الوهابية عندما تمسخ الإنسان..أبو مصعب الصفوريّ مثالاً
نبيل لطيف –
قبل ايام قرأت في احدى الصحف العربية مقالا حول شاب فلسطيني يدعى ربيع ، يبلغ من العمر 25 عاما متزوج من مدينة الناصرة ، فجأة وبدون سابق إنذار، يترك بيته وعائلته وعمله في مدينة تل أبيب، ويسافر إلى سوريّة، للقتال في صفوف “داعش”.
وفي سورية يصبح اسم ربيع الحركي “أبو مصعب الصفوريّ” نسبة إلى أصله من قرية صفوريّة التي هجر الصهاينة اهلها وبنوا عليها مستوطنة ، ومن هناك يبث شريطا ينشره على اليوتيوب يدعو فيه الى الجهاد في سورية ، ويقول “نحنُ قومٌ نحبُ الموت في سبيل الله، أما أنتم فتحبون الحياة، ونحنُ نحبُ شرب دمائكم الزكية، لذا أتينا لشربها بإذن الله ، أتيناكم للذبح يا (نصيرية)”، ثم يكبّر.
ويشير المقال ايضا الى ان موقع (العرب) اجرى مع الصفوري لقاء تحدث فيه عن سبب توجهه الى سورية فيقول: “لقد تاقت نفسي للجهاد منذ سنوات، فقد فتح الله علينا بابًا مباركًا طريقًا للجنة، وهو باب الجهاد في ارض الشام، ولا يخفى على أي إنسان ما فعله بشّار بشعبه المسلم من انتهاك أعراض أخواتنا العفيفات وقتل وتعذيب وتشريد”.
وعند وصفه لمنهج “داعش” يقول : ان “منهجنا نبوي يقوم على إقامة شرع الله في الأرض، وها هي الرقة تشهد بعدالة الإسلام كما يشهد التاريخ، فالنصارى هنا يعيشون بسلام وأمان، والناس بفضل الله في كل المدن التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية التي انتمي لها يعيشون بكرامة المسلم هناك، أمّا المجموعات المتطرفة فلا علاقة لنا بها، نحن هنا أمام هدفنا وهدفنا هو أنْ نحمي المسلمين والمسالمين من الديانات الأخرى، وأنْ نُحقق العدالة كما يشرعها الله سبحانه وتعالى”.
ويرى الصفوري ان هناك تنسيق بين “آل سعود الوهابية ” وبين النظام السوري “النصيري ” !! ، حيث يقول :” نحن ننتظر أنْ ندعس على رأسك (النظام السوري) ، ورأس كلّ من يشّد على يديك من آل سعود الوهابيّة السلفيّة والتكفيريّة”!!.
اضطررت ان انقل فقرات مطولة من اقوال الشاب الفلسطيني ربيع ، لكي نقف على الطريقة التي يفكر بها الشباب الذين ينخرطون في صفوف التنظيمات التكفيرية ومن بينها “داعش” ، وكيف ينظر هؤلاء الى العالم من حولهم ؟، وكيف يحللون القضايا السياسية ؟، وكيف فهموا الاسلام؟ ، وكيف ينظرون الى الاخر؟.
لا نريد هنا ان نناقش ما قاله ابو مصعب الصفوري ، فما قاله ليس سوى هذيان ، فهو يتهم “ال سعود والوهابية” بدعم ومساعدة الحكومة “النصرية” السورية !!، وان “داعش” تحترم المسيحيين وباقي الاقليات!! ، وان منهجها نبوي !!، وانها جاءت لاعدائها بالذبح وشرب دمائهم !!، ولحماية المسلمين من غير المسلمين في البلدان الاسلامية!! ، وان “داعش” تحارب المجموعات المتطرفة والتكفيرية !!، وان الله فتح له باب الجهاد في الشام طريقا للجنة !!، والى اخر هذيانه.
ولانريد ان نناقش الصفوري هذا ، لماذا جاء يجاهد في سوريا تحت راية “داعش” ، تاركا ارضه سليبة بيد الصهاينة ؟، ولماذا لم يفجر نفسه في تل ابيب او في داخل المستوطنة التي اقامتها الصهيونية على ارض قريته صفورية ؟، ولماذا لم ينخرط في صفوف المجاهدين في الفصائل الفلسطينية التي تقارع الصهاينة لتحرير القدس ؟، ولماذا لم يحمل بعض الكراهية للصهيونية كما حملها ضد باقي الفرق الاسلامية والمسيحية ؟، لاننا نعلم ان شخصية ممسوخة مثل الصفوري لن تجد اية اجوبة لهذه الاسئلة ، حتى وان رد فسيكون رده هذيانا.
ان كل ما نريده هو ان نبين ، من خلال تناول هذا النموذج للشاب “الداعشي” ، حجم الجريمة التي ارتكبها الفكر الوهابي الظلامي والدولار النفطي السعودي ، بحق الاسلام والقران ، وبحق المجتمعات والبلدان العربية والاسلامية ، وبحق الشباب العربي والمسلم ، ، وبحق التاريخ والحضارة الاسلامية ، وبحق حاضر ومستقبل الشعوب الاسلامية.
اردنا من خلال تناول شخصية الشاب الفلسطيني ربيع سابقا ، ابو مصعب لاحقا ، ان نكشف خطورة عملية المسخ التي يتعرض لها الشباب العربي والمسلم على يد الوهابية ، فالشاب الذي تقذف به ظروفه ليقع في فخ الوهابية ، يتحول الى مسخ ، يتنكر لوطنه وتاريخة وارضة وعرضه ودينه وانسانيته وحتى عقله وشخصيته ، ويكفي ان نراجع مرة اخرى هذيان الصفوري ، حتى نقف على حجم المسخ الذي تعرض له.
ان صناعة مثل هذه الكائنات الممسوخة ، هي صناعة وهابية بامتياز ، فمثل هذه الكائنات لا تعترف بالاخر فحسب ، بل هي لا تعترف حتى بنفسها ، ، فصفوري ومن خلال حديثه ، يظهر وبشكل واضح انه لا يعرف حتى الافكار التي يحملها والتي تحركه ، فهو لا يعرف حتى معنى الوهابية التي تنخره حتى العظم ، فهو يتهجم على الوهابية ، ويتهمها الى جانب آل سعود بالتواطؤ مع النظام “النصيري” في سورية !! ، بينما آل سعود فتحوا خزائن مملكتهم وباعوا كل ما تبقى لهم من كرامة و وطنية ومن مبادىء اسلامية وتعاملوا حتى مع الشيطان لاسقاط هذا النظام “النصيري”!!.
من الصعب على الافكار الاخرى مهما تطرفت ، ان تسلب المشاعر الانسانية والوطنية من الانسان ، وان تجفف كل قدراته العقلية على التفكير والتحليل ، و تحوله الى وحش كاسر لا يرحم ، كما تفعل الوهابية.