73 مليون دولار للتغطية على جرائم السعودية.. إلى أين سيصل الابتزاز الأمريكيّ
مع تصاعد الأعمال الإجراميّة التي يرتكبها ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، بحق شعبه، وفي ظل محاولاته الحثيثة لتلميع صورته في مراكز صنع القرار بالولايات المتحدة، كشفت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي “DAWN” في تقرير لها، أنّ حوالي 20 شركة أمريكية جمعت أكثر من 73 مليون دولار كرسوم لتمثيل المصالح السعودية، وذلك عقب بعد شهر واحد فقط من المعلومات التي كشفها موقع “DES MOINES” الأمريكيّ حول إبرام عقد بين ابن سلمان الحاكم الفعليّ للسعودية وشركة “LS2 Group” للعلاقات العامة بمليون دولار شهرياً، سبقها محاولات سابقة لتلميع سجل السعودية “المُشين” في حقوق الإنسان، والتي أنفقت مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمدتها كاستراتيجيّة مقصودة لحرف الأنظار عن جرائمها المتفشيّة وتخفيف سخط المجتمع الدوليّ.
وفي هذا الخصوص، أظهرت ملفات لدى وزارة العدل الأمريكيّة أن شركة “كورفيس” جمعت أكثر من 28 مليون دولار من السعوديين منذ مقتل الصحافيّ جمال خاشقجي، وقال رئيس الشركة، مايكل بتروزيلو، أنّه تلقى مبلغ 18.8 مليون دولار من السعوديين بعد ستة أشهر من وفاة خاشقجي، مقابل العمل على مدى عدة سنوات خلت حيث دفعت بالكامل مؤخرًا، لكن منذ ذلك الحين، جمعت الشركة 9 ملايين دولار أخرى للعمل لمصلحة السعوديين، كما أن لديها عقدًاً للقيام بعمل لهيئة حقوق الإنسان في المملكة والتي تحمل اسم “تناقض متناقض”، رغم أنّ شركة الضغط الرئيسية في المملكة، كورفيس، قالت في بيان سابق عند اختفاء خاشقجي: “إننا نأخذ الوضع على محمل الجد” و “ننتظر حتى تصبح جميع الحقائق معروفة”.
والمثير في الأمر، أن بعض شركات الضغط الأمريكية تنتج مواداً متعددة في العمل الإنسانيّ للسعوديين في اليمن، مثل مذكرة من شريك هوجان لوفيلز لموظفي “الكابيتول هيل” الذي ترعاه السعودية حول ما يسمى “حماية أرواح الأبرياء في اليمن” حول كيف تقود المملكة السعودية الجهود الإقليمية المتعلقة بالجهود الحاليّة، ووقف إطلاق النار والتخفيف من حدة فيروس كورونا في اليمن، وطائرة من شركة Brownstein Hyatt Farber Schreck لحضور مؤتمر الكابيتول هيل للقضاء على الألغام الأرضيّة، رغم أنّ كل المعاناة التي يعيشها اليمنيون هي بسبب عدوان النظام السعوديّ، الذي أودى بحياة 233 ألف شخص على الأقل نتيجة للدور السعوديّ القذر الذي تسبب بجرائم يندى لها الجبين، شملت الأطفال والنساء والشيوخ، وأدت لكوارث يندى لها جبين الإنسانيّة إضافة إلى تجاوزات خطيرة للقوانين الدوليّة، ما تسبب بأكبر كارثة إنسانيّة وفق منظمات دوليّة.
ويستمر دعم بعض الشركات الأمريكيّة لمحمد بن سلمان، رغم الإفراج عن التقرير السريّ للاستخبارات الأمريكية، حول اغتيال الصحافيّ السعوديّ المعروف، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاه بإسطنبول عام 2018، وقيام واشنطن قبل أشهر بتأكيد أنّ ولي العهد السعودي، أجاز عملية اغتيال خاشقجي التي أصبحت قضية رأي عام دوليّ بعد أن مَنعت إدارة ترامب نشر ذلك لسنوات، وقد كشف التقرير اللثام عن حقيقة النظام الحاكم في بلاد الحرمين.
ورغم هذا الدعم المتواصل، فإنّ محاولات محمد بن سلمان للتغطية على منهجه الدمويّ، عادة ما تأخذ نتيجة عكسيّة، ويتم التركيز أكثر فأكثر على استبداده وقراراته الصبيانيّة والمتهورة، حيث يقوم ولي العهد بتلك الاستراتيجيّة لتلميع انتهاكاته في مجال حقوق الإنسان، والتغطيّة على الصورة الحقيقيّة التي طبعها في الأذهان الدوليّة وبالأخص في مراكز صنع القرارات الأمريكيّة حاليّاً، لخلق “صورة إيجابيّة” للمملكة على الصعيد الدوليّ أو الأمريكيّ، بعد الفضائح الكبيرة التي وثقت المنهج الدمويّ الذي يتبعه للبقاء في سدة الحكم.
وتتحدث تقارير إعلاميّة أنّ العقود المبرمة مع الشركات الأمريكيّة تشمل تحسين صورة ولي العهد السعودي، وإظهار تقدم المملكة في جانب حقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة، لأنّ الرياض خسرت أواخر العام المنصرم فرصة مهمة للحصول على العضوية في مجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة، بسبب الرفض الدوليّ الذي يستند على السجل الدمويّ للرياض وانتهاكاتها في هذا المجال، في حادثة تلت انتكاسات كثيرة للسعوديّة وجهودها الرامية لإخفاء الجرائم التي يرتكبها حكامها.
ولا يقتصر دور تلك الشركات على الدعاية فحسب، إنما يقوم بعضها بحملة علاقات عامة مع أعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس لمنع تشريع قوانين تستهدف فرض عقوبات على المملكة، بعد أن تفوقت على جيرانها واحتلت المرتبة الأولى في القمع والاستبداد، بحسب نتائج المسح الذي أجراه مركز “البيت الخليجيّ للدراسات والنشر” كأول إصدار بحثيّ متخصص بقياس درجة “المشاركة السياسيّة” بدول الخليج قبل مدة، والذي صنف السعودية كمملكة للقمع والحكم الاستبداديّ، حيث حلت مملكة آل سعود في المرتبة الأخيرة على مستوى دول الخليج في مؤشر المشاركة السياسيّة في ظل حظر التنظيمات السياسيّة والحريات العامة، ما أضاف إدانة أخرى للنظام المشهور باستبداده الشديد.
ويعتقد محللون، أنّه ليس من السهل إقناع صانعي القرار في أمريكا، لكنهم يستخدمون تلك الورقة لاستنزافها أكثر فأكثر، حيث تواجه الرياض الكثير من المشاكل الدوليّة الكبيرة بينها قضية سجناء الرأيّ والمدافعات عن حقوق الإنسان في البلاد، والحرب على اليمن ومسألة المصير المريع للمهاجرين الإثيوبيين والناشطين والمدونين السعوديين المحتجزين في سجون النظام السعوديّ، إضافة إلى قضية الاحتجاز التعسفيّ من خلال قيام سلطات بن سلمان بتنفيذ حملات كبيرة من الاعتقالات التعسفيّة بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، بالإضافة إلى المنافسين من العائلة الحاكمة.
يُذكر أنّ المحاولة السعوديّة الوحيدة لتخفيف الضغوطات على البلاد من جانب الولايات المتحدة، جاءت من خلال إصدار حكم على الناشطة السعوديّة المعروفة، لجين الهذلول، والذي يتضمن سجنها لفترة طويلة، لكن يسمح بخروجها، وصدر هذا القرار مع دخول الرئيس الأمريكيّ الجديد إلى البيت الأبيض، والذي ادعى في السابق بفتح ملف حقوق الإنسان في المملكة، لكن السلطات السعودية رغم إفراجها عن الهذلول ستُبقِيها بعُهدتها، ولن تسمح لها بالسفر إلى الخارج، في الوقت الذي تتحدث فيه الناشطة السعوديّة وفق ما ينقل أشقاؤها، عن تعذيب، وتحرّش، وتهديد، طالها وهي تقبع خلف الزنازين.
ومن الجدير بالذكر أنّ المنظمات الدوليّة المعنيّة بحقوق الإنسان، لم تترك كلمة تنديد إلا واستخدمتها في بياناتها المتعلقة بحقوق الإنسان وحريّة الرأي والتعبير في مملكة آل سعود، ومع ذلك تصر سلطات البلاد على حربها في اليمن والاستمرار بنهج الاعتقالات التعسفيّة والانتهاكات ضد النشطاء المعارضين ودعاة الإصلاح، وقد ملّت المنظمات من كثرة انتقادها للسلوك القمعيّ ضد المواطنين، فيما يؤكّد ناشطون سعوديون أنّ الأوامر التي تتلقاها الأجهزة الأمنيّة تأتي بشكل مباشر من ولي العهد الذي يتجاهل الانتقادات المتكررة من قبل المنظمات الحقوقية المعروفة كـ “هيومن رايتس ووتش”، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمّم المتحدة.
وكانت منظمة “الديمقراطية الآن” للعالم العربي (DAWN)، شدّدت على أنّه من الضروري على الحكومات في جميع أنحاء العالم السعي إلى محاسبة ولي العهد السعودي، أمام المحاكم من خلال مقاضاته مع شركائه بموجب مبدأ “الولاية القضائيّة” العالمية، بسبب تورطه في جريمة قتل الصحافي، جمال خاشقجي، ودعت المجتمع الدولي إلى إنهاء بيع الأسلحة للسعودية، وأوضحت المنظمة، التي يقع مقرها في الولايات المتحدة، أنّه يجب على جميع الدول التي تلتزم باحترام سيادة القانون، أن تقوم بدورها لتحقيق العدالة في هذا الشأن.
خلاصة القول، كلما ارتفعت حدة تصفية واقتلاع جذور المعارضة السعودية، حفاظاً على عرشه محمد بن سلمان المتهالك، ستصبح فاتورة الرياض المدفوعة لواشنطن -عبر شركاتها- أكبر، وهذا هو السبب الرئيس الذي دفع ولي العهد لتخطي كل المعايير الإنسانيّة عبر تقطيع معارضيه وتهديد أرواح عائلاتهم وأطفالهم داخل البلاد، لإجبارهم على الخضوع لسياساته الرعناء المتهورة.
المصدر / الوقت