التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 17, 2024

لماذا أعاد أردوغان نشاط آيا صوفيا كمسجد؟ 

بعد مداولات عديدة، قضت المحكمة الإدارية التركية العليا، يوم الجمعة الماضي، أخيراً لمصلحة تغيير استخدام متحف آيا صوفيا بعد 86 عامًا، ومن المقرر الآن أن يُفتح هذا المسجد أبوابه للمصلين، وهو موضوع أدى الى ردود فعل عديدة داخل وخارج تركيا. وعقب صدور هذا الحكم، وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام الكاميرات ورحب بالحكم الذي أصدره القضاء في البلاد، قائلاً “سنقوم بالترتيبات اللازمة بسرعة حتى يتسنى أداء صلاة الجمعة في آيا صوفيا يوم الجمعة 24 يوليو 2020 وبذلك سيفتح المكان كدار عبادة. كما أكد أردوغان أن آيا صوفيا ستحتفظ بمكانتها كتراث عالمي مشترك.

آيا صوفيا، تراث ديني في ظل الصراعات السياسية

آيا صوفيا هو مبنى ديني، وشهد نظرًا لأهميته، جميع الأحداث التاريخية والثقافية وحتى السياسية. تم بناؤه في القرن السادس الميلادي من قبل ملوك روما الشرقية، وكان في يوم من الأيام موقع تتويج الملوك المسيحيين. وفي عام 1453 ، غزا السلطان محمد الفاتح “القسطنطينية” وتم تغيير اسم هذه المدينة إلى إسلامبول (كثرة الإسلام) ثم مع مرور الوقت إلى اسطنبول.
وبعد أيام قليلة من غزو اسطنبول، أقيمت في 1 يونيو 1453 ، صلاة الجمعة الأولى في هذا المسجد، وأعلن السلطان محمد رسميًا أن آيا صوفيا ستستخدم كمسجد للمسلمين. وفي عهد السلطان سليمان الأول (المعروف أيضًا باسم سليمان القانوني)، تم وضع أغطية على اللوحات والرسومات والرموز المسيحية في آيا صوفيا لإقامة صلاة الجمعة. كما كانت آيا صوفيا واحدة من أهم المساجد في الإمبراطورية خلال الإمبراطورية العثمانية حتى عام 1616 م ، قبل بناء مسجد السلطان أحمد.
على الرغم من أن آيا صوفيا تم استخدامه كمسجد لبعض الوقت بعد تأسيس تركيا الحديثة في عام 1923 ، فقد تم إغلاقه أمام المصلين في عام 1931 وتحويله إلى متحف بقرار من مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس تركيا، في 24 نوفمبر 1934. آيا صوفيا، المدرجة أيضًا في قائمة التراث العالمي لليونسكو، هي واحدة من أهم مصادر الدخل للحكومة التركية. ووفقا للإحصائيات الرسمية، زار أكثر من 3.7 مليون شخص آيا صوفيا العام الماضي، أكثر من أي متحف آخر في تركيا. والآن، وبعد مرور 86 عامًا، من المقرر إعادة فتح المبنى أمام المسلمين كمسجد، وهو قرار تنوي الحكومة التركية تنفيذه رغم معارضة بعض الدول.

حادث نيوزيلندا الإرهابي وآيا صوفيا

يمكن القول إن قصة إعادة فتح مسجد آيا صوفيا للمصلين بدأت بالهجوم الإرهابي في نيوزيلندا. ففي 15 مارس 2019 ، حصل هجوم إرهابي في نيوزلندا على مسجدين خلال إقامة صلاة الجمعة راح ضحيته 50 شخصاً. الجاني الرئيس في هذه العملية الإرهابية، هو برينتون تارانت، الذي نشر بيانًا قبل الهجوم، خاطب فيه الشعب التركي قائلاً إنه يمكنهم العيش بسلام على أرضهم “وأنكم، يا سكان شرق اسطنبول، لن يصيبكم أي ضرر، لكن لا تحاولوا العيش في الغرب (الجزء الأوروبي من اسطنبول) ولا في أوروبا ، لأننا سنقتلكم. سنأتي إلى قسطنطين بوليس (القسطنطينية السابقة واسطنبول الحالية) وندمر كل مساجدكم ومآذنكم. سيتم تطهير آيا صوفيا من المآذن وستكون “القسطنطينية” (اسطنبول) مدينة مسيحية مرة أخرى”.
وقد أدى انتشار هذا البيان، إلى إعادة ظهور مطالبات من قبل المجتمع التركي تطالب بإعادة فتح مسجد آيا صوفيا، حيث تم إطلاق هاشتاغ “آيا صوفيا” في مواقع التواصل الاجتماعي. ومن المثير للاهتمام أن أردوغان عارض هذا الطلب في ذلك الوقت. وكان أردوغان قد قال في خطاب له آنذاك، أن مسجد جامليجا أكبر بأربع إلى خمس مرات من مسجد آيا صوفيا، ومن الأفضل عدم الدخول في مثل هذه الألاعيب لأن إعادة فتح آيا صوفيا كمسجد له بعد سياسي أيضًا.

لماذا تغير استخدام آيا صوفيا من متحف إلى مسجد

في بادئ الأمر، تجدر الإشارة إلى أنه عندما عارض أردوغان مطالبات الشارع بتغيير استخدام آيا صوفيا، كانت في الفترة التي تسبق موعد الانتخابات البلدية. ولم يعتقد الرئيس التركي نفسه أن حزبه سيهزم في هذه الانتخابات. وقد أدت الهزيمة الكبيرة لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية وفقدان المدن الكبرى إلى التشكيك في القدرة السياسية لأردوغان.
في أعقاب ذلك، اتخذت الحكومة التركية العديد من الإجراءات في كل من السياسة الداخلية والخارجية، وكان أحد أهم أسبابها هو تعزيز سلطتها في الرأي العام التركي. وكانت الخطوة الأولى في هذا المجال، إصرار تركيا على شراء S-400 من روسيا، حيث نجحت في ذلك على الرغم من المعارضة الأمريكية وتهديد واشنطن لها.
وكانت الخطوة الثانية هي القيام بعملية عسكرية تركية في سوريا، والمعروفة باسم عملية نبع السلام. الآن، مع قرار تغيير استخدام آيا صوفيا، بغض النظر عن ردود الفعل الخارجية، أراد حزب العدالة والتنمية هذه المرة أن يظهر قوته بين شعب بلاده، وخاصة ضد ورثة مصطفى كمال أتاتورك (الكماليين).
من ناحية أخرى، حاولت الحكومة التركية إظهار نفسها كزعيم للعالم الإسلامي في السنوات الأخيرة، وكانت دائمًا في تنافس مع السعودية حول هذه القضية، والآن يمكن أن تكون قضية آيا صوفيا رمزًا لتقريب أردوغان من أهدافه. وهو إجراء أثار ضجة الاتحاد الأوروبي والعالم الأرثوذكسي.

ردود الفعل المحلية والدولية

كان لهذا الإجراء ردود فعل عديدة داخل المجتمع التركي، وبالطبع في المجتمع الدولي، حيث انتقد بعض مستخدمي تويتر في تركيا خطوة الحكومة هذه، وكتبوا أن آيا صوفيا لا يمكن أن تكون الحل لمشاكل البلاد الاقتصادية. كما غرد الكاتب التركي البارز “أليف اف شافاك” أن تغيير استخدام آيا صوفيا كان قرارًا خاطئًا وقال إن اتخاذ هكذا قرار يصب في المصلحة السياسية للحكومة.
كما قال الصحفي التركي نوشين منغو، أن الحزب الحاكم يشعر بنشوة “النصر على العدو”، وإنه يحتاج باستمرار إلى مثل هذا الشعور ليقف على قدميه، لذلك كان هذا القرار قائما على هذه النشوة. وكتبت ايضا شيرين بايزان، الصحفية التركية المعروفة، على صفحتها في تويتر أن قضية آيا صوفيا مهدت الطريق أمام الدول الأوروبية. لذلك ، لم يعد لدينا الحق في الاعتراض على أي مسجد يتحول الى كنيسة في هذه البلدان أو تدمير أي تراث عثماني في هذه البلدان.
لكن هذه القضية أثارت ردود الفعل خارج تركيا، أكثر مما أثارته داخل المجتمع التركي. حيث كانت اليونان الدولة الأولى التي أبدت احتجاجها على قضية آيا صوفيا. حيث قال رئيس الوزراء اليوناني كيراكوس ميتشوتاكيس إن قرار تركيا القاضي بتغيير استخدام آيا صوفيا هو خطوة نحو إضعاف العلاقات بين أثينا وأنقرة.
كما دعت روسيا، بأسلوب أكثر ليونة، الحكومة التركية إلى الالتفات الى الدول الأخرى وعدم تجاهلها في اتخاذ هذا القرار. كما رد البابا فرانسيس، زعيم الكاثوليك في العالم، بعد يومين من قرار تركيا تحويل متحف آيا صوفيا في اسطنبول إلى مسجد، في معرض خطبته الأسبوعية في الفاتيكان، على الخطوة التركية، إذ وصف البابا تصرف تركيا بأنه “مخيب للآمال”. بالإضافة الى ذلك، أعرب منافس ترامب، جو بايدن، عن قلقه بشأن خطوة أردوغان ودعا الحكومة التركية إلى التراجع عنها.
في النهاية، يجب القول إن آيا صوفيا كانت تراثًا ثقافيًا مشتركًا بين العالمين الإسلامي والأرثوذكسي – تركيا واليونان – حيث جعلت الحكومة التركية علاقاتها السياسية مع أوروبا أكثر صعوبة بعد قرارها هذا. تركيا، التي كانت تسعى جاهدة للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي منذ سنوات، جعلت دخولها إلى الاتحاد الأوروبي أكثر صعوبة بعد إثارتها الغضب الأوروبي. حيث دعت بعض الحكومات الأوربية، إلى وقف عملية التفاوض بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق