الأيادي الخفية خلف دعوات تأجيل ومقاطعة الانتخابات النيابية العراقية
تطالب بعض التيارات والجماعات السياسية في مجلس المتظاهرين العراقيين هذه الايام بتأجيل الانتخابات النيابية المبكرة في العراق. من المقرر أن تجرى الانتخابات النيابية العراقية المبكرة في 10 تشرين الأول (أكتوبر) 2021، ووفقاً للمفوضية العراقية العليا المستقلة للانتخابات، فقد سجل حتى الآن 29 ائتلافاً سياسياً لخوض الانتخابات المقبلة، شارك 25 منها سابقاً في انتخابات 2018. وبحسب المفوضية، تم تشكيل 283 حزبا حتى الآن، و68 حزبا جديدا على وشك التأسيس، و77 حزبا أعلنوا استعدادهم لخوض الانتخابات المقبلة. هذا الحجم من المجموعات السياسية التي تعلن عن استعدادها للمشاركة في الانتخابات النيابية المبكرة، حيث من إجمالي عدد السكان البالغ 40 مليون نسمة في العراق، 25 مليوناً 139 ألفاً و375 شخصاً في وضع مؤهل للتصويت، وحتى الآن أكثر من 15 مليون شخص تم تسجيلهم للمشاركة في الانتخابات وتحديث بياناتهم. تشير هذه الإحصائية بوضوح إلى أن الانتخابات البرلمانية المبكرة في 10 أكتوبر من المرجح أن تكون أكثر إثارة من جميع الانتخابات البرلمانية الأربعة السابقة في السنوات التي تلت عام 2006. لكن همسات المطالبة بتأجيل الانتخابات قد أثيرت الآن وبشكل جدي من قبل بعض التيارات، ويبدو أنه من الضروري مخاطبة مؤيدي هذا المطلب واستبيان سببه وأسبابه.
خطة للمطالبة بتأجيل الانتخابات من قبل المحتجين والتيارات العراقية الصغيرة
وعلى عكس المطالب الأولية لقادة الاحتجاج بضرورة إجراء انتخابات مبكرة، دعت الجبهة السياسية المنسوبة للاحتجاجات الآن، في تغيير واضح في الموقف، إلى عدم إجراء الانتخابات وتأجيلها. مهدت الدعوة لإجراء انتخابات نيابية مبكرة في عام 2019 الطريق لاستقالة عادل عبد المهدي من رئاسة الوزراء ودخول العراق في عدة أشهر من المشاورات السياسية لانتخاب حكومة جديدة مؤقته في العراق، لكننا شهدنا في الأسابيع الأخيرة مستوى كبير من الاضطرابات الأمنية، واغتيال لقادة الاحتجاجات والمتظاهرين في الشوارع، وقد ذُكرت هذه الأمور كأسباب تدعو لعدم إجراء الانتخابات في موعدها. وعلى نفس السياق، دعت بعض الأحزاب السياسية الأخرى، مثل “الحزب الشيوعي العراقي”، الذي كان حليفًا لتيار الصدر في ائتلاف “سائرون” سابقًا، إلى تأجيل الانتخابات والانسحاب من المنافسة. كما انسحبت مجموعة “البيت الوطني”، وهي واحدة من ثلاث مجموعات سياسية تابعة لجبهة الاحتجاج العراقية، من الانتخابات. كما دعا تشكيل “البيت العراقي” ومجموعة “المجلس المركزي لتشرين (اكتوبر) ” 28 جماعة سياسية مرتبطة باحتجاجات أكتوبر إلى مقاطعة الانتخابات العراقية المقبلة. كما دعت بعض الشخصيات السياسية العراقية، مثل فائق شيخ علي، نشطاء المجتمع المدني إلى عدم إجراء انتخابات بحجة الاغتيال وانعدام الأمن. مع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو ما هي القوى التي تقف وراء مؤامرة الدعوة إلى تأجيل ومقاطعة الانتخابات، وإلى أي مدى تستطيع المجموعات السياسية الصغيرة وضع إستراتيجيتها موضع التنفيذ؟
الأجندات الأجنبية الخفية ومحاولات منع فوز المقاومة
وما لا شك فيه أن دور القوى الخارجية والدول الأجنبية يمكن ملاحظته بإلقاء نظرة فاحصة على مطلب تأجيل ومقاطعة الانتخابات النيابية المبكرة في العراق في 10 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الجاري. ويتجلى ذلك في تصريحات السفير البريطاني في بغداد، رداً على اغتيال ومقتل الناشط المدني “إيهاب الوزاني” في مدينة كربلاء. في مقابلة مع شبكة سعودية، أعرب السفير البريطاني في العراق ستيفن هيكي، عن شكوكه في إجراء انتخابات نزيهة في العراق ودعا إلى انتخابات مبكرة. وقوبلت تصريحات السفير البريطاني برد فعل حاد من الغالبية العظمى من التيارات السياسية التي وصفتها بـ “الإملاءات الخارجية”، وأمثلة على التدخل الأجنبي، وادعاءات لا أساس لها، واعتُبرت تصريحاته من الشعب والحكومة العراقية بأنها تدخل غير مقبول. ومع ذلك، فإن حلقة الوصل بين المعارضين للانتخابات والدول الأجنبية هو قضية يمكن فك شفرتها بسهولة. على مر السنين، عبرت جهات فاعلة مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والكيان الصهيوني بوضوح عن قلقها بشأن الصداقة بين إيران والعراق، وبينوا أن وضعهم في بغداد في خطر. وكان ذلك عللا أعقاب قرار مجلس النواب العراقي في 5 كانون الثاني / يناير 2020، والذي ينص على وجوب مغادرة جميع القوات الأجنبية العراق؛ لكن خلال العامين الماضيين، اتخذت حكومة مصطفى الكاظمي خطوات بطيئة في إجراء هذا القرار، ولم يتم تنفيذه بصورة جادة. تدرك الولايات المتحدة والمقربون من واشنطن في العراق الآن أنه مع إجراء انتخابات مبكرة وتنصيب حكومة جديدة ورئيس وزراء جديد، ستكون المطالبة بسحب القوات الأمريكية أولوية أكثر من أي وقت مضى. لذلك، فإن هؤلاء الفاعلين يعتزمون تأجيل الانتخابات ومقاطعتها من خلال التأثير على المتظاهرين والأحزاب السياسية العراقية من خلال جعل الأجواء غير آمنة والادعاء بأن الوضع الحالي غير مناسب. من ناحية أخرى، يشعر الأمريكيون والجبهة العربية الغربية بقلق عميق من أن تزداد فرص فوز الحركات السياسية القريبة من محور المقاومة والمعارضة لوجود الأجانب أكثر من أي وقت مضى في انتخابات 10 أكتوبر المبكرة. في الواقع، إضافة إلى الفصيل الموالي للصدر، تطالب المجموعات المنضوية تحت تحالف الفتح، وحتى تحالف النصر ودولة القانون بطرد القوات الأجنبية. وبالنظر إلى أن هذه المجموعات لديها فرص أفضل للفوز في الانتخابات، يبدو أن الأيدي الأجنبية تحاول تهيئة الأرضية لعدم إجراء الانتخابات من أجل تعزيز الجماعات التابعة لها عن طريق شراء الوقت. أيضًا، تبحث الحكومة الأمريكية والجهات الأخرى المناهضة للمقاومة في السنوات الأخيرة وفي المستقبل عن ذريعة لإبقاء قوات الاحتلال تحت اسم التحالف الدولي ضد داعش في العراق. وفي هذا الصدد، فإنهم يتخذون كل خطوة لخلق حالة من انعدام الأمن والاضطراب في العراق؛ ولوحظ على مدار العامين الماضيين، كانت الجهود المبذولة لإحياء داعش ودعم الاحتجاجات وأعمال الشغب في الشوارع والتآمر لمهاجمة القنصليات الإيرانية واضحة للعيان.
في ظل الوضع الجديد، فإن تلك الدول قلقة للغاية من أن إجراء انتخابات مبكرة سيخلق المزيد من الاستقرار والأمن في العراق، وهذا الحدث سيعني نهاية ذرائع نفوذها ودورها التدخلي في العراق، لذا فهي تحاول منع الانتخابات في العراق. بأي حال من الأحوال، الحقيقة هي أن المجموعات السياسية العراقية الصغيرة المقاطعة للانتخابات ليس لديها القدرة على النجاح في خريطة الطريق الخاصة بها لأنها لا تمثل مطالب الجمهور ولا تتحرك في اتجاه المصالح الوطنية.
المصدر/لوقت