حلف مصريّ – سودانيّ لمواجهة التهديدات الإثيوبيّة.. هل ينجح
بعد الفشل التام الذي رافق مفاوضات ملف “سد النهضة” الإثيوبيّ خلال الأعوام الماضية بين مصر والسودان وإثيوبيا، وعقب تشكيل ما يشبه غرفة عمليات مشتركة بين القاهرة والخرطوم لرسم مسار جديد للمفاوضات المتعثرة والتعنت الإثيوبيّ، اتهمت الحكومة المصريّة أديس أبابا باستخدام سد النهضة “لأغراض سياسيّة”، مشيرة أنّها تعمل على إحداث فرقة بين دولتي المصب (مصر والسودان) والدول الإفريقيّة، فيما تضع السودان شروطاً عدة للقبول بالاتفاق، وتتطالب مصر والسودان بتشكيل رباعية دوليّة، يقودها الاتحاد الأفريقي، ويشارك فيها رباعية دوليّة، تقودها جمهورية الكونغو الديمقراطيّة، بمشاركة كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبيّ والأمم المتحدة، لضمان جديّة المفاوضات وهو ما ترفضه إثيوبيا.
تُصر إثيوبيا على قضيّة إنتاج الطاقة من سد النهضة بعد نجاح عملية الملء الثاني في أغسطس/ آب القادم، وقد استبقت المباحثات الأخيرة بإعلانها بذل جهوداً مضاعفة لإنتاج أول طاقة من السد بعد عدة أشهر، في الوقت الذي يرغب فيه السودان بالتوقيع على كل ما اتُفق عليه بالفعل في المفاوضات الثلاثيّة، ووضع بنود لضمان استمرار المحادثات حتى بعد ملء السد المقرر في يوليو/ تموز القادم، إضافة إلى التزام المفاوضات بجدول زمنيّ، فيما تطلب مصر اتفاقاً ملزماً قانونيّاً بشأن تشغيل وملء خزان السد، وتعتبر المساس بالمياه المصريّة “خطاً أحمر” سيؤثر في استقرار المنطقة بشكل كامل.
وبالتزامن مع التعنت الإثيوبيّ، وسعي أديس أبابا لفرض سياسة الأمر الواقع، في ظل صعوبة اتخاذ قرار التصعيد العسكريّ من قبل مصر والسودان وإخال المخاطرة الإقليميّة والدوليّة على المنطقة، بيّن وزير الري المصريّ، محمد عبد العاطي، أنّ “إثيوبيا تستخدم سد النهضة لغرض سياسي وليس لأغراض فنيّة”، مؤكّداً أنّ “الاتحاد الإفريقيّ لم يقدم حلولاً لأزمة السد الإثيوبيّ”، في ظل مساع إثيوبيّة لإحداث فِرقة بين دولتيّ المصب والدول الإفريقيّة.
وفي ظل التنسيق بين السودان ومصر الذي وصل لأعلى درجاته بجانب التشديد على رفض أيّ إجراءات أحاديّة تهدف لفرض الأمر الواقع والاستئثار بموارد النيل الأزرق، تتطابق تقريباً المواقف السودانيّة والمصريّة، حيث شدّد عبد العاطي على أنه ليس لدى إثيوبيا إرادة سياسية لتوقيع اتفاق قانونيّ ملزم لملء السد، ونوه بوجود مشكلات فنية في سد النهضة، وتحدث أنّ في إثيوبيا قوى متصارعة تزايد على مصلحة البلد بغض النظر عن نوايا الدول التي تمول سد النهضة، مؤكّداً أنّ بلاده لن تسمح بحدوث أزمة مياه، وأن مبدأ بيع المياه الإثيوبيّ غير مطروح، وخاصة أنّ احتياجات مصر من المياه تبلغ 114 مليار متر مكعب، وما يتوافر هو 60 مليار متر مكعب فقط.
بالمقابل، قالت وزيرة الخارجية السودانيّة، مريم الصادق المهدي، في وقت سابق، إنّ الملء الثاني للسد من دون اتفاق قانونيّ يمثل “خطراً حقيقيّاً” على السودان، مشيرة إلى أنّ التعنت الإثيوبيّ قد يجر المنطقة إلى “مزالق لا تحمد عقباها”، وقد شهدت الأشهر الأخيرة تحولاً كبيراً في موقف السودان، حيث اقترب بشكل كبير من الموقف المصريّ باتجاه الدفع لتوقيع اتفاق ملزم مع إثيوبيا قبل ملء السد، وبرزت أصوات كثيرة تشكك في هيكل بناء السد ومخاطره على السودان، وتؤكد أن تراجع منسوب مياه النيل المتدفقة للسودان قد يؤثر عليها أكثر من مصر، باعتبار أن الأخيرة لديها احتياطي ضخم حول سد أسوان.
ومؤخراً جددت القاهرة والخرطوم دعوة المجتمع الدوليّ من أجل المساعدة في حل نزاعهما المستمر منذ عقد مع إثيوبيا حول السد العملاق الذي تشيده على النيل الأزرق، الرافد الرئيسيّ لنهر النيل، وتمسكتا بضرورة التوصل لاتفاق دوليّ ملزم ينظم مراحل الملء، وكمية المياه التي تطلقها أديس أبابا في اتجاه مجرى النهر، لاسيما في حالة حدوث جفاف لعدة سنوات، -وهو ما ترفضه إثيوبيا-، واعتبرتا أن الخطة الإثيوبيّة القاضية بإضافة 13.5 مليار متر مكعب من المياه الشهر القادم إلى خزان السد تشكل تهديدًا لهما.
واستمراراً للنزاع المستمر بين الدول الثلاث حول سد النهضة الواقع على النيل الأزرق، حذر السودان مراراً من أن مضي أثيوبيا قدماً في ملء خزان السد في يوليو/ تموز المقبل، سيهدد حياة نصف سكان وسط السودان، وقبل أيام أكّد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أنّ بلاده ترغب في التوصل إلى حل لأزمة سد النهضة الإثيوبي عبر المسار التفاوضيّ، وذلك بعد يوم على موقف عربيّ داعم للقاهرة والخرطوم، سارعت إثيوبيا إلى التعبير عن “انزعاجها” منه، بحسب مواقع إخباريّة.
وما ينبغي ذكره أنّ الاتحاد الأوروبي حث الحكومة الإثيوبيّة على التوصل لاتفاق مع مصر والسودان حول سد النهضة، وأكّد المبعوث الأوروبي إلى إثيوبيا والسودان، بيكا هافيستان ، عزم الاتحاد الأوروبيّ مع الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقيّ على مساعدة الدول الثلاث من أجل التوصل إلى حلول وسط، تضمن حقوق كل من مصر والسودان وإثيوبيا، مشدّداً على أهمية التوصل إلى اتفاق انتقاليّ حول الملء الثاني لسد النهضة، في انتظار الاتفاق النهائيّ حول مختلف جوانب تشغيل هذا المشروع الضخم، الذي أثار منذ سنوات ريبة مصر والسودان.
كذلك، دعمت الجامعة العربيّة المواقف السودانيّة والمصريّة، حيث لفت الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، إلى إن الاجتماع المرتبط بسد النهضة، والذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة، جاء بناء على طلب مصر والسودان، موضحا أنه جاء على هامش الاجتماع التشاوريّ، وذكر أن الاجتماع العربيّ أثار نقاطا مهمة، وأولها أن الأمن المائي لمصر والسودان والذي يشكل جزءاً من الأمن القوميّ العربيّ، موضحا أنها المرة الأولى التي يعلن فيها هذا الأمر، أما الثانية، فهي مطالبة مجلس الأمن بعقد اجتماع حول هذه القضيّة، فيما رفضت إثيوبيا ما أسمته “تدويل وتسييس” أزمة السد والموقف العربي منه، داعية القاهرة والخرطوم إلى “العودة إلى الطريق الصحيح” للتفاوض بدلاً من نقل الملف للمحافل الإقليميّة والدوليّة.
ومن الجدير بالذكر أنّ أديس أبابا بدأت مرحلة ملء خزان السد العام المنصرم، على الرغم من مطالبة دولتي المصب بأن يتم الاتفاق بين الأطراف الثلاثة أولاً، ودخلت العواصم الثلاث في محادثات فاشلة بدأت عام 2011، وترى إثيوبيا أنّ السد يشكل عاملاً رئيسيّاً في خططها لتصبح أكبر مصدّر للطاقة في إفريقيا، بحيث يوفر الكهرباء لـ65 مليون إثيوبيّ محرومين منها، في حين تخشى مصر التي تحصل على أكثر من 90 % من مياهها العذبة الشحيحة من نهر النيل، أن يؤدي السد إلى تدمير اقتصادها، ويشعر السودان بالقلق لما يمثله سد النهضة من تهديد مباشر لخزان مدينة “الروصيرص” الواقع في ولاية النيل الأزرق بالسودان على الضفة الشرقيّة لنهر النيل، إذا تم الملء والتشغيل دون اتفاق وتبادل يومي للبيانات.
وإنّ التحركات المصريّة التي كان آخرها زيارة جنوب السودان هدفها إيجاد وساطة دوليّة لحل الأزمة، من خلال خلق تحالف مصريّ – سودانيّ لدفع الأطراف الدوليّة والإقليميّة للتدخل في قضية سد النهضة حتى لا تصل الأمور إلى صراع وحرب بين الأطراف، فالقوى الدوليّة ليس من مصلحتها أن تشهد منطقة الشرق الأفريقيّ حرباً متعددة الأطراف، لأنّ تداعياتها ستكون كبيرة في مسائل الهجرة والهشاشة الأمنيّة وانهيار السلطة والأنظمة في المنطقة، وبالتالي ربما تقوم الضغوط الدولية بالتدخل وإيجاد اتفاق ترضى عنه الأطراف الثلاثة.
أما ما يخص مقترح تشكيل رباعيّ دوليّ، لحلحلة أزمة ملف سد النهضة، يشير البعض إلى أنّ حدوث ذلك ممكن جداً في حال شعرت الدول الكبرى بخطورة المشهد أو في حال اقتراب حدوث حرب، وبعدها ربما تؤثر الضغوط الدوليّة على الدول الثلاث للوصول إلى حل يرضي الجميع، لأنّ خلاف ذلك سيكون خيار التصعيد وبالأخص على الحدود السودانيّة الإثيوبيّة.
وباعتبار أنّ مصر حريصة على تحسين علاقتها مع السودان ودعمه في أيّ صراع محتمل بذريعة المشاكل الحدوديّة، يُعتقد أن القاهرة تملك سلسلة خيارات أخرى كدعم متمردي “التيغراي” في مواجهة حكومة أديس أبابا، ودعم الطوائف العرقيّة التي لها خلافات مع الحكومة الإثيوبيّة وأمهرة (مجموعة عرقية تعيش في وسط مرتفعات إثيوبيا)، إضافة إلى خيار دعم الخرطوم عسكريّاً في حال حدوث صدام مع الجارة الإثيوبيّة في الفترة المقبلة.
وتعزو الكثير من التحليلات التقارب بين مصر والسودان إلى وجود “تهديد مشترك” في ظل التعنت الإثيوبيّ في أزمة سد النهضة، ناهيك عن تغير الإدارة السودانيّة وتولي الجيش الحكم، وهذه النقطة تجمع البلدين بقوة حيث إنّ السيسي والبرهان يمثلان القوات المسلحة في بلديهما، وهما أقرب لبعضهما في كثير من النواحي وبالأخص التحديات المشتركة التي يواجهانها.
خلاصة القول، من غير المتوقع أن تلتزم إثيوبيا بطلبات مصر والسودان، مع ارتفاع احتماليّة أن تعود الدول الثلاث إلى مفاوضات أخرى أكثر ايجابيّة بالاستناد إلى الرغبة الدوليّة، حيث إنّ مفاوضات سد النهضة لا تزال تواجه جموداً كبيراً إثر خلافات حول آلية التفاوض، وسط جهود يقودها رئيس الكونغو الديمقراطية رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقيّ، لتقريب وجهات النظر بين الأطراف والوصول إلى اتفاق مشترك.
المصدر/ الوقت