التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 15, 2024

معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الإيرانية على قاعدة عين الأسد 

عام مضى على الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة عين الأسد، ردًا على العملية الإرهابية للإدارة الأمريكية واستشهاد الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وعدد من رفاقهما، بالقرب من مطار بغداد.

وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب ادعى فور عملية إيران أن “صفعة” الجمهورية الإسلامية لم توجع على الإطلاق، إلا أن إحصاءات الخسائر المالية والبشرية للجيش الأمريكي في عين الأسد قد تم الكشف عنها تدريجياً.

وعلى الرغم من عدم وجود شك في أن الحكومة الأمريكية لم تبلغ حتى الآن عن العدد الفعلي للقتلى والمصابين في عين الأسد، ولکن لم يکن أمامها خيار سوى الاعتراف بإصابة ما لا يقل عن عشرات من جنودها في الضربة الصاروخية الإيرانية.

بعد مرور عام على العملية الصاروخية الإيرانية، تناولت صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها تحت عنوان “لقد نجا هؤلاء الجنود الأمريكيون من واحدة من أكبر أزمات عصر ترامب، (لكن) بعد مرور عام، ما زالوا يتصارعون (مع تداعيات تلك الأزمة)”، أحداث تلك الليلة علی لسان القوات الأمريكية الموجودة في قاعدة عين الأسد. وما يلي هو نص تقرير واشنطن بوست:

کان الجنود الأمريكيون ينتقلون من ملجأ إلى آخر، مروراً بأنقاض مغطاة بالرماد، وحفر يبلغ قطرها عشرة أمتار، وحفر مليئة بالوقود على طول الطريق. وتسبب وابل من الصواريخ البالستية في فقدان وعي بعض الجنود بشكل مؤقت، وكانت هناك صواريخ أخرى في طريقها.

وقال الرائد “آلان جونسون” الذي لم يتمكن من التركيز بعد تعرضه لأمواج عملاقة من انفجار عدة صواريخ، من بينها صاروخ سقط على بعد ثلاثة أمتار من ملجئه: “ما زلت قلقاً. ما زلت أرى كوابيس متكررة حول الهجوم، نفس صوت الصواريخ القادمة نحونا”.

قبل عام، عندما أطلقت إيران 16 صاروخًا على القوات الأمريكية في العراق، كانت أمريكا على شفا حرب شاملة. أعلن الجيش الأمريكي أن 11 صاروخا أصابت قاعدة عين الأسد الجوية في غرب العراق، وسقط آخر خارج مدينة “أربيل” شمال العراق، والصواريخ الأربعة الأخرى لم تعمل بشكل صحيح.

بعد أشهر من تصاعد النزاع، هاجمت القوات المدعومة من إيران السفارة الأمريكية في بغداد قبل نحو أسبوع من الضربة الصاروخية. وكان رد فعل إدارة ترامب بعد أيام قليلة هو غارة جوية بطائرات دون طيار في بغداد، أدت إلى اغتيال قاسم سليماني الجنرال الإيراني وأقدم أعداء أمريكا.

الرئيس ترامب الذي واجه أسوأ أزمة أمنية دولية خلال فترة رئاسته، غير رأيه فجأةً. غرَّد الرئيس ترامب في ٨ كانون الثاني بعد ساعات قليلة من الهجوم الإيراني بالقول: “كل شيء على ما يرام!”.

هذا في حين أنه بعد مرور عام على الضربة الإيرانية، تقول القوات المستهدفة في الهجوم إن أمريكا وإيران کانتا علی وشك إحداث كارثة أكبر.

وعلى الرغم من استخدام إيران لصواريخ ذات 3 أمتار يحمل كل منها 15 كيلوغرامًا من المتفجرات(أقوى الأسلحة التي استخدمت ضد الأمريكيين خلال الجيل الماضي)، ولکن لم يُقتل أي جندي أمريكي في الهجوم.

ومع ذلك، وفقًا للإحصاءات النهائية، أصيب 110 جنود أمريكيين بأضرار في الدماغ؛ واحتاج البعض إلى دخول المستشفى لفترة طويلة والعناية المركزة في “مركز والتر ريد الطبي العسكري الوطني” بالقرب من واشنطن.

في أعقاب الضربة الصاروخية الإيرانية عام 2020 على قاعدة عين الأسد، وبينما کان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يزال يصر على عدم إصابة أي جندي أمريكي في الهجوم، تم الکشف عن تحليق طائرة عسكرية أمريكية واحدة على الأقل بمهمة إسعاف جوي من العراق إلی قاعدة “رامشتاين” الجوية في جنوب ألمانيا، في الساعات التي تلت الهجوم علی عين الأسد.

بعد أيام من الهجوم، کشف الجيش الأمريكي عن عدد الإصابات، قائلاً إن تصريح ترامب السابق بشأن “عدم وقوع إصابات” استند إلى معلومات كانت لدى البنتاغون في ذلك الوقت.

الحقيقة هي أن خطورة إصابات ٢٩ شخصاً من الجيش الأمريكي، بمن فيهم جونسون، في هذا الهجوم الذي أطلق عليه الإيرانيون “عملية الشهيد سليماني”، كانت كبيرةً لدرجة أنهم حصلوا على وسام “القلب الأرجواني”. والجدير بالذکر أن الحكومة الأمريكية لم تعترف بعد بعدد القتلى في هجوم إيران على قاعدة عين الأسد.

شعر عدد من القوات الأمريكية بالغضب واليأس بعد الضربة الصاروخية الإيرانية. ولا يزال الناجون من الهجوم يفكرون في ليلة يبدو أنها طغت عليها بشكل متزايد أحداث أخرى في العام، منها تفشي فيروس كورونا، ونقاش وطني متوتر حول العنصرية، وواحدة من أكثر الانتخابات الرئاسية إثارةً للجدل في التاريخ الأمريكي.

هذا في حين أن المقدم “جوناثان جوردن” ضابط العمليات بوحدة القوات الجوية الذي كان في عين الأسد في تلك الليلة، قال: “لقد كان الحادث مروعًا لدرجة أنني لا أستطيع حتى إن أتخيل أنه حتى شخص واحد نجا منه دون آثار نفسية أو عاطفية”.

الاستعداد للهجوم

بعد اغتيال سليماني مباشرةً، بدأت القوات الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط تقريبًا في الاستعداد لرد إيراني محتمل.

وفي هذا الصدد، قال الرقيب “صموئيل ليفاندر” عضو الوحدة الفنية للقوات الجوية الأمريكية وطاقم سرب العمليات الخاصة بالطيران والذي کان موجوداً بشکل مؤقت في عين الأسد، إنه حتى الموظفين المدنيين المعينين لطهي الطعام لم يعودوا يأتون إلى القاعدة. کما بدأت وحدة ليفاندير تدريجيًا في استكشاف عدد الأشخاص الذين يمكن استيعابهم في طائرات SV-2 الخاصة، إذا احتاجوا إلى الفرار على الفور.

في الـ 7 من كانون الثاني، أصبحت الشدة الحقيقية للتهديد واضحةً: لم ترغب إيران في إطلاق صواريخ يمكن أن يقتل كل منها شخصين أو ثلاثة أشخاص، بل كان من المقرر إطلاق صواريخ أقوى بكثير على القوات الأمريكية عبر الحدود العراقية وعلى بعد كيلومترات.

يقول جوردن إنهم وضعوا خطةً مع المقدم “استيسي کلمن”؛ قرَّر کلمن سحب نصف القوات البالغ عددها 160 تحت قيادته على طائرة سي -130 إلی قيادة جوردن. وكان على النصف الآخر من القوات البقاء مع کلمن واللجوء إلى الملجأ. يوضح جوردن: “في ذلك الوقت كنا مستعدين للتدمير الكامل(للقاعدة)”.

وفي مكان آخر من القاعدة، كان عدد كبير من قوات العمليات الخاصة الأمريكية يستعد لمغادرة القاعدة على متن ثلاث طائرات من طراز SUV-22، لكل منها 24 مقعدًا.

ووفقًا لتقرير تم تقديمه في حفل توزيع الأوسمة لعدد من القوات في قاعدة عين الأسد ونشرته لأول مرة Air Force Times، قدر لواندير أن الطائرات يمكن أن تستوعب عدداً أكبر بكثير، وفي النهاية أُخرج 194 منهم من القاعدة، لكن كان على الباقي البقاء.

ويقال إن الرقيب نول یارنز، وهو ضابط كبير في سلاح الجو، قد لجأ إلى هيكل محصن وطلب من القوات الخاضعة لقيادته إحضار أقنعتهم الكيميائية؛ للحذر. وكان يعلم أن هذه الصواريخ قادرة أيضًا على حمل أسلحة كيميائية.

بدوره قرر جونسون، الذي عمل مع الجنود في جزء آخر من عين الأسد، تسجيل رسالة فيديو لابنه “جاك” البالغ من العمر 7 سنوات، قال فيها إنه يريد ترك كلماته الأخيرة إذا “حدث شيء سيء لبابا”.

“الهجوم، الهجوم!”

بحلول منتصف الليل، كان المطار هادئًا. على حد تعبير الرقيب “بريان مودي”، أحد أفراد الوحدة الفنية وعضو في فريق أمن القوات الجوية في عين الأسد، “مثل مدينة أشباح”. كان مودي، وهو عضو في الحرس الوطني لولاية كنتاكي، يستقل سيارةً مضادةً للألغام مع زملائه للتأكد من أن القاعدة آمنة. وقد تمركزت القوات الأخرى في أبراج مراقبة مع الحرص على عدم مهاجمتها في نفس الوقت. وکانت جميع القوات الأخرى الموجودة في القاعدة قد لاذت بالملاجئ تقريبًا.

كانت الساعة قد تجاوزت الواحدة صباحًا عندما خرج تحذير من مكبرات الصوت في القاعدة:”الهجوم! الهجوم! أسرعوا إلی الملاجئ!”.

سقط الصاروخ الأول في حوالي الساعة 1:34 صباحًا على بعد نحو90 مترًا من نفس السيارة المضادة للألغام التي كان فيها فريق مودي؛ وقد سقط بعض الحطام على غطاء محرك السيارة.

جونسون، الذي تم إرساله إلى عين الأسد ضمن وحدة طيران تابعة للجيش، لجأ مع عدد من الجنود الآخرين إلى أحد الخنادق على الأرض. هذا الخندق، التي كانت جوانبه مفتوحةً ومدعومةً بأكياس الرمل الخرسانية، كان مصمماً لتحمل الصواريخ الصغيرة وليس الصواريخ الکبيرة.

لا يتذكر جونسون الانفجارات الثلاثة الأولى على الإطلاق، قائلاً إن السبب هو أن الصاروخ الثالث جعله هو والجنود الآخرون داخل الخندق يفقدون وعيهم ولفترة وجيزة. سقط هذا الصاروخ على مسافة 65 متراً من خندقهم. وسقط الصاروخ الرابع علی بعد نحو 275 متراً عن الخندق. وسُمعت صفارات الصاروخين الخامس والسادس بعد نحو 40 ثانية؛ حيث سقط أحدهما على بعد 110 أمتار، والآخر على بعد 35 مترًا فقط. تذوَّق جونسون بداية الأمر “الغبار بنكهة الأمونيا” على أسنانه، ثم فقد وعيه مرةً أخری.

الخلاص في خضم الفوضى

في نقطة أخرى من القاعدة، ظهرت تهديدات جديدة مع بدء الحريق. في الفترة الفاصلة بين سقوط الصاروخين، خلص مودي وبقية فريقه إلى أنهم سيكونون أكثر أمانًا إذا غيَّروا مکانهم. قال الرقيب “درو دافنبورت”، وهو أحد قوات الطيران الآخرين والذي کان يستقل سيارةً مضادةً للألغام، إنهم توجهوا إلى نقطة تطل على قاعدة کانت تبدو فارغةً، وأطفأوا الأنوار وانتظروا.

بدا وکأن خطتهم کانت جيدةً؛ بالطبع مؤقتاً. عندما أطلقت الصواريخ التالية، استعدّ ركاب السيارة للانفجار. سقط أحد الصواريخ على بعد نحو 45 متراً من سيارتهم، فاجتاحت موجة الانفجار السيارة، وارتفعت النار والدخان والحطام في السماء. يقول دافنبورت: “لم يكن لدي الوقت حتى لأخاف. ان جسدي كله مليئ بالأدرينالين. لكن يمكنني أن أتذكر بوضوح السحابة الفطرية واللون الأحمر والبرتقالي اللامع للانفجار. لقد كان أحد أكثر الأشياء رعباً التي رأيتها في حياتي”.

استغرق هبوط أربعة صواريخ على القاعدة أكثر من ساعة، وكانت المسافة بين كل منها نحو 15 دقيقة. قام الفريق، الذي كان يستقل سيارةً مضادةً للألغام وقوات أمنية أخرى، بدوريات سريعة في المنطقة الواقعة بين الصواريخ لتفقُّد القوات الأخرى داخل القاعدة.

يقول مودي إن من بين القوات التي احتاجت للمساعدة، جنديان محاصران في برج مراقبة مشتعل. لقد سقط صاروخ بالقرب من البرج، ولم يتمكن الجنديان من النزول من البرج الذي يبلغ ارتفاعه 4 أمتار بسبب النيران. ولمساعدتهم، أحضر فريق القوات الجوية مركبتهم المضادة للألغام إلى جانب البرج، وتمكن الجنديان من القفز على عربتهم بدلاً من القفز على الأرض من أعلى البرج.

من ناحية أخرى، احتاج أحد المقاولين العسكريين في القاعدة، والذي أصيب بجروح خطيرة في عينه، إلى المساعدة. يقول جونسون إن “روبرت جونز” الاختصاصي الطبي، أخذ المقاول إلى خندق آخر سريعاً. جونز، الذي يحمل الآن رتبة رقيب، حصل لاحقًا على وسام التقدير الخاص للجيش تقديراً لـ “بسالته”.

اجتياز الكارثة

عند شروق الشمس، ورغم مضي ساعات علی الهجوم الإيراني، لم يكن هناك أحد تقريبًا في القاعدة يتحرك من مکانه. يقول ليفاندر إن طائرة فريقه SV-22 حلَّقت فوق القاعدة في الصباح الباكر؛ عملياً لم يغادر أحد الملجأ، وكانت الحظائر لا تزال مشتعلةً. عندما عاد ليفاندر وزملاؤه إلى مهاجعهم، شاهدوا منظفات يد كانت قد اقتُلعت عن الحائط، ومصابيح مائلة ومعلقة، ومولدات طاقة قد تعطَّلت. حصل ليفاندر والعديد من زملائه في وقت لاحق على وسام “صليب الطيران المتميز” لعملهم.

كان الجنود الذين نجوا في ملاجئهم لا يزالون مترددين في مغادرتها، حتى بعد صدور رسالة “الوضع الأبيض”. يقول جونسون إن بعضهم كانوا يبكون؛ وكانوا يجهشون في البکاء، وتقيأ آخرون.

سأل جونسون، الذي هو جراح طيران، عما إذا كان أي شخص بحاجة إلى رعاية طبية. لم يرد أحد بالإيجاب، ما دفعه إلى تقديم تقرير أولي عن “عدم وقوع إصابات” إلى البنتاغون؛ وهو نفس التقرير الذي أعلنه ترامب لاحقًا.( بالطبع، هذا التفسير لواشنطن بوست يبدو سطحيًا جدًا ولا يصدَّق).

يقول جونسون: “الحقيقة هي أن جميع القوات ظهرت عليها أعراض تلف في الدماغ، لكنها كانت ضئيلةً مقارنةً بما تحملناه طوال الليل”.

بدأت القوات الموجودة في عين الأسد الاختبار بعد صدور التقرير الأولي. والجرحى الذين ظهرت عليهم أعراض حادة غادروا العراق. جونسون نفسه عانى من تلف في الدماغ، وقضى أسابيع في ألمانيا يخضع للعلاج الطبيعي وعلاج النطق والعلاج المهني وعلاج حركات العين والرعاية النفسية. وأخيرًا، عاد إلى الشرق الأوسط لإكمال خدمته.

يقول دافنبورت ومودي إنهما لم يتضررا في الهجمات، لكنهما يتساءلان کيف مرت أمريكا بهذا الحادث مرور الکرام. يقول دافنبورت: “أعتقد أنه أمر محبط للغاية. هناك من لا يعرف في الأساس أن هذا الأمر قد حدث”.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق