واشنطن تقود المعركة: ممنوع سقوط مأرب
وكالات ـ الرأي ـ
لم تكن الولايات المتحدة، في الجولة التفاوضية الأخيرة في شأن اليمن، منحازة إلى جانب حليفتها السعودية فحسب، بل بدت متقدّمة عليها في التشدّد في مطلب وقف إطلاق النار في مأرب، قبل تلبية أيّ مطلب من مطالب صنعاء المتّصلة بالملفّ الإنساني.
تشدّد بات واضحاً أن خلفه إرادة أميركية بعدم السماح بسقوط المدينة، لما سيعنيه ذلك من انفتاح الباب أمام الجيش اليمني و”اللجان الشعبية” نحو الساحل الغربي وباب المندب، حيث خطوط الصراع مع الصين لا تفتأ تتكاثر. ومن هنا، لا يعود مستغرباً أن تتصدّر واشنطن، بنفسها، قيادة معركة مأرب، حيث تشرف على الخطط والعمليات، وتؤمّن التسهيلات اللازمة لمنع سقوط المدينة بيد قوات صنعاء.
لم تلتزم السعودية بالوعد الشفوي الذي قطعته للجانب العُماني، الذي زار وفد منه العاصمة اليمنية صنعاء الأسبوع الماضي، بالموافقة على فصل المسار الإنساني (فتح مطار صنعاء لوجهات محدّدة، والسماح بتدفّق البضائع والمشتقّات النفطية إلى ميناء الحديدة) عن بقية المسارات.
إذ كان من المقرّر، حين العودة إلى مسقط، البدء بصياغة الاتفاق، وتحويله إلى نصّ مكتوب، غير أن الرياض تراجعت عن التزاماتها، من خلال وضع شروط؛ أبرزها وقف الهجوم على مأرب.
شرطٌ بدا واضحاً، خلال الجولة التفاوضية الأخيرة، أن الجانب الأميركي بات أكثر تشدّداً من نظيره السعودي في فرضه، في إطار محاولاته المستمرّة منع اليمن من القيام بأيّ دور جيوبوليتيكي في الإقليم والعالم.
وفي هذا الإطار، لا تخفي واشنطن سعيها إلى تأمين مجموعة مصالح في آنِ واحد، هي المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر وباب المندب، والمصالح الأميركية في بحر العرب والمحيط الهندي، والمرتبطة بالصراع مع الصين، والذي لا يبدو أن تركيز الولايات المتحدة عليه يصبّ في مصلحة إنهاء الحرب على اليمن.
فبالإضافة إلى المعضلات المستعصية والشروط السياسية الصعبة التحقيق للجانبين اليمني والسعودي، يأتي الصراع الأميركي ــــ الصيني على المضائق والخطوط التجارية البحرية والجزر الحيوية، والذي يشكّل اليمن إحدى ساحاته البارزة لما يتمتّع به من موقع جغرافي مميّز، يخوّل من يسيطر عليه قطع الطريق على الطرف الآخر.
وفقاً لمعلومات «الأخبار»، فإن الاستماتة الأميركية السياسية، وحتى العسكرية، في الحيلولة دون استعادة «أنصار الله» مدينة مأرب والمنشآت النفطية والغازية في المحافظة تدخل في إطار السعي إلى منع اليمن من الاستفادة من موقعه الاستراتيجي.
إذ إن واشنطن تعتقد أنه في حال تحرير المدينة، ستصبح إمكانية استفادة اليمن من موقعه (برّه وبحره وجزره وشواطئه ومضائقه وحدوده وثرواته الطبيعية) متوفّرة على نطاق واسع، وأن الوجهة التالية للجيش اليمني و”اللجان الشعبية” بعد مأرب ستكون استعادة الجغرافيا الشمالية (ذوباب وجبال كهبوب التي خسرتها عام 2017) المطلّة على باب المندب.
هذا فضلاً عن أن استعادة المدينة تُوفّر لـ”أنصار الله” ميزات عديدة كون المحافظة تقع على مفترق طرق بين العديد من المحافظات المحتلة.
لذا، أدرجت الدبلوماسية الأميركية معركة مأرب في صلب اهتماماتها في الشرق الأوسط، حيث وضعتها على رأس جدول أعمال المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، الذي وصل به الأمر في إحدى الجولات التفاوضية إلى التهديد بلغة جازمة بأنه في حال عدم توقّف المعركة “سيكون لنا كلام آخر”.
كذلك، لا تغيب مأرب عن تصريحات المسؤولين الأميركيين كافة في الخارجية والأمن القومي والدفاع، إذ يدأبون أسبوعياً على إطلاق تهديدات صريحة للجانب اليمني في حال استمراره في الهجوم. كما تنخرط وسائل الإعلام الأميركية، إلى جانب الإسرائيلية والخليجية، في خطّة هادفة إلى إحداث تأثير معنوي سلبي على صنعاء، عبر التركيز على عبثية الهجوم ولاجدوى استعادة المدينة والمنشآت الحيوية.
وفي المعلومات أيضاً أن ضبّاطاً أميركيين وبريطانيين، إلى جانب نظرائهم السعودييين، يديرون العمليات العسكرية بشكل مباشر، ويشرفون على الخطط والتكتيكات التي تُنفّذ من قِبَل الفصائل المسلحة، كما يديرون عمليات سلاح طيران التحالف السعودي ــــ الإماراتي، والذي لا يغيب عن سماء الجبهة طوال الوقت.
كذلك، سُمح لعناصر “داعش” و”القاعدة” الذين فرّوا من محافظة البيضاء، بالقتال إلى جانب القوات الحكومية، ليتمّ تسليمهم محاور كاملة، ويُزوّدوا بالأسلحة كافة التي بحوزة قوات الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، فيما توقّفت الطائرات من دون طيار الأميركية عن ملاحقتهم، ولم تُسجّل في عهد إدارة جو بايدن أيّ عملية جوية تستهدف “القاعدة” في اليمن، على عكس السنوات الماضية.
وبالعودة إلى موقع اليمن الاستراتيجي، فإن باب المندب يشكّل أحد أضلع ما يسمّى “المثلّث الذهبي”، إلى جانب مضيق هرمز ومضيق ملقا.
وإن كان مضيق هرمز يحوز أهمية كبيرة لدوره في تدفّق النفط إلى دول العالم، فإن باب المندب، الذي لطالما كان من أبرز أسباب الصراع الذي عاشه اليمن عبر التاريخ، يمثّل اليوم أيضاً واحداً من أهمّ عوامل النزاع، ولا سيما بالنظر إلى حجم القوات الدولية التي تمّ الدفع بها إلى المنطقة بحجة حماية خطّ الملاحة الدولي في هذا الممرّ، ومنطقة البحر الأحمر وخليج عدن.
ويُصنّف اليمن على أنه دولة بحرية، إذ إن لديه شريطاً ساحلياً بطول 2500 كيلومتر يحيط به من الغرب والجنوب، وعلى امتداده موانئ مهمّة وعشرات المدن الساحلية والجزر الحيوية في بحرَي العرب والأحمر.
موقعٌ متميّز زاده بعداً إضافياً الحضور المتجدّد للصين بعد غياب طويل عن المنطقة، حيث تسعى بكين إلى إيجاد موطئ قدم لحماية مصالحها، وتأمين تجاراتها من خلال حماية الممرّات المائية. وقد سلّطت المناورات البحرية المشتركة التي جرت في الأسبوع الأخير من عام 2019، بين كلّ من روسيا والصين وإيران في بحر العرب والمحيط الهندي، الضوء على تعاظم الدور الصيني في المنطقة.
وافتتحت الصين، في صيف عام 2017، أوّل قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في جيبوتي (مقابل باب المندب من الجهة الأفريقية)، لاستخدامها في إمداد سفن القوات البحرية التي تشارك في مهام حفظ السلام والإغاثة قبالة سواحل الصومال واليمن. ووفقاً لتقارير غربية، فإن الصين تسعى إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، وتثبيت نفسها كقوة عظمى في منطقة البحر الأحمر وخليج عمان، إضافة إلى المحيط الهندي.انتهى
طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق