التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

شبح الاحتجاجات يخيم على المشهد السياسي التونسي.. ما علاقة الاحتجاجات بالانتخابات 

من جديد تعود تونس إلى الواجهة، عقب المواجهات التي وقعت بين الشرطة التونسيّة ومتظاهرين في ولاية “سليانة” التابعة لإقليم الشمال الغربيّ قبل شهر تقريباً، ومؤخراً أدى خلاف بشأن تعديل وزاريّ في البلاد إلى تصاعد وتيرة الصراع على السلطة بين الرئاسات الثلاث (الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان)، ما يهدد بخروج الكتل المتنافسة في احتجاجات في الشارع وإسقاط الحكومة، بعد شهر من وقوع الاحتجاجات العارمة في ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، حيث أقام عشرات المتظاهرين وقتها، عدة حواجز وأضرموا النيران لإغلاق شوارع المدينة الواقعة على بعد نحو 130 كيلومتراً من العاصمة التونسيّة، وقد بدأت الاحتجاجات في سليانة ومدن أخرى بعد انتشار مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعيّ، أظهر رجل شرطة وهو يصرخ ويدفع راعياً دخلت أغنامه إلى إحدى المقرات الحكوميّة.

خلاف متفاقم

يتفاقم الخلاف بين الرئاسات الثلاث في تونس منذ انتخابات عام 2019، والتي أسفرت عن برلمان منقسم ورئيس جديد على الساحة السياسيّة، ما أوجد حالة مستمرة من الاضطرابات السياسيّة في الدولة الوحيدة التي خرجت بديمقراطيّة سليمة كما يصف البعض، ما يُسمى “الربيع العربي” قبل ما يقارب الـ 10 سنوات، وقد وصل الخلاف إلى ذروته في وقت تحاول فيه الحكومة التونسيّة تجاوز الأزمة الاقتصاديّة الناجمة عن فيروس كورونا المستجد.

وفي الوقت الذي تواجه فيه تونس أكبر احتجاجات منذ سنوات ومستويات من الدين العام أثارت مخاوف أسواق رأس المال التي تشتد الحاجة لها من أجل تمويل ميزانية الدولة، قد يستغرق تشكيل حكومة جديدة في حال سقطت الحكومة الحالية، أسابيع على الأقل ما يؤدي إلى مزيد من التأخير في الإصلاحات المالية اللازمة لكسب التمويل.

ووفقاً لـ زهير المغزاوي، رئيس حزب الشعب، الذي يدعم الرئيس التونسيّ، قيس سعيد، في خلافه مع رئيس الوزراء هشام المشيشي، فإنّ الثورة في البلاد تواجه أحلك أزماتها وأكثرها تعقيداً، حيث يعتقد المغزاوي أنَ الحل هو حوار بعيد عن التسويات السياسيّة السابقة، أي حوار يقود إلى الاتفاق حول تعديل النظامين السياسيّ والانتخابيّ وتعديلات في الدستور.

وفي هذا الصدد، تعهد قيس سعيد بعدم الموافقة على تعيين 4 وزراء رشحهم المشيشي في تعديل وزاريّ، قائلاً إن لكل منهم شكلاً محتمل من تضارب المصالح، فيما يحظى المشيشي الذي تولى منصبه الصيف المنصرم بدعم من رئيس البرلمان راشد الغنوشي زعيم حزب النهضة الإخوانيّ، وقد تخلصت الثورة التي قام بها التونسيون عام 2011 من الحكم الاستبداديّ لكن الكثير من التونسيين أصيبوا بخيبة أمل بسبب تردي الأحوال المعيشيّة، وفي الوقت ذاته أدى نظام تقاسم السلطة الذي تضمنه دستور البلاد لعام 2014 إلى خلاف مستمر بين الرئاسة ومجلس الوزراء والبرلمان.

ويتعين على رئيس البلاد والبرلمان الموافقة على رئيس وزراء يتمتع بمعظم الصلاحيات التنفيذيّة في حين يشرف الرئيس على الشؤون الخارجيّة والدفاع، ولم يتم تشكيل محكمة دستوريّة كان من المفترض أن تفصل في النزاعات بين الأقسام المتنازعة للدولة، لأنّ كل من في السلطة لم يتفقوا على قضاة يثقون في قدرتهم على التزام الحياد، ويرغب الرئيس قيس سعيد في نظام رئاسيّ مع دور ثانويّ للأحزاب السياسيّة في حين يريد الغنوشي وحلفاؤه نظاماً برلمانياً أكثر وضوحاً.

إحياء الثورة

جاءت التظاهرات الأخيرة في تونس الشهر الماضي، رغم الإغلاق الذي فرضته الحكومة التونسيّة، لمدة أربعة أيام لاحتواء فيروس كورونا المستجد، وحظرت التظاهرات المتوقعة في ذلك اليوم الذي صادف ذكرى “الثورة التونسيّة”، فيما شكك البعض في توقيت الإغلاق، وفسره على أنّه عدم رغبة حكوميّة بإحياء تلك الذكرى.

وعقب أسابيع على الذكرى الـ 10 لخلع الرئيس التونسيّ الأسبق، زين العابدين بن علي وفراره إلى المنفى، بعد أن تم الإطاحة به في “ثورة شعبيّة” يوم 14 كانون الثاني عام 2010، أنذرت بالانتفاضات الداعية للديمقراطيّة فيما يسمى “الربيع العربيّ”، والذي حول طقس العرب إلى خريف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ونتج عنه صراعات وحروب دمويّة لم تنته في الكثير من الدول العربيّة، فيما لم يمر “الربيع العربيّ” على أكثر الدول استبداداً وانغلاقاً وظلماً في العالم العربيّ ما أثار الكثير من الشكوك والتساؤلات حوله، ولا سيما أنّه لم يفرز سوى الخيبة والدمار والتشريد للعرب، ولم يحقق أدنى المطالب المحقة التي ثار لأجلها العرب، بل زادت حجم الاستبداد والتدخلات والفساد والظلم واحتمالات التقسيم، بعد أن خُطفت “ثورات العرب” وزج بطموحاتهم في غياهب النسيان تحقيقاً لمنافع وأطماع من يهمه أن تبقى الدول العربيّة في أوضاع يرثى لها.

ومن الجدير بالذكر أنّ “الثورة التونسيّة” اندلعت بعد قيام بائع الفاكهة محمد البوعزيزيّ، البالغ 26 عاما، بإضرام النار في نفسه في 17 كانون الأول عام 2010، احتجاجاً على معاملة الشرطة له في بلدة سيدي بوزيد وسط تونس، حيث أطلقت وفاة البوعزيزي العنان لسخط كبير ومظاهرات حاشدة ضد الفقر والبطالة والقمع، وارتد تأثير تلك الاضطرابات الشعبيّة خارج الحدود التونسيّة، ما أدى إلى ما تسمى “ثورات الربيع العربيّ” التي أفرزت للأسف دماراً واضطراباً أكبر في العالم العربيّ.

وتحدثت المواقع الإخباريّة حينها، أنّ قوات الشرطة التونسيّة أطلقت قنابل الغاز، لتفريق محتجين غاضبين في مدينة سليانة شمال البلاد، بعد أن قام رجل شرطة بضرب وإهانة راعي أغنام في حادث فجر غضباً عارماً في البلاد، فيما أحرق محتجون إطارات سيارات وأغلقوا عدة طرق ورشقوا الشرطة بالحجارة والتي بدورها طاردت المحتجين وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع.

ومن الجدير بالذكر، أنّ النيابة العامة في تونس فتحت تحقيقاً في الحادثة، وأكّدت مصادر أمنيّة تونسيّة أن السلطات نقلت الشرطيّ المذكور وفتحت تحقيقاً إدارياً، وذكرت وسائل إعلام محليّة أن اشتباكات محدودة وقعت أيضاً في منطقة الكرم بالعاصمة موضحة أنّ الشرطة اعتقلت عدداً من الشبان قالت إنهم كانوا يسعون إلى بث الفوضى والقيام بأعمال شغب، في الوقت الذي تعد فيه تونس نموذجاً للانتقال السلميّ للسلطة في منطقة تشهد اضطرابات كبيرة، فيما يزداد وضعها الاقتصاديّ سوءاً لدرجة الاقتراب من الإفلاس.

وبعد بضعة أيام على الاحتجاجات التي سببت توتراً كبيراً في البلاد، عاد الهدوء إلى تونس التي شهدت أعمال شغب واشتباكات بين قوات الأمن ومحتجين في العديد من مناطق البلاد والتي تخللها استخدام الغازات المسيلة للدموع واعتقال العشرات من الأشخاص، فيما عمدت قوات الأمن التونسيّة إلى إيقاف العشرات من الأشخاص في ولايات تونس ومنوبة وسوسة والمنستير والقيروان، وفق إذاعة “موزاييك” التونسيّة.

وفي هذا الخصوص، أضرم بعض المحتجين النار في العجلات المطاطيّة وحاولوا سد الطرقات والهجوم على محال تجاريّة، وعاود بعض الشباب الاشتباك بالحجارة مع قوات الأمن في منطقة القصرين، وقد فرقتهم الشرطة بالغازات المسيلة للدموع، وقد عاد الهدوء إلى أحياء في عدة ولايات تونسية بعد مواجهات متكررة وعمليات بين قوات الأمن ومجموعات من الشبان الذين وصفتهم السلطات الأمنية التونسيّة بالمخربين.

وفي ذلك الحين، أكّد المتحدث الرسميّ باسم وزارة الدفاع التونسيّة، محمد زكري، انتشار وحدات من الجيش التونسيّ أمام المنشآت العامة ومقرات السيادة في محافظات سوسة وسليانة وبنزرت والقصرين، تحسباً لوقوع أعمال شغب قد تطال تلك المنشآت، وأوضح أن قوات الجيش بصدد المشاركة في دوريات مشتركة مع الأمن في جميع أنحاء البلاد، بعد أن توسعت رقعة المواجهات بين قوات الأمن وعدد من المواطنين خلال تلك الفترة، لتشمل أحياء في مدينة القصرين ومدينة جلمة بمحافظة سيدي بوزيد في الوسط الغربيّ ومدينة باجة شمالي البلاد.

