لماذا دعت فرنسا واشنطن للتعامل بـ”واقعية” مع “حزب الله”
يجب أن يعترف العالم أن “حزب الله” لا يمكن الغاؤه عن الخارطة اللبنانية فهو مكون رئيس من التركيبة اللبنانية، واي مساس بمكانة الحزب هي مساس بالسيادة اللبنانية، لأن الحرب على الحزب هي حرب على كل لبنان، لأن أبناء الحزب هم أبناء لبنان ويشكلون قاعدة لا يستهان بها، وهذا ما أدركته فرنسا التي وجهت رسالة جديدة للادارة الأمريكية الجديدة تبلغها بضرورة التعامل بمزيد من “الواقعية” مع “حزب الله”، فالفرنسيون يدركون جديا أنه لا يمكن ابعاد “حزب الله” عن الساحة السياسية ولا حتى الاجتماعية، ربما كانوا يتمنون ذلك لكن لا يمكنهم لا هم ولا سواهم.
الكلام الفرنسي نقلته “رويترز” عن مسؤول رئاسي فرنسي، حيث دعا المسؤول إلى التعامل بمزيد من “الواقعية” مع “حزب الله”، للمساعدة في الخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان.
وأضاف المسؤول:” إن هناك ضرورة ملحة في لبنان، وأولويات يمكن لفرنسا وللولايات المتحدة متابعتها معاً”. وأشار إلى أن الأولوية بالنسبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هي تشكيل حكومة لبنانية يمكنها الاستمرار في العمل بفاعلية.
وفي نهاية أيلول، أعلن ماكرون، أن “المبادرة الفرنسية حول لبنان لم تسحب عن الطاولة”، داعياً المسؤولين اللبنانيين إلى “انتهاز فرصة تأليف حكومة إنقاذ”، مشدداً على أن “العقوبات الأمريكية وترت الأجواء في لبنان”.
وكان ماكرون أكد أن التمويل للنهوض في القطاعات اللبنانية بات موجوداً، لكنه مشروط بالإصلاحات”، مضيفاً: “سنعمل على الاستجابة المالية لاحتياجات الشباب اللبناني”.
وعلى الرغم من أن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ساندت مبادرة ماكرون، إلا أنها اعترضت على أن تشمل “حزب الله” الذي تعتبره واشنطن منظمة إرهابية. وحتى الآن لم يتضح بعد كيف ستتعامل إدارة بايدن مع الملف اللبناني.
كيف تعاملت واشنطن مع الملف اللبناني؟
كانت واشنطن فرضت عقوبات على “حزب الله” لقطع التمويل الدولي عنه، وذلك بموجب قانون منع التمويل الدولي في 2015 في عهد إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وكان بايدن حينها نائبه.
“حزب الله” وحتى “فرنسا” يدركان ان الولايات المتحدة وحلفاءها هم سبب عرقلة المبادرة الفرنسية، ففي وقت سابق من العام المنصرم قالت مصادر دبلوماسية، إن لقاء جرى بعيداً عن الإعلام بين السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشييه وبين مسؤول العلاقات الدولية في حزب الله الحاج عمار الموسوي في مقر حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية، تخللته مأدبة غداء أقامها الموسوي على شرف ضيفه الفرنسي.
وشدد المصدر على أن اللقاء بين فوشييه والموسوي كان لقاء وداعياً بسبب انتهاء أعمال السفير الفرنسي الدبلوماسية في بيروت، خصوصاً أن العلاقة بين الموسوي وفوشييه هي علاقة قديمة وأن الطرفين كانا يتواصلان برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري ومستشاره الوزير علي حسن خليل.
ووفق المصدر فإن الموسوي أسمع ضيفه الفرنسي عتاباً على كلام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتحميله حزب الله وحركة أمل مسؤولية تعثر المبادرة الفرنسية، وما تبعها من اعتذار السفير مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة اللبنانية.
وقال الموسوي “لماذا وجهتم إلينا التهمة بشكل ينافي الحقيقة، وأنتم تدركون أن من عرقل ولادة الحكومة هم حلفاؤكم وعلى رأسهم رؤساء الحكومات السابقون؟”.
وأوضح المصدر أن فوشييه شرح للموسوي الشعور الفرنسي بمحاولة أطراف دولية وعربية عرقلة المبادرة الفرنسية على رأسها الولايات المتحدة والسعودية، والتي لم تبدِ رغبتها في دعم الخارطة التي أعدتها المؤسسات الفرنسية.
وذكر أن مواقف التشدد التي برزت من قبل بعض الأطراف أتت عقب الخطاب الذي ألقاه العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز حول رفضه لمشاركة حزب الله في أي حكومة لبنانية والموقف السعودي من الثنائي الشيعي ودورهما في السياسة اللبنانية. كما أن العقوبات الأمريكية كانت بمثابة رسالة مبطنة لإفشال المبادرة الفرنسية.
هناك حجج أخرى للادارة الامريكية مثل “سلاح الحزب”، ففي وقت ستبق قال وزير الخارجية الامريكي السابق مايك بومبيو: “الخطر هو أنظمة الصواريخ، والصواريخ الموجهة بدقة التي يمتلكها حزب الله في الجنوب. لذلك فإن نزع سلاح حزب الله أكبر التحديات”. وكان هدفه حينها خلط الأوراق من جديد في الداخل اللبناني ووضع العصي في الدولايب في محاولة للقضاء على المبادرة الفرنسية التي من شأنها تخفيف حدة الأزمة اللبنانية ولو كان عليها بعض الملاحظات، إلا أن ما يميز هذه المبادرة أنها لا تقصي أحداً ولا تضع شروطاً تعجيزية لا يمكن حلها.
ومنذ أن أطلقت فرنسا مبادرتها كانت الأنظار تتجه نحو الموقف الأمريكي الذي لم يخذل اسرائيل وبعض الجهات الأخرى التي ترغب باستمرار الوضع في لبنان على ما هو عليه، وكان الأمر من بوابة استهداف “حزب الله” وكل من يرتبط معه في الداخل والخارج، وقبل يومين فرضت واشنطن على شركات تابعة لأشخاص قالوا انهم ينتمون أو يدعمون “حزب الله” والسؤال لماذا جاءت هذه العقوبات بعد انفجار بيروت وبعد اطلاق المبادرة الفرنسية؟.
الادارة الأمريكية السابقة وتحديداً بومبيو انتقدوا بشدة طريقة التعامل الفرنسية مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، ولتأكيد عرقلة واشنطن للجهود الفرنسية، انتقدت الادارة الامريكية بشدة هذه الجهود وكانت مستاءة من اجتماع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته إلى بيروت، مع رئيس كتلة “لوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، الأمر الذي دفع بالكثيرين إلى السؤال عن كيفية تعاطي باريس مع هذه الرسالة، في ظلّ الرغبة الواضحة التي تبديها بإنجاح مبادرتها في لبنان، الأمر الذي لا يمكن أن يتم من دون تواصل مباشر مع “حزب الله”، وهو الأمر الذي أدركه ماكرون قبل زيارته الى لبنان، وأصر عليه خلال الزيارتين.
لماذا لا يفهم الأمريكيون أن “حزب الله” هو جزء من التركيبة اللبنانية وله تأثير كبير في اي خطوة سياسية أو مبادرة لحلحلة الأمور في لبنان نظراً لمكانته الكبيرة وجماهريته في الداخل اللبناني، بكل الأحوال جاء الرد الفرنسي على امتعاض واشنطن من التعاطي مع “حزب الله” أول أمس ،حيث كان تواصل السفير برونو فوشيه مع مسؤول العلاقات الدولية في الحزب النائب السابق عمار الموسوي، مؤشرا على أن باريس لن تتراجع عن موقفها الرافض لتصنيف “حزب الله” منظمة إرهابيّة، كما تريد واشنطن، وتُصر على الفصل بين الجناحين السياسي والعسكري بالرغم من أن الحزب نفسه لا يعترف بهذا الفصل.
اللقاء الفرنسي مع “حزب الله”، أوصل رسالتين:
أولاً: ايصال رسالة واضحة وصريحة لبومبيو بأن عليه التعاون مع فرنسا والتوقف عن انتقاد الدور الفرنسي في لبنان.
ثانياً: أن فرنسا تسعي لإنجاح المبادرة نظرا لأهميتها في رسم الدور الفرنسي في لبنان للمرحلة المقبلة، ولكن هذا الرد الفرنسي على وزير الخارجية الامريكي قد لا يجد تقبّلا أمريكيا، ما يفتح الباب أمام كباش أمريكي-فرنسي على الساحة اللبنانية، وهذا هو الأمر الذي تخشى منه القوى السياسية الراغبة بولادة الحكومة قريبا.
ليست المبادرة الفرنسية بالنسبة الى حزب الله نصّاً مُنزلاً. يُدرك الحزب تماماً الدور الفرنسي وما يضمره، ورغم الكثير من الملاحظات السلبية على أداء باريس، إلا أن ” الواقعية السياسية” تقتضي التعامل مع المبادرة والاستفادة من بعض ما تحمله في سبيل الحدّ من الانهيار.
المصدر / الوقت