اقتراب نهاية الحلم التركي بالانضمام للاتحاد الاوروبي ومطالبه الصارمة
في الأشهر الأخيرة، كما في العقود الأخيرة، أصبح موقف تركيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مرة أخرى قضية مهمة لوسائل الإعلام والمراقبين السياسيين. لا شك في أن الاتجاه الجديد يأتي في أعقاب جهود أردوغان “لفتح صفحة جديدة” في العلاقات التركية الأوروبية والمتأثر بالتراجع الشامل للنهج الدبلوماسي التركي على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وفي هذا الصدد في شهري فبراير وأبريل من هذا العام، عقد صندوق مارشال الألماني ندوات عبر الإنترنت بعنوان “بحثًا عن خطة إيجابية” و “نحو أجندة إيجابية” في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، والتي اظهرت جهود أنقرة لتمهيد الطريق أمام الاتحاد الأوروبي لعضويتها فيه. وعلى عكس هذا الهدف، فإن التطورات الأخيرة، ولا سيما في حالة اجتماع رئيس المفوضية الأوروبية مع رئيس تركيا، أظهرت بوضوح أن نهج البرلمان الأوروبي هو التخلي عن الأجندة الإيجابية كسياسة لتهدئة التوترات بين تركيا وأوروبا.
فشل أردوغان في النظر إلى الشرق والعودة إلى أوروبا
إن رؤية أردوغان الجديدة وخطته لتمهيد الطريق لدخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي هي حتماً نتيجة الضغط الغربي على سياسة أنقرة في التطلع إلى الشرق، فضلاً عن فشل سياسات أردوغان الإقليمية على مدى السنوات القليلة الماضية. على مدى السنوات القليلة الماضية، تحركت تركيا في الاتجاه المعاكس لتحالف أنقرة التقليدي مع الغرب، وخاصة امريكا وأوروبا، متبعة استراتيجية التقرب من الشرق، بما في ذلك روسيا والصين، والتدخل النشط في غرب آسيا ودول البحر الأبيض المتوسط لكن امريكا وأوروبا مارستا ضغوطًا شديدة على تركيا من أجل إعادة أنقرة من موقعها باللجوء إلى العقوبات والضغط الدبلوماسي والتهديدات السياسية.
وعلى المستوى الإقليمي، بعد عدة سنوات من هذا النهج، نرى أنه من الناحية العملية، تحت قيادة أردوغان، لم تحقق تركيا اي إنجاز دائم في العديد من المجالات، وظهور جو بايدن كرئيس لامريكا، الذي يعارض بشكل أساسي أردوغان، ما ضغط على أنقرة أكثر من أي وقت مضى. والان يبذل أردوغان الآن قصارى جهده لإدارة الوضع الجديد في النظام الدولي، واعتماد استراتيجية توثيق العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ونزع فتيل التوترات مع امريكا في عهد جو بايدن. وحتى في تصريحاته الأخيرة، انتقد الاتحاد الأوروبي لعدم وفائه بوعده بضم تركيا اليه.
وفي بيان بمناسبة يوم أوروبا في 9 مايو 2021، اتهم أردوغان الاتحاد الأوروبي بـ “العمى الاستراتيجي” والفشل في الوفاء بوعوده بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، مؤكدا أن موقف أنقرة من تحقيق الهدف الاستراتيجي لعضويتها في الاتحاد الأوروبي ثابت. حتى ان أردوغان ادعي في بيانه أن عضوية تركيا تمهد الطريق لظهور أوروبا النشطة إقليميا وعالميا وتعطي الأمل للعالم كله، وكذلك لمواطنيها، ولكن على عكس أردوغان والحكومة التركية، يبدو ان الاتحاد الأوروبي يتخذ نهجا مختلفا تماما بالنسبة لهم.
أزمة الكرسي ومطالب الاتحاد الأوروبي القصوى
عند مناقشة سبب اتباع الاتحاد الأوروبي نهجا مختلفا ومعارضته لعضوية تركيا في الوضع الحالي وإغلاق حالة “البرنامج الإيجابي”، يمكننا أن نذكر حالة “sofagate” كمحفز رئيسي لها. تقول القصة أن اجتماع أردوغان في 6 نيسان مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان دير لاين – أهم هيئة تنفيذية في الاتحاد الأوروبي والمسؤولة عن تخصيص الأموال والأوراق المالية الأخرى لأعضاء الاتحاد الأوروبي -وهي مسؤولة عن الأمر بإجراء انتخابات جديدة، وطرد الأعضاء، ووضع جدول أعمال المفوضية، والإعلان عن جميع قوانين الاتحاد الأوروبي التي تم تمريرها في البرلمان الأوروبي- حيث تم في هذا الاجتماع تخصيص كرسيين فقط لرئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل مقعدين وأردوغان. واضطرت فان دير لاين للجلوس على أريكة مجاورة لهما امام مولود جاويش اوغلو والذين لا يتساوون دبلوماسيا مع بعضهم البعض.
وتسببت هذه الحادثة في جدل كبير بين وسائل الإعلام والمراقبين السياسيين وأصبحت تعرف على مواقع التواصل الاجتماعي باسم “السوفاجيت”. ووصف العديد من المراقبين السياسيين، وبطبيعة الحال، المفوضية الأوروبية، تصرف أردوغان بأنه إهانة لرئيس المفوضية ورمز لكراهية أردوغان للنساء. وعلى وجه الخصوص، وقع الحادث بعد أقل من شهر من انسحاب تركيا الرسمي من “اتفاقية القضاء على العنف ضد المرأة” المعروفة باسم “اتفاقية اسطنبول”، واعتبرها البعض نظرة غير متكافئة للمسؤولين الأتراك تجاه النساء وحقوقهم في المجتمع. والان فإن نطاق الاهتمام بهذه القضية كبير للغاية لدرجة أن البروفيسور جنكيز أكتار، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سليمان شاه في اسطنبول، قد استشهد بها كعامل رئيسي في إنهاء العملية الإيجابية لعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.
تركيز الاتحاد الأوروبي على قضايا حقوق الإنسان داخل تركيا
بعد حادثة صوفا جيت وعلى عكس آمال أردوغان في الممارسة العملية، نرى أن الاتحاد الأوروبي، وخاصة ألمانيا، يعارضان انضمام تركيا إلى الاتحاد. وفي هذا الصدد، دعت لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي تركيا مؤخرا إلى إعادة تقييم التزامها وإثبات صدقها. وخلصت لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي في تقريرها الأخير إلى أن افتقار تركيا إلى التقدم في الامتثال للمعايير والقيم الأوروبية والذي أصبح بمثابة نكسة كاملة تراجعت بشدة في المجالات الثلاثة الرئيسية لسيادة القانون والإصلاح المؤسسي والسياسة الخارجية.
في الواقع، من وجهة نظر مسؤولي الاتحاد الأوروبي، حيث لا توجد ديمقراطية، وحرية تكوين الجمعيات ، وحرية التعبير، وحماية الأقليات من التمييز وسيادة القانون في تركيا، فإن عضوية انقرة في الاتحاد الأوروبي ليست مستحيلة فحسب، بل تساعد أيضا على إضعاف الاتحاد الاوروبي. والأسوأ من ذلك بالنسبة لأردوغان هو أنه إذا وصل حزب الخضر إلى السلطة في ألمانيا، فسيتم التخلي عن سياسة الاسترضاء التي تنتهجها المستشارة الحالية أنجيلا ميركل وسيكون هناك المزيد من التركيز على قضايا مثل حقوق الإنسان وسيادة القانون والحد من التسلح وحقوق المرأة. وستكون النتيجة نهاية حلم تركيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
المصدر / الوقت