كردستان العراق على شفا حرب أهلية جديدة.. هجمات إرهابية لحزب العمال الكردستاني على قوات البيشمركة شمال العراق
حروب الأشقاء، أو ما تسمى الـ”براكوجي”، هي صراعات حدثت في منتصف التسعينيات بين الأطراف والفصائل القاطنة في إقليم كردستان العراق. وفي عامي 1994 و 1995 ، بدأ الحزبان الرئيسيان في إقليم كردستان العراق، وهما حزب الاتحاد الوطني بقيادة أسرة “طالباني” والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة عائلة “بارزاني”، نزاعًا مسلحًا طويل الأمد. ولقد انتهت تلك النزاعات والاشتباكات عقب وساطة قامت بها إيران وبعض الدول الغربية، وهنا تجدر الاشارة إلى أن تلك النزاعات أدت إلى مقتل وإصابة آلاف الجنود من الجانبين، بل وأدت إلى مطالبة حكومة أربيل بقيادة “مسعود بارزاني”، جيش “صدام” البعثي بالمساعدة والدخول في المنطقة في عام 1995. ولطالما اعتبرت هذه الاشتباكات وصمة عار عند الرأي العام الكردي في شمال العراق وأصبحت تعرف باسم حرب الأشقاء.
ويجري الآن تنافس آخر بين حزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، في سياسة إقليم كردستان العراق، وتعود الجذور التاريخية للخلاف بين الحزبين إلى أواخر عام 1980 و1990، مشبعا بالصراع على السلطة، والخلافات الإيديولوجية بين الفصائل المتناحرة، وقد أزهقت آلاف الأرواح من الجانبين، وعلى الرغم من الهدوء النسبي في العلاقات حتى عام 2000، إلا أن الصراع عاد للواجهة من جديد جراء الحرب الأهلية الدائرة بسوريا، بهدف السيطرة على الحياة السياسية الكردية السورية. وفي هذا السياق، حقق حزب العمال الكردستاني نجاحا أكبر بكثير، على حساب الحزب الديمقراطي الكردستاني. حيث أحكم قبضته بشكل تام على المناطق الكردية في سوريا، ونصّب نفسه الممثل الوحيد والجدير بثقة للشعب الكردي، والقادر على الحفاظ على كيان الأكراد وصمودهم في واقع هش.
كردستان العراق على شفا الدخول في حرب أهلية جديدة
لكن هذه المرة، لم يكن الصراع بين الأحزاب الداخلية في إقليم كردستان، ولكن بين مجموعة تتلقى الكثير من الدعم من بعض الدول الغربية تسمى حزب العمال الكردستاني “بي بي كي”. ويرجع تاريخ تواجد المجموعة الإرهابية “بي بي كي” في شمال العراق إلى الثمانينات من القرن الماضي، ولكن أعضاء هذه الجماعة لم يكونوا قد توغلوا في عمق المناطق الكردية في شمال العراق كما يفعلون اليوم. وهذه القضية وحدها أثارت واستفزاز الأحزاب الكردية في المنطقة، لأن هذه الجماعة اليسارية وغير الدينية منذ نشأتها، كانت تدخل في منافسات مع أحزاب في إقليم كردستان العراق، والتي كانت أفكارها تتعارض بشكل عام مع الفكر الماركسي ولها انتماءات إسلامية ودينية. ولقد سعى قادة جماعة “بي بي كي” للسيطرة على جميع المناطق الكردية في دول مثل العراق وسوريا وتركيا.
ولكن جذور الأزمة الأخيرة تعود إلى صعود تنظيم داعش الإرهابي في عام 2014 ومعارك الجيش التركي الأخيرة مع حزب العمال الكردستاني في جنوب تركيا. وفي آب / أغسطس 2014، بعد نحو شهرين من هجمات إرهابيي “داعش” في محافظة نينوى ومدينة الموصل، سقطت مدينة “سنجار”، مركز الأقلية اليزيدية في شمال غرب العراق، وقتل ونزح آلاف المدنيين. وفي ذلك الوقت، عبرت وحدات حماية الشعب، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، معبر “الرابية” الحدودي غربي “سنجار” ودخلت الأراضي العراقية بحجة الدفاع عن الأكراد الإيزيديين في المنطقة.
ومنذ أواخر عام 2017 والتحرير شبه الكامل للعراق من قوات داعش، دعت الحكومة العراقية ومسؤولو حكومة إقليم كردستان مرارًا وتكرارًا القوات المذكورة أعلاه، والمعروفة الآن باسم YBS، للدفاع عن سنجار. ولكن في كل مرة لم تقبل تلك القوات التي تقبع تحت القيادة المباشرة لجماعة “بي بي كي” الخروج من المناطق التي تحتلها وهذا الامر أدى إلى تدّخل تركيا المباشر في العراق. وعلى مدار العام ونصف العام الماضيين، نفذ الجيش التركي عمليتين كبيرتين أطلق عليهما “مخلب النسر 1 و 2” في شمال العراق، ووعد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” خلال تلك الفترة بتنفيذ عملية عسكرية كبرى لطرد قوات حزب العمال الكردستاني من مدينة سنجار. كما انضمت الحكومة التركية إلى قوات البيشمركة الإقليمية والقادة الإقليميين لطرد إرهابيي حزب العمال الكردستاني من المناطق التي تسيطر عليها؛ وقد أثار هذا غضب قوات حزب العمال الكردستاني التي قامت بأعمال انتقامية في الأيام الأخيرة.
اختطاف 2 من قوات البيشمركة من قبل حزب العمال الكردستاني
ولقد استهدفت قوات حزب العمال الكردستاني، يوم أمس الأربعاء، رتلًا مؤلفًا من عدة آليات لقوات البيشمركة التابعة لإقليم كوردستان العراق في منطقة جبل “المتن”. وحول هذا السياق، قال مسؤولون إن المهاجم فجر نفسه بعد الظهر بقليل أمام مركز تجنيد للشرطة، مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل وإصابة سبعة آخرين. كما أفادت مصادر إعلامية في إقليم كردستان، باختطاف ضابطين من قوات الأمن الإقليمية في منطقة سنجار من قبل قوات “بي بي كي” ولا يزال مصيرهم مجهول حتى الان. كما كشفت مصادر إعلامية عن مقتل صباح اليوم عنصر آخر من قوات البشمركة برصاص قناص من حزب العمال الكردستاني في منطقة “زاخو” الحدودية بمحافظة دهوك في العراق.
وحول هذا السياق، أعلنت وزارة “البيشمركة” التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق، يوم الثلاثاء الماضي، مقتل أحد عناصرها بهجوم لحزب العمال الكردستاني في محافظة دهوك شمالي البلاد. وذكرت في بيان صحفي: “في الساعة 7:30 من صباح اليوم وفي منطقة (شرانش) بناحية (دركار) تحديدا، ومرة أخرى واستمرارا للحوادث الأليمة التي وقعت خلال الأيام الماضية استشهد عنصر من قوات البيشمركة يدعى (رضوان محمد علي)”. وأضافت: “خلال الأيام الثلاثة الماضية هذه هي المرة الثانية التي يقع بها حوادث غير مرغوب بها بهذه الطريقة، ونحن في وزارة البيشمركة ندين ونستنكر بشدة مثل هكذا أفعال والتي هي في نهاية المطاف تصب في مصلحة الأعداء والحاقدين على شعبنا”.
ودعت الوزارة بحسب البيان “الحلفاء كافة والحكومة العراقية إلى تأدية دورهم في وقف هذه الانتهاكات، وحماية المناطق الحدودية في الإقليم بالتعاون مع قوات البيشمركة”. من جهتها أعلنت قناة “روداو” الكردية، فقدان أثر اثنين من قوات البيشمركة منذ يوم الأحد الماضي عند الـ6:00 مساء، ولا يزال مصيرهما مجهولا حتى الآن. وأضافت، أن “المفقودين من البيشمركة، وهما أمين عثمان، وفيرو ميرزا عثمان، كانا قد توجها إلى منطقة كركي وسط جبال سنجار، حيث فقد أثرهما هناك”. ولقد أدانت الحكومة العراقية والتحالف الأمريكي تلك الهجمات، لكن حتى الآن لم تقم الأحزاب الكردية الإقليمية بإدانة تلك الهجمات بشكل مباشر، لكن يبدو أن عملية مشتركة واسعة النطاق للجيش التركي وقوات تابع لأحزاب الإقليم الكردي ضد قوات حزب العمال الكردستاني سوف تندلع قريبًا.
المصدر/ الوقت