التحديث الاخير بتاريخ|الجمعة, نوفمبر 8, 2024

هل تكرر أنقرة تجربتها في ليبيا وناغورنو كاراباخ في جنوب اليمن؟ 

سعت الحكومة التركية، في الأيام الأخيرة، إلى إرسال المئات من عناصر الجماعات الإرهابية التي تدعمها من المناطق المحتلة شمال غرب سوريا (محافظة إدلب) إلى اليمن (على أطراف مدينة مأرب) لإنقاذ حزب الإصلاح (الفرع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن) وهذه القضية تصدرت عناوين الصحف خلال الأيام الماضية. ووفق المعلومات التي تم الحصول عليها، فقد قامت الحكومة التركية بالتنسيق مع كبار القادة الميدانيين للجماعات الإرهابية التابعين للجيش الحر وجبهة النصرة وذلك من أجل تجهيز ما لا يقل عن 300 إرهابي لنقلهم إلى خطوط القتال في محافظة مارب اليمنية. وعلى الرغم من تزايد التحركات التركية الأخيرة لمساعدة حزب الإصلاح اليمني وذلك من أجل منع أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية من دخول مدينة مأرب، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن أنقرة تحاول منذ أشهر أن يكون لها وجود ميداني في اليمن بالتعاون مع القطريين، تمهيدًا لإحداث تغيير سياسي في هذا البلد الفقير.

وفي العام الماضي خسر حزب الإصلاح اليمني أجزاء كبيرة من الأراضي المحتلة في صنعاء (الجبهة التاسعة) والجوف (مدينة الحزم عاصمة المحافظة) ومحافظة مأرب (المناطق الغربية والجنوبية)، وإذا إنسحب من مدينة مأرب خلال الأيام القادمة، فسيخسر الأرض، والمعركة والسياسة، وسوف يصبح وجوده الفعلي محصور في مدينة تعز، ولهذا طلب المساعدة من تركيا. وتعتبر تعز هي إحدى المراكز الثقافية في اليمن وعاصمة الإخوان المسلمين في اليمن، والفصيل اليمني من حزب الإصلاح، الذي تولى السلطة في هذه المدينة، على اتصال بالحكومة التركية والإخوان المسلمين في عدد من الدول العربية والاسلامية منذ عقود، و هذه الجذور التاريخية، يمكنها مساعدتنا على الإجابة عن أسئلة حول سبب وجود تركيا وتأثيرها في اليمن. لقد استطاع حزب الإصلاح اليمني، المقرب أيضًا من القطريين، من السيطرة الكاملة على مدينة تعز بعد ثورة 2011 وتمّكن خلال تلك الفترة من تشكيل جماعات متشددة، وفي أبريل 2015 تمّكن من الدخول إلى معسكر الرياض والمشاركة في تحالف العدوان السعودي الإماراتي.. وأرسل الكثير من القوات من تعز إلى خطوط المواجهة للاشتباك مع قوات “أنصار الله” اليمنية.


ولقد استمر التعاون بين حزب الإصلاح وتحالف العدوان السعودي الإماراتي حتى صيف عام 2019، رغم خلافات عام 2017 (حصار السعودية لقطر)، لكن بعد أحداث عدن وانتقال السلطة إلى جنوب اليمن بموجب اتفاق. الرياض.. أحس الإخوان المسلمون بالخطر تماما. حيث أدرك قادة حزب الإصلاح اليمني أن السعوديين لا يستطيعون دعمهم وأنهم ليسوا جديرين بالثقة، ومن أجل منع تكرار سيناريو الانقلاب ضد الإخوان في مصر، قاموا بتغيير استراتيجيتهم تدريجياً واقتربوا من حكومة “أردوغان” الإخوانية وأقاموا علاقات واسعة مع أنقرة. ويأمل الإخوان المسلمين في اليمن مع وصول تركيا إلى اليمن أن تتغير التطورات الميدانية، وإضافة إلى الحفاظ على مدينة مأرب، سيكونون قادرين على تثبيت موقعهم في تعز وتمهيد الطريق لصد القوات المدعومة إماراتياً، وخاصة في ميناء المخا الاستراتيجي في الجنوب الغربي وصولاً إلى المياه المفتوحة (ساحل البحر الأحمر).

حيث كشفت العديد من التقارير الاخبارية، أن القوات المدعومة من الإمارات (قوات طارق صالح القائد السابق للحرس الرئاسي وابن شقيق على عبد الله صالح) استولت على ميناء المخا جنوب غرب تعز بعد فشل الانقلاب الذي حدث في عام 2017 وتمكنت من التقدم إلى أطراف ميناء الحديدة. وحاليا، تسيطر قوات المجلس الانتقالي (المدعومة من الإمارات) على المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية (ميناء المخا على شواطئ البحر الأحمر) ومقاتلي “أنصار الله” أيضا على المناطق الشمالية من تعز، وحزب الإصلاح اليمني أصبح شبه محاصر في مدينة تعز. ولطالما عارض القادة الإماراتيون صعود الإخوان المسلمين في العالم العربي ولهذا فقد لعبوا دوراً خاصاً في الإطاحة بحكومة الإخوان في مصر، وعزل الرئيس المصري الإخواني السابق “محمد مرسي” من السلطة. كما أن القادة الإمارتيين يدركون جيدًا أنه إذا دخلت تركيا إلى اليمن فإن التطورات على الأرض ستتغير في جنوب وجنوب غرب اليمن وسوف يصبح وضع القوات الموالية لها في خطر جسيم.

ولهذا لا يريد النظام الإماراتي تكرار ما حدث في ليبيا (التدخل العسكري التركي والإبقاء على حكومة الإخوان وانسحاب قوات الجنرال حفتر) في اليمن، وبالتالي بذل قصارى جهده لتغيير موازين القوى في اليمن، وخاصة في محافظة تعز. وهنا لا ينبغي أن ننسى أن خوف الإمارات لا يقتصر على فقدان المناطق الجنوبية والجنوبية الغربية من اليمن، وإذا دخلت تركيا في الصراع واستولى حزب الإصلاح اليمني على ميناء مخا، فإن مصالحها في البحر الأحمر وشرق أفريقيا ستكون مهددة مرة أخرى. ووفقاً للعديد من التقارير الاخبارية، فإن التركيز والأولوية لحكومة “أردوغان” الإخوانية وحزب الإصلاح في اليمن في الوقت الحالي هي مدينة مأرب، لكن علينا أن ننتظر ونرى في المستقبل القريب كيف سيكون الخط الفاصل بين الحكومة التركية والنظام الإماراتي جنوب اليمن .. بلا شك ستصبح مدينة تعز مركز تنسيق بين أنقرة والدوحة وحزب الإصلاح اليمني لتكرار المشروع الليبي، وفي المقابل يجب علينا أن ننتظر ونرى كيف سيكون رد فعل الإمارات وكيف سيكون موقف المعارضين للإسلام السياسي في اليمن.

الجدير بالذكر، أنه منذ بداية العدوان السعودي الإماراتي على أبناء الشعب اليمني قبل خمس سنوات ونيف، بذلت تركيا الكثير من الجهود للدخول على خطّ الأزمة من بوابة عدن، والزعم بحرصها على مصالح الشعب اليمني، لكن العديد من دول المنطقة ترى أن تركيا تعمل على تنوّع في أساليبها ومساعيها للتوغل في اليمن، تحت غطاء تقديم المساعدات الإنسانية، والسلال الغذائية للفقراء والمحتاجين. وتزعم تركيا أنها تريد الدخول إلى اليمن من أجل مساعدة الشعب اليمني والوقوف إلى جانبه في محنته جراء ظروف الحرب التي يعيشها منذ أكثر من خمسة أعوام، والتي تسببت في تشريد الملايين من منازلهم وارتفاع المجاعة بشكل غير مسبوق. وقبل عدة أيام كشفت العديد من وسائل الاعلام الغربية والعربية أن أنقرة تحاول اللعب بورقة جديدة يبدو أنها تسعى بها إلى صب الزيت على نار الحرب المتأججة أصلا في اليمن، وإنقاذ جبهة الإخوان والعناصر الإرهابية، من خسائر تكبدتها في محاور القتال مع أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية، وذلك عبر نقل الإرهابيين الذين يقاتلون معها في سوريا ،يرى مراقبون أنه لم يعد سرا تزايد حجم الدعم التركي لحزب التجمع اليمني للإصلاح في اليمن، إذ زادت أنقرة من وتيرة تهريب الأسلحة والأموال إلى الإخوان في الفترة الأخيرة. كما كثفت من إرسال عناصر الاستخبارات التركية إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة الإصلاح، وتدريب مئات من عناصر الجماعة داخل أراضيها، وسط تزايد حجم الخطاب الإعلامي الداعم للجماعة من خلال القنوات الإخوانية التي تبث من إسطنبول.

وفي الختام يمكن القول إن تبعات تورط تركيا في ملف اليمن كبيرة جداً في حد ذاتها، وهذا سيؤدي إلى مواجهة أكثر خطورة بين محور الإخوان في المنطقة والمحور السعودي الإماراتي المصري، وهذا سيزيد من حساسية مصر والسعودية والإمارات فيما يتعلق بتحركات تركيا، التي يشار إليها باسم التحركات التي تهدف إلى تقويض الأمن العربي. وفي هذا السياق، سيكون لتدخل تركيا الأكثر جدية في الأزمة اليمنية مع قطر، تأثير كبير بلا شك على علاقات قطر مع الدول المحاصرة، إضافة إلى التأثير وتعقيد معادلات القضايا الأخرى، بما في ذلك الملف الليبي.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق