خيوط الاتحاد الرفيعة تحت ساطور الإبادة الجماعية للأرمن
في 24 أبريل 2020 ، أصدر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب بيانًا بمناسبة الذكرى السنوية لأحداث عام 1915 ، حيث استخدم فيه مرة أخرى مصطلح “Meds Yeghern” لوصف أحداث عام 1915 ، والتي تعني باللغة الأرمينية “مأساة كبيرة” ، وقال ترامب ضمن أهم تصريحاته: “في هذا اليوم ، نشهد قوة وصلابة الشعب الأرمني في مواجهة هذه المأساة ، ونحن سعداء لأن العديد من الأرمن جلبوا ثقافتهم الغنية إلى شواطئنا وقدموا مساهمة كبيرة لبلدنا”. الأهمية الحالية لملاحظات دونالد ترامب الجديدة هي أنه رفض في السابق استخدام مصطلح الإبادة الجماعية ، خلافا لرأي الكونغرس الأمريكي ، والذي اعترف رسمياً بالإبادة الجماعية للأرمن.
عقب التصريحات التي أدلى بها ترامب ، رد المسؤولون السياسيون الأتراك على الفور ، وفي هذا الصدد ، رد السفير التركي في واشنطن “سردار قليج” على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول أحداث عام 1915 قائلاً: ان هذه التصريحات التي أخذت بعين الاعتبار السياسة الداخلية ليس لها أي قيمة لأنقرة. ومع هذه الأوصاف ، فإن السؤال الآن هو ، ما هو تأثير تصريحات ترامب ضد تركيا وإعادة فتح ملف الإبادة الجماعية للأرمن على العلاقات بين الجانبين؟ ولكن قبل مناقشة الآثار المحتملة لهذه التصريحات ، من الضروري أولاً أن نناقش بإيجاز قضية الإبادة الجماعية للأرمن وأن نشير إلى حجة تركيا في الدفاع عن نفسها.
قصة الإبادة الجماعية للأرمن ودفاع الأتراك عن أنفسهم
يطلق مسمى الإبادة الجماعية للأرمن على سلسلة أعمال القتل والذبح التي قامت بها الإمبراطورية العثمانية ضد الأرمن بطرق مختلفة على مدى ثلاث سنوات ، ولطالما أكدت أرمينيا على أن أعمال الدولة العثمانية في ذلك الوقت أدت لمقتل نحو 1.5 مليون شخص ، ووفقا للأرمن ، كان هؤلاء الناس ضحايا لعمليات القتل الممنهج والهجرة القسرية والمجاعة بين عامي 1915 و 1917 ، ووفقًا لهذا الادعاء ، قامت الإمبراطورية العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى بملاحقة الأرمن وقتلهم بشكل منهجي ، ومع ذلك ، لا يوجد إجماع بين المراقبين السياسيين والمؤرخين حول ذلك ، حيث يقول بعض المؤرخين أن مئات الآلاف قد قتلوا ، ويقول اخرون انه وصل عدد الضحايا الأرمن حوالي 1.5 مليون شخص.
وتجدر الإشارة إلى أنه ثمة أكثر من 30 دولة اعترفت بشكل رسمي حتى الآن بالمذبحة التي تعرض لها الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى على يد العثمانيين تحت عنوان “الإبادة الجماعية للأرمن” ، وللمرة الأولى ، تحدثت فرنسا ، بصفتها دولة أوروبية كبرى ، في عام 2001 عن “الإبادة الجماعية الأرمنية” في زمن الإمبراطورية العثمانية ، وقد اتبع البوندستاغ الألماني (البرلمان) سياسة مماثلة في عام 2016 ، الامر الذي أدى إلى أزمة دبلوماسية بين تركيا وألمانيا ، ورأينا أيضًا أن أعضاء الكونغرس الأمريكي في 12 ديسمبر 2019 اعترفوا رسمياً بالإبادة الجماعية للأرمن من قبل الإمبراطورية العثمانية.
وعلى الرغم من أن عدد البلدان التي تعترف بالإبادة الجماعية للأرمن يتزايد كل يوم ، إلا أن الحكومة التركية نفت وقوع الإبادة الجماعية في جميع العقود منذ تشكيل الحكومة الوطنية التركية الجديدة في عام 1924 وأكدت مراراً ان هذه الواقعة قد حدثت خلال التطورات في الحرب العالمية الأولى ، وفي الواقع ، بينما تعترف الحكومة التركية بوقوع هذه المذبحة ، الا إنها لا تعتبرها إبادة جماعية متعمدة ، وتنتقد بقوة اطلاق هذا التعريف على الواقعة.
إثبات الطبيعة السياسية لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة
يمكن قراءة تصريحات دونالد ترامب في الوقت الحاضر من منظور انتقاد حقوق الإنسان الأمريكية ، وهذا يعني أنه في 12 سبتمبر 2019 ، عندما صوت الكونجرس الأمريكي لإدانة الإبادة الجماعية للأرمن ، امتثل ترامب بسهولة لمطالب المشرعين ومنع الاعتراف بطبيعة الإبادة الجماعية للأحداث من أجل الحفاظ على العلاقات مع أردوغان ، ولكن الآن وفي الوضع الجديد وبعد بضعة أشهر ، تغير اتجاه ورؤية حقوق الإنسان الأمريكية ، حيث يسعى ترامب إلى تحقيق أهدافه الخاصة من خلال الحديث في الإبادة الجماعية ضد الأرمن ، والحقيقة هي أنه ثبت لمرات عدة أن حقوق الإنسان كان لها دائمًا دلالات سياسية بالنسبة الى الإدارة الأمريكية حيث انها تستند إلى المصالح والطموحات السياسية ، كما ان تصريحات ترامب الأخيرة تثبت ذلك مرة أخرى.
نهاية الهمسات حول استمرار التحالف بين أنقرة وواشنطن
يمكن النظر إلى تصريحات ترامب الأخيرة على أنها نهاية قضية الحفاظ على الوحدة الاستراتيجية بين البلدين ، وعلى الرغم من أنه ثمة مجموعة واسعة من الاختلافات قد تطورت بين تركيا والولايات المتحدة الامريكية على مدى السنوات القليلة الماضية ، والتي وضعت الجانبين على طريق بارد الى حد كبير ، لكن يمكن أن تكون تصريحات ترامب هي نهاية هذه الصداقة المعيبة ، وفي الواقع ، في حالة إعادة انتخاب دونالد ترامب أو في حالة وصول المرشح الديمقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض في عام 2021 ، لا يمكن للمرء أن يتوقع ان يكون هناك نظرة إيجابية للعلاقات بين تركيا والولايات المتحدة الامريكية.
تسريع عملية الحد من التعاون المشترك
عقب البرود المسيطر على العلاقات بين الجانبين ، يمكن اعتبار النتيجة الأكثر أهمية والملموسة من هذا الوضع هو الحد من التعاون الاقتصادي والعسكري مع بعضها البعض ، حيث إن الأزمات مثل شراء منظومة الدفاع الصاروخي S400 ، وهجوم تركيا على المواقع الكردية في شمال سوريا ، وعدم توافق أنقرة مع سياسات الناتو الكلية في منطقة غرب آسيا والمجتمع الدولي ، كلها عوامل تؤثر حتماً على العلاقات التجارية والاقتصادية والتعاون الأمني والعسكري ومجالات أخرى بشكل سلبي، لذلك ، ففي المستقبل غير البعيد ، يمكن اعتبار تصريحات ترامب الأخيرة والتي تسلط الضوء على الإبادة الجماعية للأرمن على أنها تسريع لتدهور العلاقات بين الجانبين.
المصدر/ الوقت