هجوم تنظيم داعش على طاجيكستان
شهد صباح يوم الأربعاء، قيام 20 رجلاً مسلّحاً وملثمين، بمهاجمة مخفر على الحدود الطاجيكية يدعى عشق أباد.
ويقع هذا المخفر على الحدود الأوزبكية، ووفقاً للسلطات الطاجيكية، فإن المسلحين هم أعضاء في تنظيم داعش الإرهابي حيث عبروا الخط الحدودي في منطقة قلعة زال في أفغانستان ليلاً. ولكن كما هو الحال مع أحداث سجن الوحدة والهجوم الذي لاحق سائحي الدراجات الهوائية، فإن روايات المسؤولين الطاجيكيين ليست مُطمئنة للخبراء.
تنظيم داعش وطاجيكستان
تعتبر طاجيكستان أفقر دولة في الاتحاد السوفيتي السابق، حيث تشترك في حدود يبلغ طولها 1400 كيلومتر مع أفغانستان، وكان الفقر والبطالة في طاجيكستان أحد الأسباب الرئيسة للالتحاق بتنظيم داعش، ووفقاً لرئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بالمعهد الرئاسي الطاجيكي، فقد “انضم أكثر من 80 بالمئة من الشباب الطاجيكي إلى صفوف داعش عن طريق روسيا إلى تركيا ومن تركيا إلى العراق وسوريا “.
وأعلن معهد الأزمات الدولية في تقريره الأخير أنه بين عامي 2011 و 2014، وصل ما بين 2000 إلى 4000 طاجيكي إلى سوريا والعراق للانضمام إلى تنظيم داعش، وبسبب حاجة التنظيم إلى أشخاص مختلفين كالمقاتلين والمدرسين والممرضين والأطباء، كانت الفرص لهؤلاء العناصر متوافرة أكثر في طاجيكستان، حتى أن بعض هؤلاء الإرهابيين، مثل أبو علي الطاجيكي، وصلوا إلى مناصب القيادة والإمرة وحصلوا على ثقة التنظيم.
ومع انهيار خلافة داعش في العراق ثم سوريا وقتل قادتها، بدأ العديد من الطاجيك الذين انضموا إلى داعش بالعودة إلى ديارهم. ووفقاً للمادة 401 من دستور طاجيكستان، إذا رفض شخص ما طواعية المشاركة في النزاعات المسلحة غير القانونية في البلدان الأجنبية أو انسحب من عضوية المجاميع المسلحة الإجرامية مثل الجماعات المتطرفة أو الإرهابية، فسيتم إعفاؤه من المسؤولية الجنائية إذا لم يكن لديه أي جرائم جنائية أخرى، وقد أدى ذلك إلى عودة 70٪ من الطاجيك إلى تنظيم داعش بعد عام 2016، في حين أن هذا قد يثير احتمال قيام تنظيم داعش بالإعداد لهجمات إرهابية في طاجيكستان، كان هناك الكثير من الشكوك والغموض يحوم حول الهجوم الأخير وفقاً لرواية السلطات الطاجيكية.
الغموض في رواية هجوم تنظيم داعش
وفقاً لوزارة الداخلية الطاجيكية، تم قتل 17 من عناصر هذا التنظيم المسلّح وتدمير أربعة عجلات خلال العملية العسكرية، كما هرب الأعضاء الأربعة الباقون في التنظيم إلى قرية “أسانباي” في منطقة “رودكي”، الذين قُبض عليهم في نهاية المطاف، واستولى المسلحون خلال الهجوم على خمسة بنادق كلاشينكوف وقتلوا حرس الحدود والشرطة أثناء تأديتهم لواجبهم عند المخفر، وقال أركادي دوبنوف، أحد محللي شؤون آسيا الوسطى في مقابلة مع صحيفة كوميرسانت الروسية: “هناك شكوك جدية في أن هؤلاء المقاتلين كانوا أعضاء في تنظيم داعش، وقد كانوا يمتلكون أقنعة، في حين أنه في السنوات الأخيرة كانت جميع الهجمات في المنطقة من دون أقنعة، أشعر أن هؤلاء هم سجناء تم إرسالهم لتنفيذ هذه المهمة.”
وهنالك عدة دلائل عززت فرضية أن الهجوم كان ملفقاً:
1- إزالة صور المهاجمين من موقع وزارة الدفاع الطاجيكية وبعد وقت قصير من انتشارها، أثارت الشكوك حول عجز وزارة الدفاع الطاجيكية عن تبرير الهجوم الإرهابي. 2- في الهجمات السابقة التي شنّها تنظيم داعش في طاجيكستان، نادراً ما كانت وجوه المهاجمين ملثمة لكن المسلحين هذه المرة كانوا ملثمين. 3- من ضمن صور القتلى، شوهد وجود شخص بأصفاد تحكم يديه، وهذا يعزز الرواية القائلة بكونهم سجناء. 4- إحدى لوحات العجلات الأربع التي بدت واضحة في الصور، كانت تبدأ بالرقم “01” وهي لوحة تخص مدينة دوشنبة، ومن الصعب على الخبراء فهم كيفية حيازة المهاجمين على سيارة تحمل لوحة ترخيص الحكومة الطاجيكية. ٥ – شككت الخسائر الفادحة والهجمات المفاجئة بهذا الشكل على المخفر الحدودي، في كون الهجوم طبيعي، رغم أن الحكومة الطاجيكية تدّعي أنه بالقرب من موقع الحادث، كانت هنالك مناورة عسكرية للجيش وسرعان ما تدخلوا لإنقاذ الموقف.
ولكن وفقاً لوجهة نظر الخبراء، لم يكن بإمكان المهاجمين اختيار مخفر حدودي للهجوم عليه بعد قطعهم مئات الكيلومترات، وكتبت بعض الصحف الألمانية عن المحلل الروسي ألكسندر كنزيف: “لا أعتقد أن مرتكبي الهجوم عبروا الحدود وكان الأمر أشبه بالعرض”. 6- أظهر شريط الفيديو الذي نشره موقع “أعماق” التابع لتنظيم داعش، عن تبنّيه للهجوم على نقطة التفتيش الحدودية، كما لوحظ وجود 6 أشخاص يبايعون خليفة التنظيم الجديد لكن وزارة الدفاع الطاجيكية تقول إنهم 20 شخصاً، وأعلن تنظيم داعش إنه قتل 10 اشخاص من القوات الطاجيكية في الهجوم، لكن طاجيكستان تزعّم مقتل اثنين فقط، وبينما تقول وزارة الدفاع الطاجيكية إن جميع المهاجمين قُتلوا أو اعتُقلوا، فإن ما يزيد من غموض القضية ويثير التناقضات هو كيف بإمكان عنصر من هذا التنظيم البقاء حيّاً وإيصال معلومات عن أعداد القتلى إلى التنظيم.
الأهداف المحتملة في سيناريو الهجوم
يمكن القول أن هناك ثلاثة أهداف رئيسة وراء الهجمات:
1- زيارة الرئيس الطاجيكي “إمام علي رحمن” لأوروبا في رحلة استغرقت ثلاثة أيام بعد توقف دام لمدة ثلاث سنوات على إثر مجموعة من الانتقادات تتعلق بالسجناء السياسيين، وحرية وسائل الإعلام وحقوق الإنسان، كما انتقد العديد من الناشطين الطاجيك في الداخل والخارج أداء الرئيس الاقتصادي وخفض قيمة الروبل وكانوا يخططون للاحتجاجات في أوروبا ضده، لذا فإن التخطيط لمثل هذا الهجوم أو شنه سيحوّل تركيز انتقادات الحكومات الأوروبية له نحو القضايا الأمنية ويقلل من مبررات الاحتجاجات المعارضة.
2- تجري الانتخابات الرئاسية في طاجيكستان كل سبع سنوات، وفي هذه الظروف، ونظراً للانتقادات الشديدة التي تواجهها الانتخابات، فإنها تمرّ بمرحلة عصيبة قياساً بالماضي، ومنذ الشهر الماضي، تمهّد طريق النجاح في الانتخابات، كاعتبار “الميثاق الوطني الطاجيكي” على أنه إرهابي، وهو تحالف لقوى المعارضة السياسية في البلاد.
المصدر/ الوقت