إبتزاز الإدارة الأمريكية للأبقار الحلوب في المنطقة “ثمناً للاستسلام”
قصة البقرة الحلوب، أو ابتزاز الإدارة الأمريكية للدول العربية بمساعدة الأداة الإعلامية المتمثلة بـ إيران فوبيا في سوق الأسلحة، مستمرة منذ سنوات، ولكن خلال رئاسة ترامب أصبح الأمر أكثر وضوحًا وأكثر تكرارًا، خاصةً أنه لم يتردد في إعلان ذلك رسمياً، وكالعادة لا يجرؤ الحكام العرب على الاحتجاج على هذا الإعلان والفضح أو تخفيض مشترياتهم.
وفي الخطوة الأخيرة من هذا التكتيك المهين، ذهب الأمريكيون إلى عميلين جيدين وقديمين لديهم في منطقة غرب آسيا، ليبيعوا السلع الهجومية والدفاعية لشركاتهم بأسعار أعلى بكثير من الأرقام الفعلية.
لقد تم التشكيك في اسم ومصداقية نظام الدفاع الجوي والمضاد للطائرات “باتريوت” بشدة في السنوات الأخيرة، وخاصةً في الحرب اليمنية وتدمير منشآت أرامكو. وقد أثيرت أسئلة وأوجه غموض جدية حول مصداقيتها، وعلی وجه الخصوص بعد أن تم التأكيد رسميًا على أن الرادار وما يسمى بـ عين هذا النظام لا يغطي سوى ثلث نطاق 360 درجة، ومن السهل مفاجئته. ولكن يبدو أن بعض حلفاء أمريكا البؤساء ما زالوا مضطرين على حفظ رغبتهم في شراء هذا النظام.
في أحدث التطورات، وقعت الكويت كواحدة من أقدم عملاء الأسلحة الأمريكية وصواريخ باتريوت، مؤخرًا اتفاقيةً جديدةً مع الولايات المتحدة في ثلاثة أجزاء لاستلام صواريخ باتريوت، بقيمة إجمالية تبلغ حوالي مليار و425 مليون دولار.
الجزء الأول من العقد بقيمة 425 مليون دولار يتعلق باستمرار الدعم الأمريكي لأنظمة الباتريوت في الكويت، والجزء الثاني من العقد بقيمة 200 مليون دولار يتعلق بإصلاح هذا النظام، والجزء الثالث بقيمة 800 مليون دولار يرتبط ببيع 84 صاروخ باتريوت من طراز “باك- 3”.
بعد دراسة تفاصيل الصفقة التي تم الإعلان عنها، يتضح أن الحكومة الكويتية ستنفق 800 مليون دولار لاستلام 84 صاروخ باك- 3 فقط، وهو ما يعني إنفاق حوالي 9.5 مليون دولار لكل صاروخ. بالطبع، مع العلم بأن الكويت هي أحد المستخدمين القدامى لهذا الصاروخ، ولديها بالفعل البنية التحتية اللازمة لاستخدام هذا الصاروخ، والسعر المستلم في هذه الحالة هو للصواريخ فحسب.
قد يعتقد البعض أن هذا السعر هو سعر عالمي لصاروخ ذي قدرات مضادة للطائرات والمضادة للصواريخ الباليستية، بغض النظر عن أدائه الضعيف وعدم الثقة به في ساحة المعركة، ولكن بالنظر إلى بعض الأخبار، نجد بعض النقاط المثيرة للاهتمام على ألسنة بعض المسؤولين الأمريكيين العام الماضي، حيث في صيف عام 2019 أعلن المشرعون الأمريكيون أن كل طلقة باتريوت ستكلف حوالي 5 ملايين دولار، ومن الأفضل لجيش هذا البلد أن يبحث عن صواريخ أرخص تكون أكثر جاذبيةً للعملاء الأجانب الذين يستخدمون نظام باتريوت أيضًا!
السؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة هو، كيف أن الصاروخ الذي وصفه المسؤولون الأمريكيون غالياً عندما يبلغ سعره نحو 5 ملايين دولار، وهو ما يؤدي إلی فقد العملاء والزبائن، يباع بسعر مضاعف لبلد آخر وفي أقل من عام؟ سؤال يجب تفسيره في إطار حلب الأبقار الحلوب.
الرومانسيات بين بن سلمان وترامب مستمرة
عندما يتعلق الأمر بمبيعات الأسلحة والعلاقات الخارجية في أمريکا ترامب، لا يسعنا إلا أن نفکر في السعودية وأميرها المتوهم “محمد بن سلمان”، الذي يعتبر لفترة طويلة الرجل الأول في هذا البلد، والطامع في توسيع نفوذه في المنطقة من خلال تدمير البنية التحتية وقتل الناس في دول مثل اليمن وسوريا.
في الآونة الأخيرة أيضاً، يبحث السعوديون عن عملية شراء كبيرة أخرى من الولايات المتحدة، حيث اشتروا لأسطولهم المقاتل “إف 15″، مجموعةً من صواريخ “هاربون بلوك 2” المضادة للسفن، وقاذفات صواريخ كروز ضد أهداف أرضية من طراز SLAM-ER.
ووفقًا للتقارير الرسمية، اشترى السعوديون 650 صاروخًا من صواريخ SLAM-ER بإجمالي 1.970 مليار دولار، وهو ما يكلف حوالي 3 ملايين دولار لكل صاروخ. ويبلغ مدى هذا الصاروخ حوالي 270 كيلومترًا.
هنا أيضاً يمنحنا النظر إلى الماضي والحاضر، بعض الأرقام المثيرة للاهتمام. حيث بلغ سعر كل طلقة من صاروخ “اسلم اي آر” في عام 2013 حوالي 500 ألف دولار، وفقًا للبحرية الأمريكية. وإذا أخذنا في الاعتبار معدل التضخم للدولار، فقد ارتفع متوسط القيمة التضخمية للدولار بنحو 1.38٪ مقارنةً بعام 2013 إلى 2020؛ وهذا يعني أن 500 ألف دولار في عام 2013، تبلغ قيمتها النهائية حوالي 550 ألف دولار في هذه الأيام. ويتضح من ذلك، أن الولايات المتحدة تبيع للسعوديين صاروخًا يجب أن تبلغ قيمته مليون دولار في أسوأ حالاته، وربما مع الربح الصافي، بسعر يبلغ حوالي 3 ملايين دولار.
لكن هذا ليس كل شيء. فإذا نظرنا إلى الأسعار المعلنة للجيل الجديد من الأسلحة الجوية الأمريكية، وأخذنا في الاعتبار أسعارها الجديدة، سنكون قادرين على فهم أفضل لابتزاز الأمريكيين لعملائهم الخاصين والمهانين في منطقتنا، والأرباح التي يجنونها منهم.
في الوقت الحاضر، تستعد القوات المسلحة الأمريكية لاستلام جيل جديد من صواريخ كروز الجوية المهاجمة لأهداف أرضية، أي سلسلة AGM-158 في النموذج الأولي والنموذج مع النطاق الإضافي، اللذين يبلغ مداهما 370 و 925 كم على التوالي.
يبلغ سعر النموذج الأصلي حوالي مليون و260 ألف دولار، وتم الإعلان عن سعر النموذج ذي النطاق الإضافي بنحو 1.3 مليون دولار، في السنة المالية الأمريكية الحالية.
تتمتع هذه السلسلة من الصواريخ على مقطع عرضي للرادار أقل بكثير من عائلة SLAM-ER، وفي نفس الوقت فإن مداها أطول من هذا الصاروخ، وتعتبر سلاحًا متفوقًا من جميع النواحي. والفارق السعري بين ما تشتريه الولايات المتحدة كسلاح أكثر تقدماً لجيشها وما تبيعه لحلفائها کسلاح أقل تقدماً بمقدار جيل على الأقل، هو مؤشر آخر مثير للاهتمام لسياسة الولايات المتحدة الخارجية وحلب العملاء المتخمين بالثراء في جنوب الخليج الفارسي.
بالنظر إلی ما تقدم، ومراجعة عقدين تسليحيين بين الدول العربية والولايات المتحدة فقط، يمكننا أن ندرك بشكل أفضل وأعمق تصريحات قائد الثورة الإسلامية والقائد العام للقوات المسلحة في يوليو 2018، في الحفل السنوي لتخرّج طلبة جامعة الإمام الحسين(عليه السلام) للضباط، حين أشار سماحته إلى أن البعض يدعو إلی الاستسلام للعدو، مؤکداً “أن ثمن الاستسلام أكبر بكثير من ثمن المقاومة، وفوائد ومكاسب الصمود أكبر مئات المرات من تكلفة الاستسلام. وإن الاستسلام للعدو العنيد لن يؤدي إلا إلى الانبطاح وفقدان الهوية”.
المصدر/ الوقت