التحديث الاخير بتاريخ|الأحد, نوفمبر 24, 2024

جولة جديدة من الأزمة السياسية في تونس.. الخلفيات والأبعاد 

أثار مقتل الشاب التونسي أحمد بن عمارة على يد قوات الشرطة، موجة جديدة من الاحتجاجات في شوارع البلاد. حيث يُقال أنه ضُرب حتى الموت بعد اعتقاله حتى هناك أدلة على أن الاحتجاجات تصاعدت إلى أعمال عنف بعد تدخل قوات الأمن والشرطة. هذا وقد أثارت موجة الاحتجاجات الجديدة موجة من القلق الشديد بين المسؤولين السياسيين التونسيين حيث وصف الرئيس التونسي قيس سعيد وضع بلاده في 14 يونيو 2021 بأنه “شديد الخطورة” ، وقال ان “تونس تمر بوضع شديد الخطورة ولم تمر به من قبل وينبئ بمخاطر أكبر نتيجة لحكم عدد من لوبيات التي تعمل خلف الستار وتغيّر مواقفها بناء على مصالحها”.

وأكد الرئيس التونسي قيس سعيد، خلال لقاء رئيس الوزراء والمكلّف بتسيير وزارة الداخلية هشام المشيشي ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان أن ما يحدث هذه الأيام يشكل تهديداً خطيراً لتونس وأنه لن أسمح بسقوطها أبداً. وقال “أعرف من يحرك الشارع ومن يفتعل الأزمات للبقاء في الحكم وليعلم أن تونس ليست بضاعة وأن القوانين يجب أن تطبق على الجميع”.

تثير هذه التصريحات في الوقت الراهن تساؤلاً حول سبب احتجاجات الشارع الأخيرة فهل هو نتاج مؤامرة ضد الحكومة الحالية أو ثمة أسباب أخرى أدت إلى الاحتجاجات والأزمة السياسية في البلاد؟ حيث يوضح مسار التطورات السياسية في تونس خلال سنوات ما بعد 2011 أي بعد الإطاحة بحكومة زين العابدين بن علي أن جذور الأزمة الحالية تعود إلى الصراع السياسي داخل البنية السياسية التي تشكلت بعد ثورة 2011.

خلافات وتوترات شديدة بين السلطة الحاكمة والأزمة الاقتصادية

في الوقت الحاضر، يعتقد العديد من المراقبين السياسيين أن السبب الرئيسي للتوتر السياسي والأزمة الحالية في تونس متعلق بالخلافات والتوترات الحادة بين السلطة الحاكمة والتيارات السياسية الموجودة في البلاد. فتجد في تونس ثلاثة انقسامات سياسية رئيسية داخل السلطة الحاكمة: الرئيس قيس سعيد ورئيس الوزراء هشام المشيشي وراشد الغنوشي زعيم حزب النهضة ورئيس مجلس النواب التونسي.

منذ بداية العام الحالي، تصاعدت الخلافات بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الوزراء هشام المشيشي تدريجياً حول كيفية تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية واعتبرها المراقبون السياسيون عاملاً رئيسياً للخلاف في السلطة الحاكمة. لكن خلال السنوات التي تلت الإطاحة بالديكتاتور التونسي السابق زين العابدين بن علي اي منذ عام 2011 عانت البلاد من عدد من المشاكل الاقتصادية ثم أتى وباء كورونا وفاقم الأزمة. وهذا الأمر أدى إلى إحباط واستياء عميق من الوضع الحالي بين المواطنين. والمشكلة الآن أن التيارات السياسية ليس لديها خطة محددة لتجاوز الأزمة الاقتصادية وهم أكثر انشغالاً في التوتر والمنافسة السياسية مع بعضهم البعض.

ومن جهة أخرى هناك أدلة على أن الرئيس التونسي قيس سعيد مستاء بشدة من حضور ونشاط رئيس الوزراء هشام المشيشي ورئيس مجلس النواب راشد الغنوشي وعن الأنشطة الدبلوماسية الرسمية وغير الرسمية، ويريد احكام السيطرة على الساحة السياسية فهو يسعى للسيطرة والإشراف على أي حضور لممثلي الدول الأخرى أو ممثلي مختلف التيارات السياسية.

إضافة إلى ذلك هناك بُعد آخر للخلاف بين القادة السياسيين التونسيين يتعلق بنظرتهم الى تشكيل حكومة المشيشي وأدائها. ففي 27 يناير من العام الجاري، عندما حصل الوزراء على ثقة البرلمان ، كان قيس سعيد معارضاً لهم بسبب الاتهامات التي كانت موجهة لبعض الوزراء بالفساد وتضارب المصالح.

جاء ذلك في الوقت الذي أجبر فيه حزب النهضة وحزب قلب تونس بزعامة نبيل القروي، المشيشي في منتصف شهر يناير على إجراء إصلاحات حكومية. وفي غضون ذلك، شدد رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي مراراً على أن تونس على شفا حرب سياسية ، واعتبر أن الحوار الوطني بين القادة السياسيين حاجة ملحة، وأن دائرة الخلافات خلال الأشهر القليلة الماضية تصاعدت إلى كرنفالات في الشوارع واحتجاجات من قبل أنصار كل زعيم من هؤلاء الزعماء السياسيين. أي قبل الاحتجاجات الحالية شهدت توتس احتجاج الآلاف من أنصار النهضة دعماً للحكومة في ظل الخلاف السياسي الحاد بين المشيشي وقيس سعيد.

صراع بين الإخوان والعلمانيين

خلال السنوات التي تلت ثورة 2011 في تونس، كان هناك تنافس شديد وتوتر بين التيارات الإسلامية وخاصة جماعة الإخوان بقيادة راشد الغنوشي وحزب النهضة، والتيارات العلمانية حول طبيعة النظام السياسي والدستور والحكم في تونس.

حيث نمت حركة النهضة نمواً سريعاً منذ عام 2011 لكن هزيمة الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية التونسية 2014 على يد حزب نداء العلماني غيّرت المعادلة. ومع ذلك لاتزال الفجوة بين الإخوان والعلمانيين في مستوى كبير.

وفي الوضع الراهن، يبدو أن هذه الفجوة عميقة بشكلٍ كبير وهي أحد الأسباب الرئيسية لعدم الاستقرار بل ولاستمرار الأزمة في هذا البلاد. فمن جهة، تملك حركة النهضة العديد من المؤيدين في الرأي العام التونسي وتقود جزءاً كبيراً من المجتمع التونسي فكرياً و سياسياً. ومن جهة أخرى تعرف حركة النهضة الإسلامية، التي تحظى بـ 52 مقعداً في البرلمان بأنها أكبر حركة في البلاد.

ومن جهة أخرى، هناك التيار العلماني بقيادة قيس سعيد المعارض بشدة لجبهة النهضة. ففي انتخابات 2019، انتخب سعيد كشخصية مستقلة في 13 أكتوبر الرئيس السادس لتونس، بدعم كامل من المحافظين الدينيين واليساريين.

وفي الوقت الراهن يدعي قيس سعيد أن راشد الغنوشي وحركة النهضة يسعيان لخلق أزمة للحكومة وتحدي صلاحيات الرئيس. وفي هذا الصدد، يقيّم قيس سعيد الزيارة الأخيرة لوفد النهضة السياسي إلى قطر كتحدي لصلاحيات الرئيس.

وفي الطرف المقابل، استخدمت حركة النهضة في خطابات قادتها، مراراً مصطلح “الدكتاتورية والفاشية” مخاطبة القادة العلمانيين للدولة وقدمت نفسها على أنها “حامية الديمقراطية”. اذ يمكن اعتبار هذه الحالة مجتمعة عاملاً مهماً في تصعيد التوترات والأزمات السياسية في هذا البلاد والتي قد تكون السبب الرئيسي لاحتجاجات الشارع.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق