التحديث الاخير بتاريخ|الإثنين, نوفمبر 25, 2024

هل يمكن لحزب البعث أن يعود إلى السلطة والسياسة في العراق 

أدلت “رغد” ابنة الدكتاتور العراقي السابق صدام، مؤخراً بتصريحات في مقابلة مع شبكة “العربية “الإخبارية السعودية، أثارت موجةً كبيرةً من ردود الفعل من المسؤولين السياسيين والأمنيين العراقيين.

حاولت رغد في هذه المقابلة تبرئة والدها من جرائمه بحق الشعب العراقي ودول المنطقة، مؤكدةً: “أنا واثقة من أنني سأعود إلى العراق. إنه وطني”.

ويأتي وعد رغد بالعودة إلى العراق، بعد أن أدرج القضاء العراقي اسمها في قائمته الإرهابية، في شباط 2018. وبهذا فإن السؤال المطروح الآن هو، هل من الممكن إحياء حزب البعث في العراق؟

الحجة الرئيسة لهذا المقال هي أنه على الرغم من السياقات والإمكانيات في المناطق السنية، والتي هي في الغالب نتيجة إحباط المواطنين من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فإن حزب البعث لن يكون لديه فرصة لاستعادة السلطة، سواءً من الناحية القانونية أو في البعد الميداني.

معارضة القانون الصريحة لنشاط حزب البعث

يمكن اعتبار العقبات القانونية بأنها العائق الأكبر أمام صعود حزب البعث، واستئناف نشاطه.

إن الحظر المفروض على حزب البعث المنحل وجميع أعضائه، منصوص عليه في المادة 7 من الدستور العراقي، الذي تمت الموافقة عليه علنًا في استفتاء عام 2005.

ووفق المبدأ الأول من هذه المادة، فإن “نشاط أي تنظيم يتبنى أو يمدح أو يوفر الأرضية للعنصرية أو التکفير أو التطهير الطائفي وتحريض الآخرين عليه، وخاصةً تنظيم صدام البعثي في ​​العراق ورموزه، ممنوع تحت أي اسم کان، ولا يجب أن يكون في إطار التعددية السياسية في العراق، ويجب تنظيم ذلك من خلال صياغة القانون”.

كما صادق مجلس النواب العراقي في 30 يوليو 2016، على مشروع قانون يحظر حزب البعث والتيارات السياسية المنحلة والأحزاب والأنشطة العنصرية والإرهابية والتكفيرية.

ومع صدور هذا القانون، فإن أنشطة حزب البعث والأحزاب والتيارات الأخری مثل النقشبندية وغيرها، التي هي من التيارات المدافعة عن النظام البعثي السابق، وتعمل بشكل غير قانوني، وأي أحزاب وأنشطة عنصرية أو تكفيرية أو إرهابية، محظورة في العراق.

كما صدر في آذار 2020 قانون يجرم العضوية في حزب البعث المنحل في العراق، مؤكداً أنه لا ينبغي السماح بالترويج لأفكار الحزب.

مجموع هذه القوانين جعل من المستحيل على حزب البعث أن تكون لديه مساحة خاصة ومجال للإحياء في العراق. حتى إن أي عضوية في هذا الحزب يمكن أن تؤدي إلى معاقبة المواطنين العراقيين قانونياً.

عودة حزب البعث إلى الساحة السياسية: حلم المتطرفين والوقائع القائمة

إضافة إلى المعوقات القانونية الواضحة، هناك عقبات جدية على المستوى الميداني أمام حزب البعث للعودة إلی السلطة واستئناف أنشطته الميدانية، علانيةً أو سريةً، وأهمها يمكن عرضها على ثلاثة مستويات:

معارضة كردية صارمة لإحياء حزب البعث: لا شك أن أكراد العراق، باعتبارهم أهم ضحايا الحكم البعثي، هم المعارضون الرئيسيون لصعود حزب البعث الميداني في العراق. إن إبادة 180 ألف كردي خلال عملية “الأنفال”، والهجوم الكيماوي على “حلبجة”، ومقتل أكثر من 5000 شخص والعديد من المذابح الأخرى، جعلت الأكراد عدواً لدوداً لحزب البعث. وکان غضب الأكراد ضد صدام حسين وحزب البعث عظيماً، لدرجة أنهم رفضوا في السنوات التي تلت عام 2003 رفع العلم العراقي الذي ينتمي إلى فترة حكم الحزب، فتمَّ تصميم علم جديد لهذا البلد اضطراراً. وفي الوضع الحالي أيضاً، يبدو أن الأكراد سيستخدمون جميع وسائلهم الدبلوماسية وحتى العسكرية، سواءً علی مستوی بغداد أو خارجها، لمنع حزب البعث من الوصول إلى السلطة مجدداً.

المعارضة الشيعية والتغيير في مفهوم القومية في العراق الجديد: إضافة إلى الأكراد، يعتبر الشيعة ضحيةً رئيسةً أخرى لجرائم صدام حسين وحزب البعث خلال السبعينيات والتسعينيات. حيث قتل حزب البعث العديد من المواطنين الشيعة المضطهدين خلال جرائم مختلفة، وانتهك حرياتهم الدينية والمدنية. ولذلك، لا يمكن للشيعة، باعتبارهم السكان الرئيسيين في العراق(حوالي 60٪)، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكونوا مجموعةً سكانيةً مناسبةً لعضوية ونشاط حزب البعث. وعلى صعيد آخر، من المهم ملاحظة أن تمثيل حزب البعث للقومية العراقية لا يمكن أن يؤدي إلى نفوذهم بين الشيعة أو حتى العرب السنة، لأن مفهوم القومية العراقية يختلف الآن عن فاشية حزب البعث اختلافاً شاسعاً، وما يؤكده الجيل الجديد من العراقيين اليوم هو نوع من القومية المدنية، التي يمكن لأشخاص مثل مقتدى الصدر وعمار الحكيم وحتى مصطفى الكاظمي تمثيلها، وليس شخصاً مثل ابنة صدام حسين الذي يحمل تاريخاً مخجلاً من الجرائم.

مشارکة البعثيين في جرائم داعش: العقبة الرئيسة الثالثة أمام إحياء البعثيين، هي تورط هذا الحزب في ظهور داعش وصعوده وجرائمه في السنوات التي تلت 2014. وفقًا للوثائق المتاحة، استخدم القادة البعثيون خبرتهم العسكرية للعب دور مهم في التنظيم والنشر والتخطيط لهجمات داعش في أجزاء مختلفة من العراق. والواقع أن غالبية المواطنين العراقيين باتوا الآن على علم بهذه الجرائم وتورط حزب البعث في مذابح تنظيم داعش الإرهابي، وهذا يمكن أن يحرمهم من مجال التجنيد وتوسيع أنشطتهم.

بناءً علی كل ما تقدم، يمكن القول في النهاية إنه إلى جانب مسألة صعود وإحياء حزب البعث، فإن هذا الأمر يشکل أزمةً للتيارات السياسية العراقية، ويمكن لوسائل الإعلام العراقية والأحزاب السياسية أن تلعب الدور الأهم في منع حزب البعث من استغلال الفضاء السياسي العراقي.

على مر السنين، حاول هذا الحزب دائمًا إبراز ماضي العراق في مواجهة الأزمات الاقتصادية والسياسية والطائفية الحالية، وبالتالي تقديم نفسه كحزب قيادي وممثل للقومية.

وفي مثل هذه الأجواء، يجب ملاحظة أن الإعلام السعودي والإماراتي الآن يدعم هذا الحزب ويحلم بعودته إلی الحكم، ولكن في مواجهة هذا السيناريو يبدو أن المسؤولية الرئيسية تقع على عاتق الأحزاب ووسائل الإعلام العراقية، التي يتعيَّن عليها كشف الحقائق للمواطنين، وخاصةً أهل السنة في العراق، ونقل الجرائم والأعمال التخريبية لحزب البعث إلى جيل الشباب، من أجل منع الحزب من الوصول إلى السلطة علانيةً أو سراً.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق