التحديث الاخير بتاريخ|الخميس, نوفمبر 7, 2024

مصر وقطر.. تخفيف التوترات بخطوات بطيئة وحذرة 

من أهم التطورات التي شهدتها المنطقة العربية في الأشهر الأخيرة، بدء عملية التهدئة بين محور الإخوان في تركيا وقطر مع المحور المناهض للإخوان في السعودية ومصر والإمارات. حيث تكثفت عملية خفض التصعيد في وقت سابق من هذا العام بإعلان حل وسط في مجلس التعاون الخليجي ورفع العقوبات عن قطر من قبل السعودية ومصر والإمارات والبحرين، ثم تواصلت مع إعلان الحكومة التركية استعدادها لتهدئة التوترات مع السعودية ومصر والإمارات. وعلى هذا المنوال، سافر وزير الخارجية المصري “سامح شكري”، في الأيام الأخيرة، إلى الدوحة في زيارة مهمة لأول مرة منذ ثماني سنوات، حاملاً رسالة خطية من الرئيس المصري الفريق “عبد الفتاح السيسي” إلى أمير قطر. ولقد ذكر وزير الخارجية المصرية خلال هذه الزيارة أن العلاقات الثنائية بين أنقرة والقاهرة تتطور في إطار واضح وخطوة خطوة.

وتبعث هذه الزيارة بإشارة إلى أن عملية خفض التصعيد بين مصر والجبهة القطرية التركية تتقدم، لكن في الوقت نفسه، وفي حدث متناقض تمامًا، حكم القضاء المصري يوم الثلاثاء الماضي بالإعدام على 10 أشخاص من قيادات الإخوان المسلمين لمشاركتهم في احتجاجات مناهضة للحكومة. وعلى الرغم أيضا من وجود بوادر لوقف للتصعيد بين مصر وقطر، إلا أنه لم يتغير موقف الحكومة المصرية من وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها منظمة إرهابية والضغط على قياداتها وأعضائها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو لماذا بدأت عملية خفض التصعيد بين مصر ومحور الإخوان في المنطقة في هذا الوقت ؟

خفض التصعيد عبر نافذة الثقة؛ من سد النهضة الى قضية غزة

مما لا شك فيه أن الموعد الحالي لإرسال وزير الخارجية المصري إلى قطر تم اختياره بعناية فائقة حتى تستغل القاهرة مناخ التهدئة لصالحها وهذا الخطوة تذكرنا تمامًا بموقف وزير الخارجية المصري “سامح شكري” من خفض تصعيد التوترات مع تركيا. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن زيارة وزير الخارجية المصري إلى الدوحة تمت عشية الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية جامعة الدول العربية حول واحدة من أكثر قضايا السياسة الخارجية المصرية صعوبة وحساسية، وهي البناء الإثيوبي لسد النهضة. حيث شاركت قطر في رئاسة الاجتماع، ولهذا يأمل المصريون أن تؤدي عملية خفض التصعيد مع الدوحة إلى انسحاب قطر من دعم مشروع سد النهضة، التي قامت به في السنوات الأخيرة ولقد نفت إثيوبيا مرارًا وتكرارًا أي تورط مالي من قطر في تمويل بناء سد النهضة بقيمة 5 مليارات دولار.

إن قضية بناء سد النهضة على نهر النيل تدخل بشكل خطير في مصلحة مصر من حصتها في هذا النهر. وفي أبريل 2011، بدأت إثيوبيا في بناء سد النهضة على نهر النيل، أحد المصادر الرئيسية للمياه لدلتا النيل المصرية. وتعتمد مصر على نهر النيل في 90 في المائة من مياه الشرب، وأي انخفاض في إمدادات المياه سيكون له عواقب اجتماعية واقتصادية مدمرة على القاهرة، وهنا تجدر الاشارة إلى أن أديس أبابا تصر على سد النهضة وتستثمر فيه حوالي 4.6 مليار دولار وذلك من أجل انتاج الطاقة، بالإضافة إلى تحسين الدخل القومي لشعبها من أجل القضاء على الفقر في هذا البلد.

ومع ذلك، وعلى الرغم من عقد عدة جولات من المحادثات بوساطة أطراف دولية مثل الولايات المتحدة وجامعة الدول العربية، لم يتم التوصل بعد إلى شروط اتفاق دائم. وخلال السنوات الماضية، خاصة منذ 2017 وانضمام مصر إلى حصار قطر، أصبحت قضية سد النهضة رافعة بيد قطر لمعاقبة مصر. ومن القضايا المهمة الأخرى لمصر، التي تسعى إلى مواءمة دور قطر مع مصالحها الخاصة، الوضع في فلسطين والحرب الإسرائيلية الأخيرة مع مقاومة غزة. حيث تعد قضية إعادة بناء اعمار غزة من أهم القضايا هذه الأيام في تطور التوترات بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني. وفي هذا الصدد، أظهرت قطر في السنوات الأخيرة نفسها كداعم لإرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة. ولقد لعبت مصر لعبت دورًا مهمًا في تشكيل اتفاق وقف إطلاق النار الأخير والمحادثات بين الفلسطينيين في السنوات الأخيرة. وعليه، ونظراً لمشاكل مصر المالية، يبدو أن القاهرة تسعى لدفع قطر للعب دور في إعادة إعمار غزة.

وفي السياق يمكن القول إن حاجة مصر للمصالحة مع قطر تعود لأسباب اقتصادية أكثر منها سياسية كونها تعاني من تراجع الاستثمار الأجنبي، وتفاقمت الأوضاع سوءاً بسبب جائحة كورونا، وتعزيز العلاقات مع قطر يمكن أن يساهم في تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مصر، خاصة مع وجود أكثر من ربع مليون مصري يقيمون في قطر ويمكن أن تساهم زيادة تحويلاتهم في دعم الاقتصاد المصري، عدا عن الاستثمارات القطرية سواء الحكومية أو الخاصة والتي واجهت العديد من التحديات خلال السنوات السبع الماضية، ولكنها لم تتوقف مثل شركة الديار القطرية التي حافظت على مشروعاتها البالغ مجموعها 3 مليارات دولار، كما ساهمت شركة قطر للبترول في إطلاق الشركة المصرية للتكرير بقيمة 4.4 مليار دولار وذلك في عام 2019. إذاً مصر هي المستفيد الأكبر من مصالحتها لقطر واستئناف العلاقات الدبلوماسية سيفتح مزيداً من الدعم الاقتصادي والاستثمار في العقارات، والسياحة والطاقة والبنوك، وربما على مستوى الصناعة العسكرية عبر شركة برزان القابضة المملوكة لوزارة الدفاع القطرية.

حل وسط لعزل الإخوان المسلمين في مصر

جزء آخر من نهج الحكومة المصرية لتهدئة التوترات مع تركيا وقطر هو ضمان عدم تأييدهما لجماعة الإخوان المسلمين داخل مصر. وعلى الرغم من القمع الشديد بعد الانقلاب العسكري على حكومة “محمد مرسي” السابقة في مصر، إلا أن جماعة الإخوان لا تزال أهم قوة معارضة داخلية ضد حكومة “السيسي” وتتمتع بشعبية كبيرة داخل الاوساط المصرية. وفي هذا السياق، يبدو أن جزءًا من شرط القاهرة لإعادة بناء العلاقات مع قطر وتركيا هو قطع الدعم المالي عن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، خاصة من خلال قوة الإعلام والدعاية القطرية وهذه القضية نراها في صمت تركيا وقطر على صدور حكم الإعدام بحق قيادات الإخوان في مصر.


كما تضمنت قائمة التفاهمات المصرية القطرية الأزمة الليبية نظراً لنفوذهما داخل ليبيا، وخاصة مع تعدد التقارير الإعلامية التي تتحدث عن وجود تضارب في المواقف السياسية والعسكرية بين كل من مصر والإمارات فيما يتعلق بالشأن الليبي، وخاصة مع إعلان القاهرة دعمها الكامل لحكومة الوحدة الوطنية الليبية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار السياسي. ومع التعدد في القضايا محل الاهتمام المشترك، سياسياً وأمنياً وعسكرياً بين كل من القاهرة والدوحة، وتأثير هذه الملفات ليس فقط على علاقات الدولتين ولكن على الكثير من التفاعلات في المنطقة، تبقى هناك قضايا معلقة، حول الموقف من جماعة الإخوان المسلمين، وحديث الإعلام في مصر عن قائمة من المعارضين السياسيين المصريين في قطر، وكذلك ملف الإعلام سواء المصري الذي هاجم قطر بضراوة خلال السنوات السبع الماضية واتهمها بدعم وتمويل الإرهاب، أو الموقف المصري من قناة الجزيرة، والتي يتهمها بإثارة الأزمات في مصر

وفي الختام يمكن القول في هذا السياق، إن وجود نظام يدير علاقاته الخارجية بمنطق المساومة والابتزاز والصفقات، مثل النظام المصري، يمكنه تجاوز خلفيات المرحلة الماضية كاملة، إذا وجد أن الطرف المواجه يوفر له مكسباً مادياً أياً كان حجم هذا المكسب، وهي نفس السياسة التي تبناها مع النظام الإماراتي والنظام السعودي داعمي انقلابه 2013 وما بعده.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق