النصر الكبير لسوريا حكومة وشعبا بإجراء انتخابات رئاسية
إن الانتخابات الرئاسية الثانية في سوريا في السنوات التي تلت عام 2011، أي بعد بداية الأزمة في هذا البلد، ستجرى يوم غد (26 مايو). وتعد هذه أول انتخابات رئاسية سورية منذ تحرير المناطق من الجماعات التكفيرية وسوف يتنافس في هذه الانتخابات ثلاثة مرشحين ضد بعضهم البعض. ولقد بدأت دعاية مرشحي الرئاسة السورية خلال الفترة 16مايو واستمرت حتى 24 مايو. كما أجريت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية السورية في 20 أيار 2021 في السفارات والقنصليات والبعثات الدبلوماسية السورية في الدول الأخرى. وتشير جميع الأدلة والتقارير الميدانية إلى أنه على الرغم من مقاطعة الانتخابات وإدانة الانتخابات من قبل الغربيين والجماعات التكفيرية المعارضة للحكومة، فقد شارك المواطنون السوريون بشكل كبير في هذه الانتخابات، ويبدو أن شعب هذا البلد الواقع على الساحل الشرقي من البحر الأبيض المتوسط لديه غدًا الأربعاء موعد مع عملية ديمقراطية، من خلالها سوف يتم تحديد مصيرهم في المستقبل. بشكل عام، يمكن اعتبار الانتخابات الرئاسية الأخيرة في سوريا انتصارًا كبيرًا للشعب السوري وحكومته على مؤامرة الأجانب.
ثمانية شروط لمرشحي الرئاسة السورية
قبل التطرق لأسماء المرشحين والوضع الديمغرافي والجغرافي للانتخابات السورية، يمكننا أولاً أن نذكر أوضاع وشروط الترشح للرئاسة. حيث يحدد الفصل الخامس من المادة 30 من قانون الانتخابات السوري، الذي أُقر عام 2014، شروطًا خاصة للترشح للانتخابات الرئاسية؛ ووفقًا لهذا القانون، ولقبول ترشيح أي شخص، يجب توفر الشروط التالية: 1- يجب أن يكون عمره 40 عامًا، 2- يجب أن يكون حاصلاً على الجنسية السورية 3- يجب أن يكون والديه سوريين أيضًا 4- يجب ألا يحمل جنسية احدى الدول غير سوريا 5- لم يتم حرمانه من الحقوق المدنية والسياسية ولم يرتكب جريمة كبرى 6- أن لا تكون زوجته غير سورية .7- أن يكون حاصل على موافقة 35 عضوا على الأقل من إجمالي 250 عضوا في مجلس النواب، 8- وأن يعيش ويقيم في سوريا بشكل مستمر لمدة عشرة أعوام، وبناءً على هذا الشرط الاخير لن يتمكن الكثير من السوريين المقيمين في الخارج من خوض هذه الانتخابات.
مرشحو الرئاسة السورية
تحدد المحكمة الدستورية المرشحين للانتخابات الرئاسية السورية وفق الدستور السوري. وأيدت المحكمة انتخاب الرئيس الحالي “بشار حافظ الأسد” والبرلماني السابق ووزير الخارجية “عبد الله سلوم عبد الله” و”محمود أحمد مرعي” رئيس المعارضة الوطنية. ووفقًا للمحكمة، تقدم 51 شخصًا للترشح، لكن سُمح لثلاثة فقط بالترشح بعد حصولهم على أصوات كافية من 250 عضوًا في البرلمان التابع لنظام “الأسد”. أي أنه وفقًا للدستور السوري، تمكن ثلاثة مرشحين فقط من الفوز بما لا يقل عن 35 صوتًا.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنه وفقًا للمادة 88 من الدستور السوري، فإن منصب رئيس الدولة لا يتجاوز ولايتين مدتهما 7 سنوات، ولكن وفقًا للمادة 155 من نفس القانون، فإن هذه المادة لا تنطبق على “بشار الأسد”، نظرًا لأن هذا القانون كان مخصص لانتخابات 2014. في المجموع، لدينا الآن ثلاثة مرشحين أو منافسين للرئاسة السورية، على عكس عام 2014، عندما أجريت الانتخابات عن طريق الاستفتاء. في الواقع، على مدار الخمسين عامًا الماضية، كان هناك دائمًا مرشح واحد فقط في هذا البلد، ويمكن اعتبار الانتخابات التنافسية الأخيرة بطريقة ما بداية لعملية ديمقراطية جديدة.
في الانتخابات الرئاسية السورية الأخيرة، ركز المرشحون الثلاثة بشكل خاص على العودة إلى الحياة الطبيعية. في الواقع أن الخطوط العريضة لبرنامجهم الانتخابي تتمثل في عودة حكم دمشق إلى أحضان البلد بأكمله، وطرد الدول الأجنبية، والمواجهة مع الجماعات التكفيرية داخل البلاد، وتحسين الاستقرار الأمني والسياسي، وتحسين الوضع الاقتصادي للبلاد وخلق فرص عمل للشباب السوريين العاطلين عن العمل.
السكان والمناطق المشاركة في الانتخابات
على صعيد آخر، فإن إحدى أهم القضايا المهمة في الانتخابات السورية الأخيرة هي موضوع الإقبال والمشاركة في هذه الانتخابات. وفي هذا الصدد، وبحسب مراكز الأبحاث، من بين إجمالي عدد السكان البالغ 26 مليون نسمة، يعيش داخل البلاد فقط 16 مليونا و 400 ألف نسمة. ومن هذا العدد، هناك 9.4 ملايين فقط مؤهلون للتصويت. الحقيقة أنه نتيجة للأزمة في سوريا، نزح ملايين المواطنين السوريين إلى الحدود الخارجية للبلاد، وأدى ذلك إلى اضطراب أوضاع السكان في هذا البلد. ونتيجة لهذا الوضع، لم تجر الانتخابات الأخيرة إلا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة. كما دعا البرلمان السوري الشهر الماضي قادة بعض الدول لمرافقة العملية الانتخابية، وأهمها إيران وروسيا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية وغيرها.
ويعتقد الكثير من السوريين أن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات ستكون أعلى مما كانت عليه في 2014. وحول هذا السياق، وفي مقابلة صحفية، قال الخبير الإعلامي السوري وسيم العدوي (28 عامًا) إنه من المتوقع أن يكون للناس حضور أكثر حماسة وانتشاراً في فترة الانتخابات هذه. واعتبر أن تحسن الوضع الأمني هو أحد الأسباب التي تجعل معظم الناس محظوظين بما يكفي للمشاركة في هذه الانتخابات، وقال: إن “الوضع الأمني الحالي في سوريا مختلف تمامًا عما كان عليه قبل سنوات قليلة ويسود الأمن في معظم أنحاء سوريا وكان الناس يخافون من الجماعات الارهابية ولكن الأن ليس هناك تهديدات تخيفهم”. ومن جانبها، أعتبرت فاطمة (32 عاما)، وهي موظفة حكومية، أيضا الأمن في البلاد ذا قيمة كبيرة وقالت، إن “الناس يعتبرون الوضع الحالي أفضل بكثير من ما كان عليه بداية الأزمة في 2011 وفي فترة الانتخابات الرئاسية التي عقدت في عام 2014، ويبدو أنهم أكثر حظا في وقتنا الحالي للمشاركة في هذه الانتخابات”.
النجاح الكبير للأمة السورية والنظام السياسي
في الأشهر الأخيرة، عندما أثيرت مسألة إجراء انتخابات رئاسية سورية جديدة، استخدمت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، دعاية سياسية واسعة النطاق، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية وعدم الوفاء بوعود المساعدات الاقتصادية لإعادة بناء هذا البلد الممزق. وفي المقابل، قاطعت الجماعات التكفيرية المعارضة للحكومة المركزية أي مشاركة في الانتخابات. في الواقع، يمكن النظر إلى الهدف الرئيسي للدول الأجنبية والمعارضين السياسيين التابعين لها في محاولة نزع الشرعية عن الانتخابات على أنه منع لعملية الاستقرار في سوريا وعدم السماح لدمشق لاكتساب السلطة في العملية السياسية والانتقال إلى فترة ما بعد الأزمة.
ومع ذلك، فإن إجراء الانتخابات الرئاسية السورية هو انتصار كبير للشعب السوري وحكومته، على الرغم من الحجم الكبير للدعاية المناهضة لدمشق. في الواقع، بعد الانتصارات العسكرية العظيمة التي حققها الجيش السوري في ساحة المعركة، يمكن اعتبار الانتخابات الرئاسية السورية الأخيرة بمثابة تحويل للإنجازات العسكرية إلى إنجازات سياسية وترسيخاً لسلطة الحكومة السورية وشرعيتها.
المصدر/ الوقت