية ويقبل بحكم الغرب والكافر؟” وكأن الشريعة الاسلامية اصبحت وسيلة ويافطة لتنفيذ مصالح ومنافع شخصية ومحلية ومنها الزعامة والوجاهة والمال.

اليمن وتجربة العراق في إعادة الهيكلية

 أدركت الحكومة أن استمرار التدهور الأمني وانتشار الجماعات المتشددة المسلحة بهذا الشكل سيهدد العملية السياسية وممكن ان توظف في الخلافات السياسية والوفاق الوطني. لذا اتبعت الحكومة اليمنية وربما وفق نصيحة الاستخبارات الاميركية ضمن سياسة مكافحة الارهاب باعتماد تجربة العراق في مواجهة انصار الشريعة والقاعدة في المحافظات الجنوبية خصوصا وهي تعيد للاذهان تجربة القائد العسكري الاميركي باتريوس عراب الصحوات العراقية التي كانت فاعلة بالقضاء على تنظيم القاعدة في العراق 2006 الى جانب شن العمليات العسكرية الواسعة. رغم ان الظروف في اليمن تختلف عن العراق كون مقاتلي القاعدة في اليمن وانصار الشريعة غالبيتهم من السكان المحليين بينما كانت القاعدة في العراق اغلبها من المقاتلين العرب والاجانب ومن جغرافية غير عراقية آنذاك. وهكذا استطاعت صنعاء اخراج المرقشي واستعادة جعار “امارة وقار” من قبضة الشريعة وكذلك بقية المناطق منتصف حزيران 2012 ثم تحريره مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين واستولى عليها بشكل كامل في مايس 2011.

ان مواجهة القاعدة وانصار الشريعة في اليمن تختلف تماما عن مايدور في ساحات مواجهة اخرى مثل افغانستان والعراق او الصومال. فاليمن من وجهة نظر القاعدة والشريعة هي ارض المدد من وجهة نظر “الجهاديين” التي يوعدون بها بالمقاتلين من جيش ابين المنتظر. القاعدة في اليمن لايمكن مواجهتها باعتماد العمليات العسكرية الواسعة بل تحتاج الى احتواء القاعدة والشريعة ضمن برنامج خاص يضمن عدم اثارة او استفزاز مشاعر الشارع اليمني التي عادة يجير لصالح الشريعة والقاعدة. الاحتواء القائم على تزاوج المعلومات والاستخبارات واصطياد القيادات اكثر من العمليات الواسعة وعادة تأتي بنتائج ومردودات عكسية في مواجهة الارهاب عند سقوط ضحايا ابرياء وهذا ممكن ان يفرخ خصوم جدد ويخلق وزيرستان جديدة. معالجة الارهاب تتطلب ايضا الاخذ في برامج الحوار الفكري بالاضافة الى معالجة جميع عوامل واسباب الارهاب في المجتمعات منها الفقر والبطالة والغسل الايدلوجي والسيطرة ايضا على المؤسسات التربوية. وينصح بعدم اتباع اليمن سياسات الثأر والاجتثاث ضد ابنائه في مؤسسات الدفاع والداخلية والامن والاستخبارات من النظام السابق لان ذلك سيخلق خصوم جدد يرفع فاتورة العنف. يبقى المشروع الوطني وبناء دولة المؤسسات هي المخرج الوحيد لليمن من ازمة المرحلة الانتقالية.

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق