جامعة الدول العربية، قصة واحدة وتعاملان متباينان
بعد عقد معاهدة كامب ديفيد المشؤومة بين مصر والكيان الإسرائيلي، طردت الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية مصر من هذه الجامعة، وتم نقل مقرها من القاهرة إلى تونس.
بعد مرور عدة أيام من عقد اتفاق السلام سيئ الصيت بين الإمارات العربية المتحدة والكيان الصهيوني، ما زال الصمت يخيم على موقف جامعة الدول العربية، بل وحتى لم تتخذ الأخيرة موقفا عن طريق خطاب شفوي او اجتماع طارئ.
يستعرض التقرير التالي موقف جامعة الدول العربية عندما طَردت مصر سابقا من عضوية الجامعة بسبب توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل، في حين تلتزم الجامعة الآن الصمت تجاه اتفاق السلام الأخير بين الإمارات والكيان الإسرائيلي.
تأسست جامعة الدول العربية في 22 مارس 1945 ، بهدف الدفاع عن مصالح الدول العربية. وفيما يتعلق بأهداف تأسيس هذه الجامعة، فإن النظام الأساسي لها يؤكد على زيادة تضامن الدول العربية والتعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها. كما تؤكد غايات تشكيل الجامعة على مبدأ هام آخر مثل التحرر من السيطرة الأجنبية وتحقيق الوحدة بين الدول الأعضاء.
وفي مجال السياسة الخارجية، اتخذت هذه الدول موقفاً حازماً من قضية دعم فلسطين، واعتبرت القدس وأرض فلسطين ذات قدسية خاصة، ودعمت بالكامل تطلعات الشعب الفلسطيني في الدفاع ضد الكيان الصهيوني وتوعدت الدول التي تخالف هذه المواقف والمبادئ، أنها ستنال جزاءها.
ومن الأمثلة التاريخية على ذلك توقيع اتفاقية كامب ديفيد، التي قررت حينها جامعة الدول العربية، بعد توقيع هذه الاتفاقية المشينة بين مصر والكيان الإسرائيلي، نقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس كما قررت طرد مصر من جامعة الدول العربية، على الرغم من أن القاهرة حاولت لاحقًا تحسين علاقاتها مع العالم العربي وعادت إلى عضوية جامعة الدول العربية في أواخر الثمانينيات، وبعد ذلك تم نقل مقر الجامعة إلى مصر مرة أخرى في 31 أكتوبر 1990.
ونظرا إلى تاريخ الجامعة العربية والموقف الصارم الذي اتخذته ضد مصر، كان من المتوقع أن تشارك جامعة الدول العربية بشكل جدي في القضية الرئيسية للعالم الإسلامي، أي القضية الفلسطينية، ولكن بعد أيام قليلة من توقيع اتفاق السلام بين الإمارات العربية المتحدة والكيان الصهيوني، لم تتخذ الجامعة أي موقف وفضلت التزام الصمت.
جامعة الدول هذه التي تأسست على أساس نهج وفكرة القومية العربية، تعاني هذه الايام من التجزئة والانقسام الداخلي لدرجة أنها فقدت وظيفتها عمليًا في حل النزاعات السياسية في المنطقة. وللأسف الشديد مع مرور الوقت، ونظرا الى الظروف الراهنة التي تعاني منها الشعوب العربية، والتشتت الحاصل في هذه البلدان، لم يعد مفهوم الأمة العربية الواحدة سائدا بعد كل هذه الفجوات..
وبحسب خبراء سياسيين، لا يمكن للجامعة العربية أن تلعب دورًا فاعلًا ومؤثرًا في النزاعات الدولية، ويمكن ملاحظة ذلك في عدم كفاءة هذه الجامعة في حل النزاعات الحاصلة في المنطقة واتخاذها الحياد في حل الخلافات بين قطر والمملكة العربية السعودية.
وفيما يعتلق بالحدث الأخير حول توقيع اتفاق السلام التاريخي بين الإمارات العربية المتحدة والكيان الصهيوني، أيدت الدول العربية الثلاث، مصر والبحرين وعمان هذا الاتفاق ورحبت به، لكن بعض هذه الدول، بما في ذلك السعودية، التزمت الصمت وفضلت عدم اتخاذ موقف حيال هذه القضية. لهذا السبب يمكن إدراك سبب الصمت الذي اتخذته الجامعة العربية، لأن القرارات التي تتخذ فيها مفروضة من خارج الجامعة وكذلك من قبل الدول المؤثرة، لذلك فهي عمليا غير فعالة كمؤسسة مستقلة وأصبحت عبارة عن مكانا لعقد اجتماعات مؤقتة، تجلس فيها الدول الأعضاء بشكل دوري تحت ذريعة حل مشاكل العالم العربي ويصدرون بيانًا متكررًا تمامًا، في حين لم تصدر الجامعة هذه المرة حتى بيانا بسيطا تجاه الاتفاق..
كما تفتقر جامعة الدول العربية إلى مكانة الماضي بسبب غياب أعضائها الرئيسيين عن مواجهة الاستعمار وعدم حشد الأمة العربية وإمكانياتها لتحرير الأراضي والمقدسات المحتلة. وبعد أن احتكرت بعض الدول عملية صنع القرار داخل الجامعة بيدها فقط، مستفيدة من اموالها الطائلة، تم تجريد الجامعة من مكانتها السابقة وأصبحت أداة وغطاء لإضفاء الشرعية على تدخلاتهم في المنطقة العربية، مما دفع المنطقة إلى الحرب والاضطراب.
كما ان جامعة الدول العربية لا تلعب أي دور حاليا في الأزمة الراهنة في الخليج، بالاضافة الى أنها علقت عضوية سوريا، باعتبارها احدى الدول الناشطة والمؤسسة، من جامعة الدول. وبطبيعة الحال، لا يمكن إنكار دور احمد ابو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، من كل هذه القضايا، لأنه عندما كان وزيرا للخارجية المصرية، كان من الداعمين لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وهو معروف لدى العالم العربي بـ”رجل اسرائيل”.
اذا كان وجه أحمد أبو الغيط غير مألوف لأحد، فهو مألوف للفلسطينيين، وخاصة سكان قطاع غزة، الذين يتذكرون جيداً صورة أبو الغيط مع وزيرة الخارجية الصهيونية آنذاك زيبي ليفني عام 2008 وضحكاتهم ومصافحاتهم، وذلك تحديدا قبل يومين من بدء الحرب المدمرة على قطاع غزة، ولن ينسوا أبدًا الصور التي كانت تفيد عن وجود تنسيق كبير وضوء أخضر من القاهرة للكيان الصهيوني لغزو غزة بحجة القضاء على حركة حماس، وهي حرب استشهد وجرح خلالها مئات الفلسطينيين ودمرت منازل كثيرة فوق رؤوس أصحابها. وبدلاً من إدانة عدوان الكيان الصهيوني على غزة، ألقى أبو الغيط باللوم على حركة حماس في هذه الحرب.
وليس هذا الأمر الوحيد الذي يتذكره الفلسطينيين القانطين في قطاع غزة عن أبو الغيط، بل إن خلال فترة توليه منصب وزير الخارجية المصري، هدد كل من تسول له نفسه من ابناء قطاع غزة باختراق الحدود المصرية الفلسطينية تحت اي ذريعة ولأي سبب كان، بكسر رجليه وذلك بعد الاشتباكات التي حصلت بين قوات الأمن المصرية والفلسطينيين الذين ظلوا على الحدود دون مصير محدد.
لقد أدى فشل جامعة الدول العربية في اتخاذ موقف بشأن هذه القضية الحساسة والمحورية للعالم الإسلامي إلى استياء حلفائها في السلطة الفلسطينية. وفي هذا الصدد، علق “صائب عريقات” ، أحد قادة السلطة الفلسطينية، بحدة على هذا الموضوع وقال إنه سيستقيل من منصبه إذا لم يدين الأمين العام لجامعة الدول العربية (وزير الخارجية المصري السابق أحمد أبو الغيط) الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.
كما أشار حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري الأسبق عن عدم كفاءة جامعة الدول العربية قائلا: “هذه الجامعة ليس لها مصداقية في العالم العربي، ولا حتى في العالم، ولا حتى بين الأعضاء الذي يجتمعون فيها، والسبب أن القضايا الأساسية للعالم العربي لا تُطرح فيها ولا تُحلا”. وبحسبه فإن الجامعة العربية لا تملك العدالة والمصداقية لقول كلمة الفصل في أي خلاف بين العرب، والسبب أن الجامعة العربية تضع سياساتها على جدول أعمالها بطرق غير واقعية.
المصدر/ الوقت