التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

كورونا وأهمية التعبئة العامة…نموذج محور المقاومة الفعال 

يقترب عدد المصابين بفيروس كورونا من ثلاثة ملايين شخص في جميع أنحاء العالم، إلا أن إحصائيات كورونا المتفرقة تظهر أن الدول لديها نتائج مختلفة في التعامل مع الفيروس. وتتصدر الولايات المتحدة والدول الأوروبية قائمة المصابين، في حين لم تتغير كثيرا أعداد المصابين في الصين في الشهرين الماضيين. في حين ان دولا أخرى، مثل روسيا أو حتى البلدان ذات النظم الصحية السيئة، مثل لبنان واليمن، في وضع أفضل بكثير من الدول الأوروبية المتقدمة من حيث عدد المصابين، والذي قد يكون نتيجة لطرق أخرى اتبعتها البلدان غير الحجر الصحي، وأحدها التعبئة العامة.
لطالما اتهمت الرؤية الغربية (الديموقراطية الليبرالية) الحكومات التي تنخرط في التعبئة السياسية، بأنها أنظمة سياسية استبدادية ومنغلقة وشمولية وبشكل عام، أنظمة غير ديمقراطية. ويتكرر هذا التفسير في وسائل الإعلام والأوساط السياسية ومراكز الدراسات خاصة حول منافسي الغرب، مثل محور المقاومة، لتقويض شرعية المقاومة وتقويض القبول العام للفصائل المرتبطة بها في المنطقة.
وفي هذه الظروف، أظهر فيروس كورونا من جديد أهمية التعبئة السياسية للتعامل مع الأزمة. وفي دول محور المقاومة، تتمتع البنى التحتية لفصائل المقاومة، التي تقوم على الأيديولوجية الدينية والوطنية، بالقدرة على جذب أكبر عدد ممكن من الناس، هذا اولا، وثانياً المقبولية الكبيرة في الشارع، وثالثًا، القدرة على الحركة وعلى المناورة خاصة بعد المصادفة التي جمعت الواجب الديني مع الواجب التنظيمي. .

قوة التنظيم العام

واحدة من أكثر المشاكل شيوعًا في الديمقراطية الليبرالية هي بطء وتيرة صنع القرار أثناء الأزمات الاجتماعية والاقتصادية الهامة. اذ بعد تفشي فيروس كورونا في العالم، أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن رضاه عن حالة الصحة والتأهب في الولايات المتحدة على الرغم من التحذيرات آنذاك. وصرّح ترامب في مقابلة له خلال الأيام الأولى من تفشي كورونا في الولايات المتحدة: “نحن مسيطرين على الفيروس بشكل كبير”. وقال في مؤتمر صحفي “نحن في مستوى منخفض للغاية فيما يتعلق بتفشي الفيروس ونحن مستعدون للغاية لهذا المرض.” ولكن بعد وصول عدد الإصابات في أمريكا الى أكثر من 800 ألف حالة ووفاة 45 ألف شخص في الولايات المتحدة، تعرض الرئيس الأمريكي الى انتقادات واسعة النطاق حول أسلوب إدارة أزمة فيروس كورونا في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من انتقاد الصين من قبل نظام الحزب الواحد، فقد نجحت إلى حد كبير في منع انتشار المرض من خلال الإدارة الجماعية والتعبئة العامة. ويبلغ عدد سكان الصين 1.3 مليار نسمة، ويبلغ عدد حالات الإصابة فيها ما يقارب 80.000 حالة. وعلى الرغم من أن ترامب يتهم الصين بالكذب ويعتقد أن الصين لديها أكثر من ثلاثة ملايين مُصاب، فإن نجاح الصين يأتي نتيجة التعبئة العامة والإدارة المنسقة. وقد حقق هذا النوع من التعبئة العامة نتائج إيجابية في بعض الدول وبين بعض الجماعات السياسية، مثل فصائل الحشد الشعبي وحزب الله اللبناني وقوات أنصار الله اليمنية، حيث لديهم خبرة في مجال الخدمات الاجتماعية والعمل الجماعي، وعند تفشي فيروس كورونا حققوا نتائج إيجابية.

الحشد الشعبي وإدارة أزمة كورونا

لعبت الأيديولوجية الدينية لفصائل المقاومة جنبًا إلى جنب مع الأيديولوجية الوطنية والخدمات الاجتماعية، دورًا رئيسيًا في جذب أكبر عدد ممكن من الناس. ومن ناحية أخرى، أدت القدرة على التحرك السريع والتصرف بطريقة منسقة وفي الوقت المناسب من قبل هذه الفصائل الشعبية خلال الأزمات، وخاصة أزمة كورونا، إلى الإدارة الصحيحة والسيطرة في الوقت المناسب على انتشار كورونا في بلدان محور المقاومة.

فمنذ الأيام الأولى لتفشي فيروس كورونا في العراق، دخلت فصائل الحشد الشعبي وعلى رأسها كتائب حزب الله الميدان لمكافحة تفشي فيروس كورونا. وقامت هذه الفصائل فورا بتطهير وتعفير الطرق العامة لمختلف المدن. وفي الوقت نفسه، بعد فترة وجيزة من إنتشار كورونا في العراق، شرع الحشد الشعبي ببناء مستشفيات ميدانية في المدن عالية الخطورة على أساس حركة المرور واحتمال حدوث أزمة في تلك المدن.
وبسبب عدد الزوار الكبير في مدينة كربلاء المقدسة من جهة، ودور مدينة كربلاء في اقتصاد العراق من ناحية أخرى، بدأ الحشد الشعبي ببناء مستشفى بسعة 100 سرير في كربلاء في أوائل أبريل. وذكرت وكالة السومرية نيوز أن “هذا المستشفى تم انشاؤه كإجراء احترازي لمساعدة المؤسسات الطبية على مكافحة الفيروس، هو بسعة 100 سرير وتتوفر فيه معدات ومرافق طبية”.
وقد تم اتخاذ هذه الإجراءات الاحترازية في جميع المحافظات العراقية، وفقاً لتصريحات أبو علي البصري، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي. وبعد أيام قليلة من بدء بناء مستشفى كربلاء، بدأ لواء الحشد الشعبي السادس عشر، بالتعاون مع المرجعية الدينية العراقية، ببناء مستشفى بسعة 118 سريرًا وبمساحة 2700 متراً في محافظة كركوك للحجر الصحي وعلاج المصابين بكورونا.
وقد أدت نتائج هذه الإجراءات إلى إبطاء انتشار المرض في العراق، حيث بلغ عدد المصابين حتى الآن 1600 حالة وارتفع عدد الوفيات إلى 83 حالة وفاة. وفي الأسبوع الماضي، أعلن جاسم الفلاحي، عضو خلية إدارة الأزمة في العراق، أن البلاد ستكون من بين الدول التي سيطرت على الفيروس. وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية في بيان “إن استخدام العراق لتجارب الصين وايران حال دون وصول العراق الى مرحلة الازمة.”

لبنان والیمن

لعبت فصائل المقاومة الاسلامية في لبنان واليمن ايضا، دورًا بارزًا في التعبئة العامة والأنشطة الاجتماعية، وبالتالي فإن نتائج السيطرة على الفيروس لا تزال في حالة جيدة. وفي الأيام الأولى، سلّم حزب الله اللبناني 24،500 شخصا من طواقم الصحة وجميع المستشفيات ومراكز الحجر الصحي والعزل التابعة له، لوزارة الصحة اللبنانية. ونفّذ أيضاً إجراءات لوجستية وتنظيمية في مدينة بعلبك – الهرمل، وأنشأ غرفة عمليات خاصة في المنطقة بالتنسيق مع مؤسسات لبنانية أخرى.

وكانت القوة التنظيمية لحزب الله لدرجة أنه استطاع خلال فترة قياسية تشكيل 226 لجنة لمختلف المناطق والقرى، بالإضافة إلى تنظيم مجموعة من 200 شخص متدرب لرعاية المصابين بالفيروس. وفي الوقت نفسه، درب الحزب 7000 امرأة و 15 ألف رجلا عبر وسائل الإعلام للتعامل مع كورونا.
وضمت عملية الدفاع المدني التي قام بها حزب الله ضد تفشي كورونا حوالي 3،530 شخصًا ، 2000 منهم من الأطباء والممرضات. كما أقام حزب الله مفرزة طبية في منطقة البقاع من القوات الشعبية المدربة، وكذلك من الأطباء والممرضات. وخلال شهر واحد، أنفق حزب الله 3 مليارات ونصف ليرة لبنانية لمنع انتشار كورونا في البلاد، وبالإضافة إلى الإجراءات الطبية والصحية، وزعت كوادر الحزب 7000 سلة غذائية في منطقة البقاع في مجال التضامن الاجتماعية.
إن الإجراءات المنسقة لحزب الله في لبنان ومؤسسات أخرى جعلت لبنان من أقل البلدان تأثراً في العالم على الرغم من المشاكل الاقتصادية، حيث أصيب حتى الآن 627 شخصاً وتوفي 21 آخرون.
ووفقا للإحصاءات العالمية، تم تشخيص حالة إصابة واحدة في اليمن حتى الآن. وقبل الإعلان عن الإصابة الأولى، أعدت قوات أنصار الله نفسها لمكافحة الفيروس. وفي تغريدة سابقة، دعا محمد علي الحوثي الأمم المتحدة للمساعدة في وقف تفشي الفيروس في اليمن للمساعدة من خلال إنهاء الصراع في البلاد. وبعد تأكيد إصابة أول حالة في محافظة حضر موت، أعلنت حركة أنصار الله أنها تتعامل كفريق واحد للتعامل مع أزمة كورونا.
وبالإضافة إلى ذلك، يحذر أنصار الله من هجرة المصابين بالفيروس من المملكة العربية السعودية إلى اليمن. ولعبت الإجراءات المنسقة في الوقت المناسب لإغلاق معابر محافظة حضر موت وشبوة، والتي تم التأكد من إصابة أول شخص فيها، دوراً فعالاً في منع انتشار الفيروس إلى مناطق أخرى. كما أفرج أنصار الله مؤقتاً عن 2361 سجيناً لمنع تفشي هذا الوباء. وكتب محمد علي الحوثي في حسابه على تويتر أمس “تمكنت حكومة الإنقاذ الوطنية اليمنية من إنتاج العديد من أجهزة التنفس الاصطناعي لمكافحة الفيروس”.
استطاع محور المقاومة في من خلال قدرته على التعبئة العامة بشكل كبير، من منع تفشي الوباء بشكل كبير في هذه البلدان ومن دخولها مرحلة حرجة، بينما في الولايات المتحدة، على الرغم من البنية التحتية الصحية القوية، يتزايد عدد المرضى يومًا بعد يوم بشكل كبير جدا.
وقال إدوارد ألدن، أحد الأعضاء البارزين في المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، في مقابلة له: ان تفشي كورونا هو تأكيد على حقيقة أن الولايات المتحدة لم يعد لها دور نظام فعال ومتقدم للغاية. لقد اعتاد الأوروبيون على النظر إلى الولايات المتحدة بنظرة ممزوجة بالخوف والاحترام، لكن الظروف التي طرأت، تُعزز فكرة أن الولايات المتحدة ليس لديها ما تعلّمُه لبقية العالم.”
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق