ذكرى تحرير حلب.. نصر يجرّ نصراً
أربع سنوات مرت على تحرير محافظة “حلب” السورية، والحرب التي خاضها الجيش السوري وحلفاؤه حينها، لا نبالغ إذا قلنا إنها كانت “أم المعارك”، حيث أدى تحرير حلب إلى قلب الأحداث برمتها في سوريا، وأصبح الجيش السوري له الكلمة العليا في سوريا بعد هذا التحرير الذي ولد نصراً بعد نصر، ليتمكن بعدها الجيش السوري من السيطرة على أغلبية مساحة الأرض السورية، وكان التحرير انعطافاً مهماً في الحرب السورية لكونه فضح هزالة الإرهابيين الذين انهاروا امام ضربات الجيش السوري، وأصبحت الجماعات المسلحة والإرهابيون في خبر كان، وما تبقى اليوم هو ما تفتعله تركيا وأمريكا من فوضى شمال شرق وغرب سوريا، إذ تحتل هاتين الدولتين اجزاء من سوريا وتعتدي على سيادتها بما يخالف جميع القوانين الدولية، لأن هاتين الدولتين بالتحديد، لم تستطيعا تحمّل خسارة الجماعات الارهابية المدعومة من قبلهما، ولولا التهدئة التي تسعى اليها روسيا وحل الامور بشكل سلمي لكان الجيش السوري تقدم نحو اخر شبر من الارض السورية وحررها بقبضات جنود سوريا الابطال.
في حلب اليوم المشهد يدعو للتفاؤل، فمنذ تحرير حلب على أيدي أبطال الجيش العربي السوري وتحقيق النصر على الإرهاب انطلق الجيش الخدمي والورشات الفنية التابعة لمجلس مدينة حلب في مسيرة إعادة الإعمار وتأهيل وإصلاح البنى التحتية من خلال إزالة الأنقاض وفتح الشوارع وترحيل الآليات المخربة وإعادة تنظيم مركز المدينة وإزالة العشوائيات من الأحياء المحررة.
على مرّ سنيّ الحرب في سوريا، لم يحصد المسلحون على كامل جغرافيا البلاد سوى الخيبات، خيبة تلو الأخرى، من درعا جنوباً وصولاً لحلب شمالاً.. حلب التي راهنت عليها الدول الراعية للمسلحين، شكلت صفعة بتحرير أحياء حلب الشرقية، وبالتالي كامل المدينة، مع ما يعنيه هذا الأمر من انتصار سياسي وعسكري واقتصادي في آن واحد.
بما ان أمريكا عجزت عن مقاومة الجيش السوري وحلفائه ولم يستطع اذنابها مقاومة قدرات الجيش السوري، عمدت الى فرض حصار اقتصادي لم يشهده التاريخ على سوريا، بهدف تجويع السوريين وإركاعهم، ولكن كما عجزت في ارض الميدان لن تحقق مرادها عبر الحصار الاقتصادي، لان سوريا لديها تجربة مع هذا النوع من الحصار، مع ذلك لا ننكر أن حصار واشنطن مؤثر على الشعب السوري فله تأثير كبير وموجع ويعاني السوريون كثيراً من هذا الحصار ولكن لن يحقق مبتغاه.
اليوم واشنطن وصلت لمرحلة العجز ولم تعد قادرة على فعل اي خطوة جديدة ذات اهمية على الارض السورية، وكل ما تقوم به منذ تحرير حلب ما هو الا أفعال انتقامية، فتحرير حلب ودحر التنظيمات الارهابية كان خطوة مهمة لإحباط مشروع خططت له ونفذته أنظمة دولية وإقليمية وخليجية تدور في فلك كيان العدو الإسرائيلي وتضع نفسها في خدمة مخططات أمريكا لتقسيم المنطقة وترسيخ آليات نهبها عبر الصراعات والحروب العدوانية التي تنفذها بالنيابة عنها تنظيمات إرهابية صنعتها في اروقة أجهزة استخباراتها ودعمتها بالمال والسلاح والمرتزقة.
بعد انتصار حلب كان وقع الخسارة والهزيمة مهولا على النظام التركي الأردوغاني الذي يحاول يائسا سلب أهالي حلب والسوريين بهجة انتصار ممهور بدماء الشهداء فتابعت التنظيمات الارهابية المنتشرة في الريف الشمالي الغربي والغربي للمدينة الاعتداء بشكل متكرر على المدنيين بقذائف الموت والغدر.
في الحقيقة ان تحرير حلب أواخر عام 2016، وما أعقبه من تراجع في إمكانية الجماعات المسلحة، من تحقيق إنجاز ميداني، أفقد المسلحين إرادة القتال لديهم، وساد جوّ من الإحباط في صفوفهم، وسخط على قياداتهم، ما انعكس سلباً على ما تسمى “الحاضنة الشعبية”، التي غرر بها، نتيجة الشعارات البراقة التي رفعها الإرهابيون، والمواقف السياسية التي اصدرتها بعض دول الإقليم والغرب.
يمكن القول إن هزيمة المسلحين وداعميهم في حلب، تخطّت مفاعيلها حدود الجغرافيا والميدان، إلى المشهد السياسي العام، الذي ارخى بظلاله على الأحداث مؤخراً، فبات للمشهد العسكري تأثير كبير، على مسار المفاوضات الدولية المرتبطة بالأحداث السورية، وكما قيل سابقاً، فالحرب امتداد للسياسة، لكن بوسائل أخرى.
عسكرياً، كانت للجيش السوري اليد الطولى، فللمرة الأولى منذ نحو 8 سنوات، تعاد سيادة الدولة السورية على كامل الطريق الدولي الممتد من حلب شمال مروراً بحماة وحمص في الوسط، إلى دمشق ودرعا جنوباً، وصولاً إلى الحدود الاردنية، مع ما يعنيه هذا الأمر من اعادة انتعاش التجارة داخل المحافظات السورية أولاً، ومع الخارج في مرحلة لاحقة. فهذا الطريق هو الأطول في البلاد، ويبلغ نحو 432 كيلومتراً، ويعدّ ممراً أساسياً للاستيراد والتصدير.
يساهم فتح الطريق الدولي في تنشيط الحركة الاقتصادية الداخلية بين جميع المحافظات السورية، ولاسيما أن الثروات الصناعية والمناطق الخصبة والمدن الصناعية تتوزع على جانبي هذا الطريق، وكان الجيش السوري قد سيطر في وقت سابق على أهم ثلاث مدن يمر بها الطريق الدولي في ادلب، وهي: خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب، في انجاز يُضاف الى سجّل انتصارات الجيش السوري الميدانية، والتي ستشكّل نقاط قوة في الميدان السياسي.
هذا الانجاز، تبعه تقدم كبير في محاور ريف حلب الشمالي والشمالي الغربي، بعد عملية قضم وعزل تدريجي اسهمت بسقوط مناطق واسعة تحت قبضة القوات السورية من منطقة الليرمون شمالاً وصولاً إلى بلدة بيانون القريبة من بلدتي نبل والزهراء، ما ثبّت إحكام السيطرة على اوتوستراد غازي عنتاب من دوار الليرمون وصولاً لمنطقة تل رفعت ومرعناز.
في الختام.. إن انتصار حلب غير معادلات الحرب في سوريا، ولا نبالغ إذا قلنا إنه غير معادلات السياسية في المنطقة، إذ كانت سوريا قاب قوسين أو أدنى من الانهيار، وكنا سنكون أمام عراق جديد، ولكن بجهود الجيش السوري وحلفائه تغيرت المعادلة، وأجبر تحرير حلب جميع الدول ولاسيما الخليجية منها على إعادة النظر بالنسبة للتعامل مع سوريا، لذلك رأينا بداية حجيج خليجي نحو سوريا تمثل في إعادة فتح السفارات واستئناف رحلات الطيران.
المصدر/ الوقت