الکيان الإسرائيلي تحت حصار النار
في 3 يوليو 2020 حدث انفجار في قاعة تجميع أجهزة الطرد المركزي بمنشأة نطنز النووية، وفي 28 نوفمبر 2020 اغتيل الشهيد فخري زاده العالم النووي والدفاعي الإيراني، وفي 10 أبريل 2020 عملية تخريب في محطة كهرباء نطنز واستهداف عدة سفن تجارية إيرانية في عرض البحر؛ إنها حالات من الحرب الاستخبارية والأمنية العلنية والسرية للکيان الصهيوني ضد إيران في الأشهر الأخيرة، ويمكن رؤية بصمات هذا الکيان فيها بوضوح؛ وقد تم ذكر هذه المسألة مرات عديدة من قبل المسؤولين الإيرانيين.
وفي مرحلة ما من عام 2020، وقبل فترة وجيزة من انتهاء رئاسة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، كان هناك دليل على وجود مؤامرة وحشد للقوات الإرهابية الأمريكية لاتخاذ إجراءات ضد إيران.
كما لعب الکيان الصهيوني دورًا ميدانيًا فاعلًا في الخطة التي صممتها الولايات المتحدة، ويمكن اعتبار قضية تطبيع العلاقات مع الدول العربية وإبراز وجود هذا الکيان في منطقة الخليج الفارسي دليلاً على ذلك.
وعلى الرغم من إحباط تحركات القوات الأمريكية في المنطقة بإجراء العديد من التدريبات العسكرية الكبيرة التي لم يسبق لها مثيل من قبل القوات المسلحة الإيرانية، لكن الکيان الصهيوني لا يزال يعتبر نفسه متفوقًا في المنطقة لأنه تمكن من تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية في المنطقة.
إن سلسلة الإجراءات المناهضة للأمن التي يقوم بها الکيان الصهيوني ضد جمهورية إيران الإسلامية، وتردُّد کلمات في الرأي العام مثل “الصبر الاستراتيجي” ضد هذه التصرفات من أجل الرد في الزمان والمكان المناسبين، أثار في بعض الأحيان تساؤلاً لدی الرأي العام مفاده کيف سيكون الرد الحاسم والمناسب على إجراءات واستفزازات الكيان الصهيوني هذه؟
المطالبة من السلطات الإيرانية والقوات المسلحة والجهات المسؤولة الأخرى بمواجهة جادة مع الکيان الصهيوني ورد كبير على إجراءاته المناهضة للأمن داخل إيران وخارجها، كانت موجودةً بين النشطاء وعامة الناس.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة بوضوح إلى عشرات الحملات التي حملت آلاف التوقيعات بشأن هذه القضية، والتي أشارت إلی إحدى خطابات اللواء حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري الإيراني، عندما قال: “إذا تعرض مواطن إيراني واحد بأدنی خطر؛ فإننا سنوجَّه ضربةً قاضيةً وحاسمةً علی الأعداء. هذا تهديد جاد؛ نحن لا نشن حرباً كلاميةً ونثبت كل شيء في الممارسة العملية. نحن نتحكم في جميع مصالح أعدائنا، ونسيطر علی كل شيء، والأعداء تحت مرمانا إذا لزم الأمر.”
تحدثنا عن سلسلة الإجراءات الإسرائيلية المناهضة للأمن؛ والآن من الأفضل النظر إلى الجانب الآخر من الميدان. أحداث الأيام القادمة ستثبت أن الهيمنة التي خلقها الكيان الصهيوني العام الماضي من خلال دفع ما يسمى بصفقة القرن مرتبطة بالماضي، وتوشك على الانهيار.
في 12 أبريل، أفادت الأنباء عن حدوث تخريب في محطة توليد الكهرباء في مجمع الشهيد “أحمدي روشن” للتخصيب(نطنز)، ونتيجةً لذلك خرج عدد من أجهزة الطرد المركزي في المركز من دورة التخصيب. وبعد أيام قليلة كشفت وزارة المخابرات عن هوية مرتكب هذا التخريب، الذي كان موظفاً في موقع نطنز وكان قد غادر إيران قبل هذا العمل؛ إنه رضا كريمي 43 عاماً.
في الوقت نفسه، يشير المسؤولون الإيرانيون صراحةً إلی الدور المحوري للکيان الصهيوني في هذا الصدد وذلك للتأثير على محادثات فيينا، وهم يهددون الکيان بالانتقام الحتمي. هذه المرة يبدو أن الوضع مختلف قليلاً عن ذي قبل، وأن العمل الاستراتيجي يحل محل الصبر الاستراتيجي؛ والعلامة الأولى تظهر بعد 10 أيام.
الضربة الأولی للقبة الحديدية
الثلاثاء 21 أبريل؛ نشرت أخبار وصور عن انفجار كبير في صناعات “تامر” التابعة لوزارة الحرب الصهيونية؛ وفي الساعات الأولى من النبأ، اعتبره الكثيرون رد إيران على التخريب في نطنز.
يمكن اعتبار ”تامر” قلب الصناعة الدفاعية للکيان الصهيوني، والتي يتمثل مجال نشاطها في التقنيات المتقدمة مع التركيز على الدفع الصاروخي؛ کما تصنع هذه الشركة العديد من الأنظمة الحساسة للکيان، بما في ذلك نظام الدفع الصاروخي Arrow للدفاع الجوي والقمر الصناعي “شاويت” التابع للکيان، والذي ينفذ معظم عمليات الإطلاق الفضائية، وخاصةً أقمار التجسس من عائلة “أفق”.
تنتج هذه الشركة صواريخ نظام القبة الحديدية للکيان الصهيوني أيضًا، وبشكل عام يمكن اعتبار تامر قلب صناعة الدفاع الإسرائيلية.
حيفا تحترق
في صباح يوم 11 مايو، تفيد الأنباء عن اندلاع حريق كبير في مصفاة “بازان” في حيفا بفلسطين المحتلة. وزارة حماية البيئة الإسرائيلية تؤکد في بيان وقوع الحريق في المصفاة، زاعمةً أن سبب الحريق هو تلف أحد أنابيب نظام CCR.
وبحسب الصهاينة، تمكن فريق عمليات الطوارئ في المصفاة من احتواء النيران، وتوقفت عملية تزويد المنشآت التي اشتعلت فيها النيران بالوقود.
الضربة الثانية للقبة الحديدية
في 7 مايو، تردد خبر اندلاع حريق في واحدة من أهم الصناعات العسكرية للکيان الصهيوني من جديد؛ حيث تلتهم النيران شركة “رفائيل” لصناعة الأسلحة، المركز الرئيسي لتصميم وإنتاج وتجميع نظام القبة الحديدية للکيان.
وبحسب مصادر صهيونية وشهود عيان على مواقع التواصل الاجتماعي، کان يمكن رؤية الدخان الكثيف المنبعث من ألسنة اللهب من على بعد مئات الأمتار من مكان الحريق، وقد خرجت النيران عن السيطرة، ورغم إرسال العشرات من رجال الإطفاء إلى المنطقة، إلا أن عمليات الإطفاء وإخماد الحرائق كانت تسير بشکل صعب.
بحر من النار أمام السفن الصهيونية
الإجراءات الصهيونية الأخرى في الأشهر الأخيرة شملت تعطيل الأمن البحري وتضييق الخناق على سفن جمهورية إيران الإسلامية في المياه الدولية، وخاصةً في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.
وقد أدى خلق حالة من انعدام الأمن للملاحة الإيرانية إلى عودة البحر الأحمر إلى منطقة رصد ومراقبة الدوريات البحرية، بحسب اللواء باقري رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية.
لكن ذلك لم يكن نهاية القصة؛ حيث باتت الحاجة إلى رد حاسم لردع الکيان الصهيوني عن ارتكاب خطأ استراتيجي ضروريةً. وفي هذا السياق، وفي مرحلة ما، تم استهداف سفينتين مملوكتين للکيان الإسرائيلي، واحدة في شمال المحيط الهندي والأخرى بالقرب من ميناء الفجيرة في الإمارات.
السفينة الأولی کانت سفينة شحن تابعة لشركة “إكس. تي مانجمنت” الصهيونية ومقرها ميناء حيفا بفلسطين المحتلة، والأخرى التي استهدفت في ميناء الفجيرة هي سفينة “هايبريون راي”.
بعد ذلك بوقت قصير، قال القائد العام للحرس الثوري الإيراني في خطاب عام: “كان الصهاينة يتدخلون في البلدان منذ عامين ويخلقون مشاكل للصناعة النووية الإيرانية، معتقدين أن نظام الأمن القومي للکيان الصهيوني لن يتضرر، ولكن فجأةً تغير المشهد؛ حيث تعرضت سفنهم للهجوم، وهذا يتعلق بالأشهر الثلاثة الماضية.”
الضربة الثالثة للقبة الحديدية؛ هذه المرة أكثر فتكاً
تصاعدت التوترات في القدس الشريف في مايو؛ والسبب هو محاولة الصهاينة طرد الفلسطينيين من حي الشيخ جراح في القدس.
وقد أدت هذه الاشتباكات في نهاية المطاف إلى هجوم الصهاينة على المسجد الأقصى واستشهاد وجرح عدد من الفلسطينيين. ورداً على الجرائم الصهيونية في القدس الشريف، شنت فصائل المقاومة في قطاع غزة(حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني) هجمات صاروخية على أهداف في فلسطين المحتلة، إيذاناً ببداية ما أصبح يعرف بحرب الـ 12 يوماً؛ حربٌ جلبت معها ظواهر ومفاجآت فريدة من نوعها.
كانت المفاجأة الأولى هي الحجم غير المسبوق لإطلاق الصواريخ من قطاع غزة على الأراضي المحتلة، حيث أطلقت الفصائل الفلسطينية في اليومين الأولين من الحرب وحدهما أكثر من ألف صاروخ؛ وهذه الصواريخ إضافة إلى مرور عدد كبير منها نظام القبة الحديدية، فرضت تكلفةً باهظةً على الكيان الصهيوني لصدها.
دبيب الرعب والخوف في قلوب الصهاينة بعملية “سيف القدس”
خلال هذه الحرب التي اختارت فيها قيادة غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية اسم “سيف القدس” لها، استُهدف مطار بن غوريون الدولي، المطار الرئيسي للکيان في تل أبيب، لأول مرة بالصواريخ؛ بحيث توقفت جميع الرحلات القادمة والمغادرة من هذا المطار، وتحولت الرحلات الجوية في سماء الکيان إلى مطارات بديلة.
كما كشفت فصائل المقاومة الفلسطينية خلال هذه الحرب عن عدد من أحدث الإنجازات التي حققتها، والتي أظهرت تحولاً في ميزان القوى في الحرب مع الصهاينة لمصلحة فصائل المقاومة. وكانت صواريخ “عياش” و”القاسم” وطائرة “شهاب” المسيرة من الإنجازات الجديدة للمقاومة في هذه الحرب، والتي استخدمت ضد الصهاينة.
استطاعت المقاومة الإسلامية بصاروخ عياش الذي يزيد مداه عن 250 كيلومترا، استهداف مطار رامون الذي يبعد 220 كيلومترا عن غزة وجنوب فلسطين المحتلة.
وبشکل عام يقال إن أكثر من 4000 صاروخ وقذيفة أطلقتها فصائل المقاومة لاستهداف الأراضي المحتلة، وهو أمر غير مسبوق من نوعه.
الآن دعونا نعود إلی الوراء قليلاً. الکيان الإسرائيلي الذي کان يعتبر نفسه القوة المهيمنة في المنطقة، بعد الضربات القاتلة التي وجَّهها محور المقاومة لمصالحه الاستراتيجية، سواء خلال حرب الـ 12 يومًا أو الأحداث التي سبقتها، اليوم مع تفوق المقاومة في ميدان العمل وفرض تكاليف بشرية ومالية باهظة عليه، اهتزّ وضعه بشدة لدرجة أنه اضطر للاستسلام لمطالب الفلسطينيين وعرض اقتراح يقضي بوقف إطلاق النار.
المصدر / الوقت