صفعة قويّة للإمارات.. المقاطعة الثقافيّة تصل إلى أوجها
عقب قيام العديد من المثقفين والمبدعين والأدباء والأديبات العرب باتخاذ مواقف مشرفة عديدة مناهضة للتطبيع ورافضة لخيانة النظام الإماراتي لقضية فلسطين وشعوب المنطقة العربية، من خلال التعهّد بمقاطعة كافة الأنشطة والفعاليات التي يموّلها النظام الإماراتي الاستبداديّ أو أيّ من مؤسساته الرسميّة، وسحب المشاركات من جوائز عديدة ترعاها أبو ظبي، منها الجائزة العالميّة للرواية العربيّة، وجائزة الشيخ زايد وغيرها، كشف موقع “شبيغل أونلاين” أنّ الفيلسوف الألمانيّ، يورغن هابرماس، رفض الحصول على جائزة الشيخ زايد للكتاب والتي تُقدر قيمتها بربع مليون يورو، موضحاً أنّه تراجع عن قراره الخاطئ في قبول التكريم وقام بتصحيحه.
صفعة قويّة وجهّها الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس للنظام الإماراتيّ، من خلال رفضه الحصول على “جائزة الشيخ زايد للكتاب” في فئة “شخصية العام الثقافيّة”، حيث ظلّ الفيلسوف مخلصاً لقيم فكره التنويريّ، رافضاً وبكل شجاعة الجائزة التي تُمنح لشخصية اعتباريّة أو طبيعيّة بارزة، على المستوى العربيّ أو الدوليّ، بما تتميز به من إسهام واضح في إثراء الثقافة العربيّة إبداعاً أو فكراً، على أن تتجسَّد في أعمالها أو نشاطاتها قيم الأصالة، والتسامح، والتعايش السِّلمي.
وقد برر الفيلسوف البالغ من العمر 91 عاماً ذلك الرفض، بسبب عدم إدراكه الكافي في البداية حجم الصلة الوثيقة جداً بين المؤسسة التي تمنح هذه الجوائز في أبو ظبي والنظام السياسي القائم هناك، والذي يقوم على انعدام الحرية القمع والمنهجيّ للمطالبين بالديمقراطيّة، فيما ينتهي الأمر بالمعرضين بسهولة في السجن، مع غياب انتخابات جديرة بهذا الاسم، في الوقت الذي تعيش فيه النخبة الحاكمة في عالم من الامتيازات والحقوق الخاصة، بحسب وصف موقع شبيغل الذي استعرض في وقت سابق انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات اعتمادا على تصنيف منظمة “فريدوم هاوس” الحقوقيّة، حيث حصلت على تصنيف 17 نقطة فقط من أصل 100.
ويُعد هابرماس أحد أهم الفلاسفة وعلماء الاجتماع والسياسة المعاصرين في ألمانيا والعالم، وأحد أهم منظري مدرسة “فرانكفورت النقدية” وله ما يزيد عن خمسين مؤلفاً في الفلسفة وعلم الاجتماع وهو صاحب نظرية الفعل التواصليّ، وقد أشار إلى أنّه كان مرتاباً واطلع على المؤسسة والفائزين بالجائزة قبل قبوله الجائزة، مضيفاً إنّ معظم المعلومات التي تلقاها بخصوص الجائزة حصل عليها من مدير معرض فرانكفورت للكتاب وعضو اللجنة العلميّة لجائزة الشيخ زايد، يورغن بوس.
يُذكر أنّ الجهة المنظمة والمشرفة على “جائزة الشيخ زايد للكتاب” أعربت عن أسفها لتراجع هابرماس عن قبول الجائزة، وعبّر المشرفون على الجائزة في بيان مقتضب عن أسفهم لتراجع الفيلسوف الألمانيّ عن قبوله المسبق للجائزة، مدعين احترامهم قراره، مضيفين إنّ جائزة الشيخ زايد للكتاب تجسد قيم التسامح والمعرفة والإبداع وبناء الجسور بين الثقافات، وستواصل أداء هذه الرسالة، بحسب مزاعمهم.
وما ينبغي ذكره أنّ العديد من الفائزين السابقين ورؤساء وأعضاء لجان التحكيم وأعضاء مجلس أمناء سابقين في الجائزة العالمية للرواية العربية “بوكر”، والتي بادرت لها مجموعة من الكتّاب والمبدعين العرب لتكون معلماً من معالم الثقافة العربيّة العالميّة، وعلى إثر توقيع الاتفاق بين نظام دولة الإمارات والعدوّ الصهيونيّ، أعلنوا عن مقاطعة تلك الجائزة على إثر تمويلها من جهات رسميّة إماراتية مثل دائرة الثقافة والسياحة في أبو ظبي، ومعرض أبو ظبي للكتاب، فيما شهدت العديد من الفعاليات والمؤسسات الثقافيّة في الإمارات ومن ضمنها جائزة “الشيخ زايد للكتاب” المعنية بالثقافة والتراث، وجائزة “البوكر العربيّة” المعنية بالأدب العربيّ، ومسابقة “تحدي القراءة العربية” وغيرها، شهدت انسحابات متتالية من لجان التحكيم ومن بعض الأدباء الّذين أعلنوا التراجع عن ترشيح أعمالهم أو مشاركتهم تنديداً بخيانة الإمارات ونصرة لفلسطين وشعبها عقب ارتكاب الإمارات جريمة التطبيع مع العدو الصهيونيّ.
وفي وقت سابق، جددت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية للكيان الصهيونيّ (PACBI) دعوتها كافة المثقفين والأدباء العرب للالتزام بنداء المجتمع المدنيّ، الذي شمل أحزابًا ونقابات وأطر عربيّة وفلسطينية، والذي دعا إلى مقاطعة كل المحافل والأنشطة التي يرعاها النظام الإماراتيّ العميل، ومقاطعة الشركات والبنوك الإماراتيّة أو العربيّة أو الدوليّة التي يثبت تورطها في تنفيذ بنود اتفاق العار بين أبو ظبي وتل أبيب.
في الختام، من الطبيعيّ جداً ألا يختم فيلسوف عالميّ كيورغن هابرماس حياته بجائزة من حكام الإمارات الذين يتسمون باستبدادهم الشديد بحق شعبهم لِلَجم أيّ محاولة لإظهار أدنى معارضة، وهذا الموضوع لا ينجو منه حتى أفراد العائلة الحاكمة في حال أرادوا الخروج عن النهج المسموح به في البلاد.
المصدر/ الوقت