وكانت السلطات الأمنية التونسية قد أوقفت على إثر هذه الأحداث أكثر من 600 شخص أغلبهم من القاصرين ضالعين في أعمال شغب بحسب ادعائها، في حين سُجل عدد من الإصابات في صفوف قوات الأمن وفق المتحدث الرسمي باسم الداخلية التونسيّة، التي قالت أنّه تم توقيف عشرات ممن وصفتهم بـ”المنحرفين” الذين أقدموا على إشعال الإطارات المطاطية وإغلاق بعض الطرق بهدف ارتكاب ما وصفتها بـ “أعمال إجرامية” تشمل نهب أملاك عامة وخاصة.

علاوة على ذلك، لم تُرفع خلال التظاهرات العنيفة أيّ شعارات سياسية أو مطالب اجتماعيّة، لكن تخللها نهب بعض المحال التجاريّة ومحاولة اقتحام مقار بعض البنوك، في ظل التوترات السياسيّة والاجتماعيّة والأزمة الاقتصاديّة التي رفعت نسبة البطالة بين الشباب في تونس إلى نحو 30%، وقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعيّ، صوراً تظهر احتجاز قوات الأمن أموالاً ومخدرات وأسلحة بيضاء وزجاجات مولوتوف.

ووفق ما ذكرت وكالة الأناضول التركيّة، نقلاً عن المتحدث باسم الداخلية التونسيّة، خالد الحيوني، فإنّ القضاء هو من يحدد ما إذا كانت هناك دوافع سياسية وراء الاضطرابات الأخيرة أم لا، في الوقت الذي لم تعلن فيه أي جهة سياسيّة عن دعمها لهذه التحركات التي أتت عقب احتجاجات طالبت بالوظائف والتوزيع العادل للثروات في عدة مناطق تونسيّة.

وقد حذر الرئيس التونسيّ، قيس سعيد، الشباب في تونس من المتاجرين بفقرهم وبؤسهم، لبث الفوضى، وخاصة أنّهم لا يتحركون إلا في الظلام وهدفهم ليس تحقيق مطالب الشعب بقدر سعيهم لبث الفوضى ثم تجاهل الضحايا منهم، وذلك خلال زيارة قام بها إلى حي الرفاه بمنطقة المنيهلة وسط تونس العاصمة، حيث تحدث إلى مجموعة من السكان هناك.

وقال بيان صادر عن الرئاسة التونسيّة في ذلك الحين، إنّ الرئيس توجه بكلمة دعا الحاضرين ومن بينهم الشباب التونسيّ إلى عدم التعرض إلى أيّ شخص كان، لا في ذاته ولا في عرضه ولا في ممتلكاته، وأكّد حق الشعب التونسيّ في العمل والحرية والكرامة الوطنيّة، وشدد على أنّ إدارة الشأن العام لا تقوم على تحالفات ومناورات، بل على قيم أخلاقيّة ومبادئ ثابتة لا يمكن أن تكون موضوع مساومة أو ابتزاز، كما لا يمكن أن تكون الفوضى طريقا لتحقيقها.

تسييس الاحتجاجات

من المعروف أنّ الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في الآونة الأخيرة على عدم المساواة وانتهاكات الشرطة صبت جام غضبها بالأساس على المشيشي والغنوشي، ورغم ذلك دعا حزب النهضة الإخوانيّ، بزعامة الغنوشي، أعضاءه إلى التظاهر يوم السبت القادم، لحماية الديمقراطيةّ ومعارضة رفض سعيد للتعديل الوزاريّ الذي اقترحه المشيشي، كما دعت أطراف أخرى ذات آراء متعارضة إلى مظاهرات، في تسييس واضح للاحتجاجات.

وبذلك، يعيد شبح الاحتجاجات المتنافسة إلى الأذهان الاستقطاب الشديد الذي شهدته البلاد في العامين 2013 و2014 قبل أن يتخلى حزب النهضة ومجموعة من الأحزاب العلمانيّة عن العنف من خلال الاتفاق على تقاسم السلطة، حيث فاز الرئيس الحاليّ قيس سعيد في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية عام 2019، بحصوله على أغلبيّة ساحقة.

في الوقت ذاته، أسفرت الانتخابات عن برلمان لا يتمتع فيه أيّ حزب بأكثر من ربع الأصوات، ما يجعل من المستحيل تقريباً حصول أيّ حكومة على دعم أغلبيّة ثابتة، فيما قال سعيد عن الخلافات “لست مستعدا للتنازل عن مبادئي” مضيفاً إنّ الرئاسة ليست عبارة عن مكتب بريد لتلقي القرارات التي يرسلها رؤساء الوزراء دون تمحيص.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق