عملية “حد السيف” التي قصمت ظهر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية
لا تزال تداعيات عملية “حد السيف” الأمنية التي نفّذها رجال المقاومة في غزة تؤرق العدو الصهيوني، عام مضى على هذه العملية ولا تزال نتائج هذه العملية تهزّ أركان الكيان الإسرائيلي، ولا تزال المقاومة الفلسطينية حتى اللحظة تكشف أسراراً ووثائق وفيديوهات عن هذه العملية، وكان آخرها قبل يومين حيث كشف فيديو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي تفاصيل عملية “حد السيف” التي تصدّت فيها مجموعة من كتائب القسام لقوة إسرائيلية خاصة شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة في تشرين الثاني الماضي، ما أدّى إلى مقتل قائد الوحدة الإسرائيلية وإصابة آخرين.
العملية كانت بمثابة فضيحة كبرى لأجهزة الاستخبارات العسكرية، حيث تسبّبت العملية في كشف العديد من وحدات الموساد والشاباك والمؤسسات التي تتحرك من خلالها الأجهزة الأمنية الصهيونية بعديد من المناطق العربية والإسلامية وضد المقاومة بغزة، بالإضافة لكشف العديد من العملاء وفق ضربة أمنية للحكومة وأجهزة المقاومة الأمنية.
ما قام به المقاومون في غزة كان بمثابة انتصار مدوٍّ على الأجهزة الأمنية الإسرائيلية التي يتفاخر بها الصهاينة منذ عقود، وبالتالي كسر الفلسطينيون حاجز الرعب هذا إلى غير رجعة، خاصة وأنهم حصلوا على معلومات موثّقة عن آلية عمل الأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية من خلال العملية التي جرت مساء يوم 11 تشرين الثاني 2018، عندما تسللت قوة إسرائيلية خاصة إلى قطاع غزة بهدف زراعة منظومة تجسس للتنصت على شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة في قطاع غزة، فتتحول إلى صيد ثمين لمقاتلي كتائب القسام، ويسقط كنزاً استراتيجياً في قبضة حماس، لم تكن لتحصل عليه عبر سنوات من صراع الأدمغة.
فقدان الكنز الاستراتيجي دفع رئيس الأركان أفيف كوخافي، وقبل نحو أسبوعين من الذكرى السنوية الأولى للعملية التي أطلقت عليها المقاومة “حد السيف”، إلى إلغاء تعيين المقدم (ع) كقائد وحدة التكنولوجيا التابعة للاستخبارات العسكرية قبل استلامه مهام منصبه رسمياً، وذلك على خلفية عملية خانيونس الفاشلة، وكجزء من دروس الفشل في حد السيف تقرر تعيين ضابط تكنولوجي على رأس الوحدة، وليس ضابطاً مقاتلاً كالمقدم (ع)، حيث تعتبر وحدة التكنولوجيا التابعة لقسم الاستخبارات “جوهرة التاج” بالنسبة لجيش الاحتلال، فمنها تنطلق التطورات التكنولوجية المتميزة.
وفي إطار التفاصيل الجديدة التي تم كشفها عن كواليس هذه العملية، أكد الناطق العسكري باسم “كتائب القسام” الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، أبو عبيدة، أن “ما حصلت عليه الكتائب من معلومات ومعطيات مختلفة في عملية حدّ السيف يمثل كنزاً استخبارياً حقيقياً، وضربة غير مسبوقة لاستخبارات العدو وقوات نخبته الخاصة والسرية”.
وأضاف، خلال مؤتمر صحفي في الذكرى الأولى لعملية “حدّ السيف”، قائلاً: “إنّ ما بحوزتنا لم يكن للاحتلال في أسوأ كوابيسه أن يتخيّل وقوعه بين أيدينا، وإنّ المقاومة توظّف هذا الذخر الأمني والاستخباري لمصلحتها في معركة العقول وصراع الأدمغة بينها وبين الاحتلال الصهيوني”، ووعد بأن تكشف “القسام” خلال الأسابيع المقبلة عن بعض تفاصيل وحيثيات عملية “حد السيف” وما حققته من إنجاز، وعن جهود “إسرائيل” الضخمة التي بذلها في سبيل اختراق منظومات المقاومة.
وأوضح أن “كتائب القسام” انتزعت من نخبة الجيش الإسرائيلي “أسراراً تكنولوجية وعملياتية طالما اعتبرها العدو جزءاً أساسياً من بنية عمله الأمني والاستخباري منذ عقود، وانتزعت معها الهيبة المزعومة والسطوة المصطنعة لنخبة جيش العدو”.
نتائج “حد السيف”
كانت نتائج هذه العملية بمثابة “حدّ السيف” الذي قصم ظهر المؤسسة الأمنية العسكرية الإسرائيلية وكسر هيبتها، فكل التقديرات الأمنية والعسكرية، سواء لدى المقاومة أم الاحتلال، تشير إلى أن فشل الاحتلال بسيف المقاومة في خان يونس ستكون لها امتدادات رادعة للاحتلال مستقبلاً، في حال فكّر بخوض عمليات مماثلة بسبب حجم الخسائر متعددة الأوجه والجوانب.
خسائر تبدأ من انكشاف الفريق الأمني العسكري الخاص الذي تعايش مع غزة لسنوات وخاض تدريبات نوعية جعلته الأخطر والأجرأ، حيث تمكّنت كتائب القسام من “كشف أفراد القوة بأسمائهم وصورهم وطبيعة مهماتهم والوحدة التي يعملون فيها، بعد مقتل قائد القوة التي تم سحبها من المكان في عملية عسكرية معقّدة، تدخل خلالها الطيران الحربي والمروحي وطائرات الاستطلاع والمدفعية الصهيونية، ونُفذت عشرات الغارات على محاور الطرق وضد المقاومين الملاحِقين للقوة الخاصة الهاربة، إلى أن تمكّنت القوة الخاصة من الهروب بالقتيل والإصابات تحت هذا الغطاء الناري، وبمساعدة طائرة مروحية قامت بإخلائها”.
ولا تنتهي الكارثة الأمنية عند خسائر القوة الخاصة، فقد سيطرت” القسام” على أجهزة تقنية ومعدات تحتوي على أسرار كبيرة (ظن العدو أنها تبخّرت باستهدافه لمركبات ومعدات القوة) تمكّنت من خلالها معرفة أساليب عمل وحدات النخبة، ونشاطها الاستخباري والتخريبي في فلسطين والعديد من الساحات الأخرى، من خلال مستوى أمني احترافي يعتمد على تقنيات معقدة تنفرد دولة الاحتلال وبعض الدول الكبرى بامتلاكها.
كما استطاعت المقاومة وللمرة الأولى، من خلال ما حصلت عليه من معلومات وأدوات استخباراتية، أن تكتشف كيف تدار العمليات الأمنية في فلسطين ودول الجوار، بتفاصيل دقيقة، وبناء على هذه الصورة الكاملة تمكّنت المقاومة والأجهزة الأمنية في غزة، من ضرب البنية الأمنية التحتية التي يعتمد عليها في عملياته السرية في قطاع غزة، متمثلة بشبكة جواسيس وأساليب وطرق تمويه تعتمد على شخصيات أجنبية ومؤسسات تعمل تحت لافتة مؤسسات أهلية وإغاثية دولية، ومحطات للرصد والمتابعة والإيواء للقوات الخاصة.
وقد استخدمت القوة التي سقطت في خانيونس هذه الإمكانيات، حيث تضمّنت خطة التمويه كل الوثائق اللازمة والغطاء لتنفيذ مهمتها، فزوّرت بطاقات شخصية باسم عائلات حقيقية في غزة، واستخدمت مركبتين بأوراق مزورة، وزوّرت أوراقاً لجمعية خيرية استخدمتها كغطاء لعملها، كما استأجرت القوة إحدى الشاليهات في منطقة خانيونس من مواطن فلسطيني لعدة ساعات كنقطة التقاء.
ومن بين توابع الفشل المدوي للعملية على الصعيد المعنوي، كسر الهيبة الأمنية للاحتلال التي طالما تباهى بقوتها أمام العرب والفلسطينيين، فقد ظلّت الاستخبارات العسكرية الصهيونية (أمان) إلى عهد ليس بالبعيد، محل مباهاة ومفاخرة صهيونية، وعلامة فارقة في تاريخ العمل الاستخباري، وخصوصاً ذلك المتعلق بالعمليات المباشرة وتهيئة الأرضية لها، سواء أكان في فلسطين أم خارج فلسطين.
البهرجة والهالة التي أحاطت بهذا الجسم تلاشت في لحظة وتبخّر في شوارع خانيونس إبّان عملية حد السيف، وتثبت الأيام ومجريات الأحداث التي تعصف بالاستخبارات العسكرية الصهيونية أن المقاومة وكتائب القسام لم تكن تخدع جمهورها ولا تدغدغ عواطفه، حين وصفت ما حدث لوحدة سييرت ماتكال (وحدة نخبة في جيش الاحتلال) ومن بعدها للاستخبارات العسكرية الصهيونية بالضربة القاسية والأشد في تاريخ الاحتلال.
لقد تسبّبت عملية حد السيف باستكمال الهزيمة وكيّ الوعي عندما ردّت المقاومة بقصف مستوطنات الاحتلال، ومن ثم استقالة ليبرمان وتحوُّل نتنياهو من شخص مجمَع عليه في كل الاستطلاعات أنه حامي الحمى إلى شخص يوازي في وزنه أي قائد صهيوني آخر، كما سقطت صورة وحدة سييرت متكال، وتزعزعت الثقة لدى ضباطها وجنودها.
المصدر/ الوقت