التحديث الاخير بتاريخ|الثلاثاء, نوفمبر 26, 2024

تحوّل نظام أجور الموظفين في العراق.. الأسباب والضرورات 

أصبح العراق في الأشهر الأولى من عام 2021، غارقاً في أزمة اقتصادية خانقة أكثر من أي وقت مضى فضلاً عن انخراطه في التوترات السياسية. حيث أطلقت الحكومة والبرلمان العراقي في الأشهر الأخيرة من عام 2020، خطة للتعامل مع تداعيات الأزمة الاقتصادية، مثل قانون تمويل عجز الموازنة (الاقتراض) وخفض قيمة الدينار مقابل الدولار. لكن الآن في المرحلة الجديدة، لجأت الحكومة إلى إطلاق نظام وآلية الرقم الوطني او الشخصي لتعويض عجز الموازنة والقدرة على دفع رواتب الموظفين. وبناءً على ذلك، تعتزم بغداد إلغاء جميع الاشخاص الذين يتقاضون رواتبهم عدة مرات بطرق غير قانونية.

مساعي العراق لزيادة الانضباط المالي

قام ماهر حماد نائب وزير التخطيط العراقي مؤخرا بالكشف عن تفاصيل نظام الرقم الشخصي الذي سيمنع الموظفين من قبض أكثر من راتب واحد. وبموجب هذه الآلية الخطة، تعمل وزارة التخطيط العراقية ومنظمة الإحصاء الوطنية على إنشاء نظام رقم شخصي للأفراد. وبالطبع في الوضع الراهن في اقليم كردستان العراق لم يتم تضمينه في هذه الخطة، ووفق حماد، إذا كانت أربيل تريد تفاعلاً شفافاً مع الحكومة المركزية فعليها أن تعلن قرارها بالانضمام لهذا النظام.

وفقًا لهذا النظام، سيكون لجميع الموظفين والمتقاعدين والعاملين بعقود أو عمال المياومة أو الشركات التابعة لهذه الوزارة رقم شخصي سيتم ربطه بمخرجات الرواتب في وزارة الاقتصاد. بعد ذلك سيتم ربط المعلومات بالشبكة وسيكون لكل موظف حكومي بطاقة هوية تتضمن رقم الموظفين والتسلسل الهرمي التنظيمي والوظيفة التنظيمية والراتب وغيرها من المعلومات، وهذا النظام سيمنع دفع أكثر من راتب للموظفين.

وفي غضون ذلك، يمكن تنظيم الرواتب وزيادة الانضباط المالي في سياق الأزمة الاقتصادية في العراق بطرق مختلفة لأسباب مثل:

ارتفاع عدد متقاضي الرواتب وعدم قدرة الحكومة على دفع الأجور

لا شك أن أهم قوة دافعة وراء إنشاء نظام ذكي لارقام الموظفين الوطنية في العراق يمكن تقييمها على أنها عدم قدرة الحكومة على تمويل دفع الرواتب. وكان لانخفاض أسعار النفط العالمية وانتشار وباء كورونا دور كبير في خلق مثل هذا الوضع.

في الواقع، يبلغ عدد سكان العراق 39 مليون نسمة، ويبلغ عدد موظفي الحكومة الذين يتقاضون رواتباً حوالي 4 ملايين موظف حكومي، منهم مليون و852 الف موظفا والباقي من القوات والدفاع العراقية. ويشار إلى أن بغداد تحتاج إلى 118 مليون دولار يوميا لدفع رواتب موظفي الحكومة، ما يعني أن الحكومة المركزية يجب أن يكون لديها أكثر من 3.5 مليارات دولار من الموارد الوطنية في الشهر الواحد. لكن بعد أزمة كورونا وهبوط أسعار النفط العالمية، واجهت الحكومة مشاكل جسيمة في الحصول على التمويل اللازم، وهو ما دفع البرلمان والحكومة عام 2021 لاتخاذ مثل هذا القرار.

وفي هذا الصدد، نرى أن حكومة مصطفى الكاظمي لجأت إلى خطة لخفض سعر الدينار مقابل الدولار لتعويض عجز موازنة عام 2021. في الواقع، في السنوات السابقة، تم تحديد سعر كل دولار أمريكي في حدود 1190 إلى 1250 دينارا عراقيا، ولكن الآن وفقا لخطة الحكومة سيرتفع سعر كل دولار إلى 1450 دينارا للتمكن من دفع رواتب الموظفين بالدينار. وبتعبير أدق، إذا تم دفع مليون دينار للموظف العراقي مقابل 1200 دينار، فإنه سيحصل على ما يعادل 840 دولاراً، ولكن في الوضع الجديد حيث انخفض سعر الدينار بنسبة 16 إلى 17 في المئة، فسيصل الراتب الشهري للشخص نحو 600 دولار.

اعتماد اقتصاد العراق بالكامل على عائدات النفط

على صعيد آخر، فإن إحدى النقاط البارزة هي اعتماد الحكومة العراقية المفرط على عائدات النفط. حيث يأتي حوالي 90٪ من إيرادات البلاد من مبيعات النفط، لذلك في مواجهة تقلبات سوق النفط، تتأثر الحكومة على الفور بانخفاض مصادر الإيرادات. لذلك، يبدو أن خطة إنشاء نظام ذكي لأرقام الموظفين الوطنية هي ضرورة لا يمكن إنكارها لتنظيم الإنفاق الحكومي في ظل ركود سوق النفط العالمية.

تلقي معاشات غير قانونية من الحكومة

هناك قضية أخرى يمكن الإشارة إليها بالفساد المستشري في العراق وهي تتعلق بتلقي رواتب غير قانونية من الحكومة. في السنوات التي تلت عام 2003، استخدم العديد من الأفراد نفوذهم واستغلوا الثغرات القانونية القائمة للمطالبة بعدة رواتب باسمهم وباسم الأفراد، ما أدى بالحكومة إلى أزمة المدفوعات الزائدة. فعلى سبيل المثال ثمة مليون شخص غير عراقي يتلقون معاشات تقاعدية من حكومة بغداد. والحقيقة أن العراق يتمتع بأعلى مستويات التوظيف في المنطقة مقارنة بعدد سكانها، وهذا يظهر بشكل أكبر ضرورة خطة الحكومة الجديدة.

عدم ثقة الناس في الخدمات المصرفية في العراق

يمكن تقييم ضرورة أخرى لتصميم نظام الرقم الشخصي الذكي فيما يتعلق بانتقال العراق إلى نظام مصرفي ذكي وبناء ثقة الناس في النظام المصرفي. يوجد حالياً 81 مصرفاً عاملاً في العراق وإقليم كردستان، وعلى الرغم من كثرة البنوك ووجود بنوك دولية من دول مختلفة في العراق وإقليم كردستان، إلا أن شعب هذا البلد لا يثق كثيراً في النظام المصرفي حيث لا يقوم الاشخاص بفتح حسابات واستلام بطاقات مصرفية. لذلك فإن النقد منتشر جداً في العراق، ويفضل الناس حمل النقود (حتى المبالغ الكبيرة) معهم، وبالطبع هذا خلق مشاكل لهم.

وفي ظل الوضع الحالي، تؤكد حكومة الكاظمي على إنشاء وتنفيذ حكومة رقمية من أجل منع الفساد وزيادة الشفافية، ووضع شبكة المدفوعات الوطنية على أجندة الحكومة العراقية والبنك المركزي. وفي هذا الصدد، يعد نظام الأرقام الشخصية الذكي أحد المشاريع التي يمكن أن تدفع متقاضي الاجور في العراق للجوء الى النظام المصرفي الذكي وحل العديد من مشاكل دفع الرواتب.
المصدر / الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق