معدل التضخم… الضربة القاضية للاقتصاد السعودي
كشفت بيانات الهيئة العامة للإحصاء في المملكة العربية السعودية عن ارتفاع معدل التضخم، “مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك” مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي حيث سجل 5.7% في يناير 2021 عام ويعد أعلى وتيرة لارتفاع ا لتضخم منذ كانون الثاني الماضي. وأشارت الهيئة إلى أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك لا يزال يعكس زيادة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% والتي بدأ تطبيقها في شهر يوليو من العام المنصرم.
لمحة عامة عن بيانات التضخم السعودية
وقالت الهيئة إن ارتفاع التضخم في شهر يناير 2021 يعزى إلى زيادة أسعار الأغذية والمشروبات بنسبة 12.3% متأثرا بارتفاع أسعار الأغذية بنسبة 12.6%، إضافة إلى ارتفاع أسعار النقل بنسبة 9.6%، بسبب ارتفاع أسعار شراء المركبات بنسبة 11.1%. وقد سجل قسم الاتصالات أكبر ارتفاع بنسبة 13.8% متأثرا بارتفاع أسعار خدمات الهاتف والفاكس بنسبة 16.3%. و جاءت زيادة ضريبة القيمة المضافة، ضمن سلسلة إجراءات اتخذتها المملكة العام الماضي، للحد من الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تراجع أسعار النفط و لتعزيز الخزينة المتضررة من أزمة فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”.
ومن خلال نظرة عامة على الاقتصاد السعودي يمكن ملاحظة انكماش الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة بنسبة 3.3 في المائة خلال الربع الأول من العام الجاري.وتراجع الناتج المحلي للقطاع النفطي بنسبة 12 في المائة بسبب الالتزام بخفض الإنتاج ضمن اتفاق أوبك. و كانت قد كشفت بيانات سعودية رسمية عن تراجع اقتصاد المملكة في الربع الرابع من العالم الماضي، متأثرا بتراجع كبير في قطاع النفط. وأفادت بيانات رسمية بأن الاقتصاد السعودي انكمش 3.9 بالمئة في الربع الرابع مقارنة بالفترة نفسها قبل عام، إذ تأثر بتراجع كبير في قطاع النفط في ظل خفض المملكة للإنتاج، في حين تباطأ القطاع غير النفطي أيضا بسبب الضرر الناجم عن جائحة فيروس كورونا. وأظهرت البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للإحصاء في السعودية أن القطاع النفطي انكمش 8.5 بالمئة، فيما هبط القطاع غير النفطي 0.8 بالمئة.وقالت البيانات إن اقتصاد القطاع الخاص تباطأ 0.8 بالمئة، في حين تراجع القطاع الحكومي واحدا بالمئة.
الأسباب الكامنة وراء ارتفاع معدلات التضخم في المملكة خلال الفترة الأخيرة
فند خبراء اقتصاديون الأسباب الكامنة وراء ارتفاع معدلات التضخم في السعودية إلى العديد من الأسباب التي يأتي على رأسها ضريبة القيمة المضافة، وزيادة الطلب بعد رفع الحظر. ويعود السبب الثاني بحسب خبراء اقتصاديون في زيادة الانفاق خلال فترة الصيف، وهو ما زاد من نسبة التضخم في قطاع النقل والمواد الغذائية، منوها إلى أن رفع الحظر نسبيا زاد من ارتفاع الطلب في قطاع المواد الغذائية والتي تأثرت أيضا بالقيمة المضافة.
مشاكل تزيد من حدة التضخم
من الركود في العام الماضي، إلى كساد عميق في العام الحالي، يتلقى الاقتصاد السعودي الصدمة تلو الصدمة، تحت وطأة خسارة الحرب على اليمن، وخسارة حرب الأسعار في سوق النفط، وتكاليف مكافحة وباء كورونا، التي تتضمن تعليق موسم العمرة واحتمال تعليق موسم الحج حفاظا على أرواح الناس. السعودية خسرت في الأشهر القليلة الماضية ما يصل إلى نصف قيمة إنتاجها المحلي في عام كامل، وهي ما تزال تواجه مستقبلا غير مضمون ومحفوف بالمخاطر.
وبعد أقل من خمسة أسابيع من إعلانها حرب أسعار استهدفت روسيا ومنتجي النفط الآخرين، خسرت السعودية حربها النفطية. في اليمن لم تتعلم السعودية من تجربة مصر في ستينيات القرن الماضي. وفي حرب الأسعار لم تتعلم من دروس الحرب التي خاضتها في أسواق النفط بهدف إخراج منتجي النفط الصخري الأمريكيين من السوق عام 2014 وأنها بعد الحرب التي تم الاتفاق على إنهائها، ستعود مرة أخرى إلى معضلة الاختيار المر بين الأسعار وبين الحصة السوقية.
خسائر حرب النفط وحدها ستكلف الاقتصاد السعودي في نهاية العام الحالي ما يتراوح بين 20 إلى 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بافتراض تماسك السوق في النصف الثاني من العام. العجز في الميزانية الناتج عن هبوط الإيرادات النفطية وتعويضات حرب اليمن التي يطالب بها الحوثيون، وهبوط إيرادات موسم الحج والعمرة، وتكلفة مكافحة وباء كورونا قد يزيد عن ثمانية أمثال العجز الذي كان مقدراً لعام 2019 (4.7 في المئة) ليصل إلى ما يقرب من 40 في المئة من الناتج.
السعودية كانت قد وضعت ميزانيتها للعام الحالي على أساس عدد من الفروض، التي لم تعد قائمة بسبب انهيار الأسعار، على رأسها أن متوسط أسعار النفط خلال العام 2020 كان في حدود 61 إلى 64 دولارا للبرميل. وتسهم إيرادات النفط بنحو 90 في المئة من إيرادات الميزانية. ولكن نظرا لأن الأسعار هبطت، وانخفض سعر البرميل إلى أقل من نصف الافتراض الرئيسي للميزانية، حيث تراجع منذ بداية العام الحالي بنسبة 60 في المئة تقريبا، فإن الإيرادات المتوقعة من القطاع النفطي ستهبط من نحو 193 مليار دولار إلى أقل من 100 مليار دولار في نهاية العام الحالي.
هذا الهبوط في الإيرادات النفطية يعادل ما يقرب من 60 في المئة من المصروفات الكلية في الميزانية. ولذلك فإن الحكومة السعودية تجد نفسها الآن في مأزق شديد مع انخفاض ايراداتها وارتفاع معدلات التضخم وهذا يستلزم اتخاذ إجراءات قاسية على صعيد تخفيض الإنفاق العام، وتأجيل الكثير من المشروعات الكبرى، مثل مشاريع مدينة نيوم السياحية على البحر الأحمر. وفي هذا السياق أعلنت الحكومة رسميا تخفيض الإنفاق السنوي بنسبة 5 في المئة وطلبت من الوزارات والهيئات والشركات الحكومية تخفيض الإنفاق بنسبة تتراوح بين 20 إلى 30 في المئة في محاولة للحد من قيمة العجز المتوقع في الميزانية.
وفي السياق نفسه أعلنت شركة أرامكو انها ستخفض إنفاقها الاستثماري في العام الحالي إلى مستوى أدنى يبلغ 25 مليار دولار مقابل حوالي 33 مليار دولار في عام 2019. وذكرت الشركة انه بسبب انخفاض أسعار النفط في العام الماضي، فإن ارباحها قد هبطت بنسبة 20 في المئة. ونتيجة للتخمة الحالية في سوق النفط، واستبعاد تعافيها في الربع الثاني من العام الحالي، فإن أرباح أرامكو ستستمر في التراجع خلال العام الحالي أيضا. ونظرا لأن أرامكو هي ثاني أكبر جهاز اقتصادي في السعودية بعد الدولة، فإن كافة قطاعات الأعمال والتوظيف المرتبطة بها ستهبط بسبب تقليص الإنفاق الاستثماري.
إجراءات إضافية
غير أن هذه الإجراءات لن تكون كافية للحد من التأثير السلبي لهبوط أسعار النفط، ولذلك فقد تلجأ الحكومة لإجراءات إضافية تشمل السحب من صندوق الاستثمارات العامة، ومن الاحتياطي النقدي، إضافة إلى احتمال اللجوء إلى أسواق المال الدولية للحصول على التمويل اللازم، إما في النصف الثاني من العام الحالي أو في العام المقبل.
وبسبب مخاطر انتشار فيروس كورونا، قررت السعودية تعليق موسم الحج هذا العام وتقدر إيراداتها السياحية من موسم الحج والعمرة بنحو 12 مليار دولار. ويستحوذ هذا النشاط وحده على ما يقرب من 20 في المئة من حجم الاقتصاد غير النفطي للسعودية. وتعتبر خسارة إيرادات موسم العمرة لهذا العام ضربة كبيرة للطموح المعلن في رؤية 2030 السعودية بمضاعفة قيمة الايرادات السياحية إلى حوالي 150 مليار دولار في العام 2022 ولن يتحقق هذا الرقم المستهدف في موعده على الإطلاق، ويبدو الآن سرابا في صحراء.
المصدر / الوقت