المساعدة المالية القطرية لسلطنة عمان هل تخلع عنها ثوب الحيادية
بينما تواجه سلطنة عمان مشاكل اقتصادية كبيرة منذ بداية عام 2020 ، ويرافق هذا الأمر استمراراً للوتيرة التصاعدية لنسبة دين هذا البلد مقابل الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 2015، قام تفشي فيروس كورونا وانعكاساته السلبية على الاقتصاد العماني، بتشديد الأزمة الاقتصادية في هذا البلد ، ما أدى إلى استمرار حاجة مسقط للمساعدات الخارجية لتحسين وضعها الاقتصادي رغم السياسات الاقتصادية الجديدة التي انتهجها السلطان هيثم، وفي هذا السياق ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أن عمان تتلقى مليار دولار كمساعدات مالية من قطر.
هذا في وقت لا تزال قطر تخضع لحصار وعقوبات من قبل السعودية والإمارات وبعض الدول العربية الأخرى، فمن الطبيعي أن يحمل تلقي عمان مساعدات مالية من هذا قطر، رسائل سياسية لدول عربية أخرى، وخاصة للإمارات والسعودية.
لذلك إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما هو هدف قطر من تقديم مساعدة مالية بقيمة مليار دولار إلى عمان، وما هو الأثر الرئيس لهذه المساعدة المالية في المجال السياسي وخاصة في مجال العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي؟
الأزمة الاقتصادية في عمان واختيار قطر لتلقي المساعدة المالية
إن تدهور الوضع الاقتصادي في سلطنة عمان وخاصة بعد تفشي فيروس كورونا وتحوله إلى وباء، اتجهت الأوضاع إلى إجبار هذا البلد على اتباع سياسات تقشفية، وبالطبع تلقي المساعدة المالية. ففي هذا السياق تحدث قسم الاستثمار في مودي عن توقعاته للوضع الاقتصادي في سلطنة عمان وقال إن ميزانية القطاع العام العماني سيتم تخفيضها بشكل كبير على مدى السنوات الثلاث المقبلة رغم تنفيذ تدابير للحد من عجز الميزانية.
ونظراً إلى هذه الظروف اضطر السلطان هيثم إضافة إلى إعداد حزمة اقتصادية جديدة تتضمن سياسات تهدف لتحسين الأوضاع الاقتصادية، ومنها تلقي المساعدة المالية من دول أجنبية، لذلك، فضلت مسقط أن تختار الدوحة من بين الخيارات المطروحة كالدوحة وأبو ظبي.
هذا الأمر مرتبط بجهود السلطان هيثم لعدم التموضع في المعادلة التي تريد أبو ظبي والرياض إنشاءها لمسقط، في الواقع هي المعادلة التي تجعل تلقي المساعدات المالية مشروطاً بتقريب سياسات مسقط من محور أبو ظبي-الرياض، وفي النهاية مطالبة مسقط بالانضمام إلى عملية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني إضافة إلى التخلي عن سياسة الحياد والوساطة في السياسة الخارجية، وهذا الأمر الذي هو على عكس هوية وخطاب السياسة الخارجية لسلطنة عمان، دفع مسقط إلى اختيار الدوحة لتلقي المساعدات المالية.
هدف الدوحة من المساعدة المالية لمسقط
يبدو أن قطر قد حددت أهدافاً من المساعدة المالية إلى عُمان، والتي تشمل نوعاً من المساعدة على مستوى مجلس التعاون الخليجي، في الواقع، تعتزم قطر التأثير في محور أبو ظبي-الرياض من خلال تقريب عُمان منها، وزيادة قوتها التفاوضية في مواجهة هذا المحور. تشير التصريحات الأخيرة لتركي فيصل الرئيس السابق لجهاز المخابرات السعودي الذي هاجم قطر بشدة ، إلى أن أزمة دول مجلس التعاون الخليجي ما زالت ملتهبة بشدة ولا تراجع في حدتها. من جهة أخرى، باتت الدوحة قلقة بشأن السياسة السياسية المستقبلية للكويت منذ انتخاب ولي عهد الكويت الجديد الذي لديه وجهات نظر قريبة من الإمارات والسعودية. وبناءً على ذلك، تعتزم قطر ملء الفراغ المستقبلي والدور المحتمل للكويت في المنطقة بسلطنة عمان من خلال الاقتراب منها.
رد فعل الإمارات والسعودية وأفق سياسة الحياد العمانية
بالنظر إلى نوعية العلاقات بين الإمارات والسعودية وقطر ونظرة محور أبو ظبي – الرياض إلى الدوحة، لن يصمت هذا المحور في وجه المساعدة المالية القطرية لعمان. لذلك يبدو أن السعودية والإمارات تعتبران تلقي مسقط المساعدات المالية من الدوحة مؤشراً على تقارب السلطان هيثم من قطر وستزيدان الضغط على عمان.
الإمارات تعتبر ثاني أكبر شريك تجاري لسلطنة عمان بحصة تبلغ 34٪. ومع ذلك ، فإن انشغال السعودية والإمارات في الأزمة الاقتصادية يحرمهما من إمكانية استخدامهما النفوذ الاقتصادي أي إعطاء وعود بالمزيد من المساعدات الاقتصادية لعمان، لإجبار مسقط على عدم قبول المساعدات القطرية.
من جهة أخرى، وعلى الرغم من أن تلقي عمان مساعدات مالية من قطر، سيؤدي إلى عدم اعتبار الإمارات والسعودية عمان وسيطًا في قضية قطر، ومن أجل الضغط على مسقط، ستمنعان عمان من لعب دور الوساطة في ملف قطر، ومع ذلك، لا تزال السعودية بحاجة إلى دور وساطة عمان في المفاوضات مع صنعاء وطهران للخروج من مستنقع الحرب اليمنية.
في المحصلة يمكن القول إنه على الرغم من جهود مسقط للحفاظ على سياسة الحياد في السياسة الخارجية ، تحولت الأزمة الاقتصادية في هذا البلد إلى كعب أخيل من أجل الحفاظ على هذه السياسة. فعلى الرغم من كون تلقي عمان المساعدة المالية من قطر هو خيار مواجه لتلقي المساعدة المالية من الإمارات، وبالتالي الوقوع في فخ اتباع سياسات الرياض وأبو ظبي والانضمام في النهاية إلى عملية التطبيع. فإن هذا الخيار سيتحول إلى عامل يزيد الضغوط على مسقط لتبعد نفسها عن سياسة الحياد.
المصدر/ الوقت