“هنية” في بيروت و”لبيد” في الامارات.. مواجهة بين معسكرين قد تؤثر في رسم معادلات جديدة في المنطقة
تُظهر التطورات في منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وخاصة في الأسابيع الأخيرة بعد الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة، خلق محورين متنافسين بين الدول العربية، المحور الأول يتجاهل التزاماتها تجاه مُثُل الأمة الإسلامية، ويمضي في طريق تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني والاستسلام للضغوط الأمريكية والغربية، والمحور الثاني هو نهج المقاومة الإقليمية الذي حقق في السنوات الأخيرة إنجازات مختلفة في محاربة العدو الصهيوني والتصدي للتيارات العميلة في المنطقة.
مواجهة معسكر التطبيع مع معسكر محور المقاومة الإقليمية
يمكن رؤية مؤشرات هذا التطور في الزيارتين الدبلوماسيتين الاخيرة، وفي الحالة الأولى، توجه “إسماعيل هنية”، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية “حماس”، إلى لبنان ولقائه بمسؤولين سياسيين لبنانيين وقيادات في “حزب الله” اللبناني. بمن فيهم الأمين العام لحزب الله السيد “حسن نصرالله”. وأما الزيارة الثانية، فكانت تتعلق بسفر وزير الخارجية الإسرائيلي إلى الإمارات، وهي أبرز زيارة يقوم بها مسؤول صهيوني إلى الإمارات في تاريخ هذين النظامين. وخلال هذه الزيارة، توجه “لبيد” إلى أبو ظبي ودبي، وقام بالاجتماع بالمسؤولين السياسيين الإماراتيين، والتقى أيضًا ببعض أمراء الدولة وشيوخ القبائل، كما حضر حفل افتتاح السفارة الإسرائيلية في الإمارات. لقد أصبحت مواجهة المشروع الصهيوني مع المُثل العربية المحور الرئيس للتطورات في المنطقة على مدى الثمانين عاما الماضية. وتُظهر آخر التطورات في معسكري التطبيع والمقاومة أن هذا النضال قد شهد عدة نقاط تحول في حياته، بدءاً من مفاجأة الشعب الفلسطيني والدول العربية بإعلان قيام الكيام الصهيوني وقيام الدول العربية في المنطقة بمواجهة المعتدون الصهاينة في الستينيات والسبعينيات، وحتى هزيمة الدول العربية ضد إسرائيل خلال حربي 1967 و 1973، حيث تراجع هذا المشروع وأصبحت معادلة الردع تصب في مصلحة الصهاينة. وخلال تلك السنوات، وقعت الأردن ومصر، بصفتهما رواد التسوية مع الكيان الصهيوني، اتفاقيات “كامب ديفيد ووادي العرب” مع إسرائيل، وتوصلت السلطة الفلسطينية في ذلك الوقت إلى اتفاق “أوسلو” خلال مفاوضات طويلة الأمد مع إسرائيل.
مصالح “لا شيء تقريبا” جناها المطبعون السابقون من الكيان الصهيوني
على الرغم من أن عملية المفاوضات التي استمرت 40 عامًا قد شهدت توترات واسعة النطاق حتى الآن، وفشلت في تحقيق أي من أهدافها في سياق تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وهنا نرى بأن الرئيس المصري الأسبق “حسني مبارك”، لم يتمكن من استخدام علاقاته مع الكيان الصهيوني لمنع سقوطه من الحكم في مصر، ولم يستطع الأردن أيضا التخلص من الوضع الاقتصادي المؤسف خلال العقود الماضية عقب التطبيع مع الكيان الصهيوني. كما أن “محمود عباس”، رئيس السلطة الفلسطينية، وخلال ثلاثة عقود من المفاوضات والتعاون الأمني الأقصى مع الكيان الصهيوني، ورغم أنه قدم عدة تنازلات للكيان الصهيوني ووقف كحجر عثرة أمام الانتفاضات الشعبية في فلسطين المحتلة، إلا أنه فشل في تحقيق أدنى المكاسب في حل القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية. لقد أظهرت التجربة التفاوضية مع الكيان الصهيوني في الحالات الثلاث السابقة بوضوح أن إسرائيل لم تكن ملتزمة بالوفاء بالتزاماتها ولأسباب مختلفة تنصلت من التزاماتها السابقة. ولكن في الوقت الذي تسارعت فيه التطورات في المنطقة بشكل كبير نحو تعزيز مكانة المقاومة في المنطقة، أعلنت عدد من الدول العربية في المنطقة عن استعدادها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
الإفلاس السياسي للمعسكر الصهيوني الغربي في الشرق الأوسط
تظهر التوازنات العسكرية والاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط خلال العقد الماضي فشل المؤامرة الكبرى للولايات المتحدة والكيان الصهيوني مع بعض الأنظمة الإقليمية التي وقفت ضد سوريا واليمن، حيث رأينا الخسائر التي مُني بها نظام “آل سعود” وتحالفه الدولي في اليمن، والحرب التي كان من المفترض أن تنتهي في شهرين بتحقيق الأهداف السعودية، أغرقت السعوديين في مستنقع خلال السنوات الست الماضية لا يمكن تصوره. وفي الوقت نفسه، قوبلت اعتداءات الكيان الصهيوني المتكررة على لبنان وسوريا وقطاع غزة بمقاومة من محور المقاومة، وبحسب وسائل إعلام وشخصيات سياسية إسرائيلية، فقد فشل الجيش الصهيوني الذي وقف سابقا ضد ست دول عربية في هزيمة حزب الله في لبنان، والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. وعلى الرغم من كل هذه التطورات الدولية، فقد سقط الكيان الصهيوني في مأزق سياسي ولم يتمكن من تشكيل حكومة قوية على الرغم من الانتخابات المبكرة التي تكررت لعدة مرات بسبب الخلافات الجوهرية بين الأحزاب السياسية. إن ميل بعض الأنظمة العربية إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل في مثل هذه الحالة يدل على أن هذا القرار لم يتم اتخاذه بناءً على الإرادة الاستراتيجية لمسؤوليها، ولكن نتيجة الضغط الأقصى لإدارة الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”. وبحسب تقارير إعلامية فقد حضر البحرينيون مراسم توقيع اتفاق مع الكيان الصهيوني إلى جانب الإمارات في وقت لم يكن فيه الوفد البحريني على علم بمضمون الاتفاق الذي وقع عليه.
إنجازات المقاومة ضد الكيان الصهيوني
وأمام هذا المعسكر، وصلت حركة المقاومة على مدى العقدين الماضيين إلى وضع من القوة لم تتمكن الدول العربية الست من تحقيقها في الماضي خلال مواجهتها للكيان الصهيوني. ففي عام 2000، تمكن حزب الله اللبناني من تحرير المناطق التي احتلها الكيان الصهيوني لأول مرة بالمعدات العسكرية البسيطة. وفي عام 2006، شن مجلس الوزراء الإسرائيلي حربًا واسعة النطاق على لبنان، ووفقًا للجنة التحقيق الإسرائيلية، فقد جاءت هذه الحرب من أجل القضاء على حزب الله في لبنان، لكنه لم يفشل في تحقيق هذا الهدف فحسب، بل تكبد خسائر فادحة وفشل فشلاً ذريعاً. وبعد ذلك بعامين هاجم الإسرائيليون قطاع غزة بهدف تعزيز قوة الردع ضد محور المقاومة، وهو هجوم تكرر عدة مرات، لكن الإسرائيليين فشلوا في تحقيق أهدافهم في أي من هذه الهجمات. ونتيجة لهذه الهجمات، وجدت الأراضي المحتلة والمستوطنون الصهاينة أنفسهم في ساحة المعركة وقضوا أيامًا متتالية في الملاجئ أو هاجروا إلى أجزاء أخرى من الأراضي المحتلة. ويدرك الكيان الصهيوني الآن جيدا أن كل مناطق الأراضي المحتلة مستهدفة بصواريخ “حزب الله” الدقيقة، وأن إسرائيل لم تعد تملك القوة للقضاء على محور المقاومة، حتى في قطاع غزة. وتتجلى هذه المعادلة بشكل جيد في الحرب الإسرائيلية الأخيرة في غزة، حيث ألحق الإسرائيليون، أثناء شنهم الحرب، أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية للمنطقة المحاصرة، لكنهم فشلوا في القضاء على المقاومة الشعبية، التي أطلقت بدورها صواريخ على الأراضي المحتلة وألحقت الكثير من الأضرار العسكرية والاقتصادية بإسرائيل.
مقارنة تكاليف التطبيع والمقاومة
عند مقارنة مكاسب معسكر الطبعين مع الكيان الصهيوني بدءاً من مصر وانتهاء بالامارات العربية المتحدة، يظهر لنا أن تكاليف التطبيع مع إسرائيل تفوق بكثير تكاليف مقاومت هذا الكيان الغاصب. إن مجلس الوزراء الإسرائيلي، الذي يعاني حاليًا من ظروف انكماشية غير مسبوقة في الاقتصاد الإسرائيلي، يرى الإمارات منقذًا اقتصاديًا لها، ولهذا السبب، وعلى الرغم من الحصار الذي تفرضه العديد من الدول على طرق الوصول إلى الأراضي المحتلة بسبب “كورونا”، إلا أن الممرات الجوية الإماراتية إلى الأراضي المحتلة ليست مغلقة. ولقد وضعت وزارة الاقتصاد الإسرائيلية سيناريوهات مختلفة بشأن التداعيات الاقتصادية للاتفاقية مع الإمارات، والتي بموجبها سترتفع الصادرات الرسمية إلى الإمارات، والتي تبلغ حاليًا 300 مليون دولار سنويًا، إلى 500 مليون دولار سنويًا، وذكرت القناة “12” الإسرائيلية أن قطاعات الإلكترونيات والإلكترونيات والطبية والمالية وتكنولوجيا الاتصالات ستستفيد أيضا من الاستثمارات والصادرات الإماراتية إلى إسرائيل. وهكذا، يبدو أنه مثلما دخل استخدام مصطلح البقرة الحلوب السعودية في الأدبيات السياسية الأمريكية للولايات المتحدة، يمكن اعتبار الإمارات البقرة الحلوب للكيان الصهيوني لإخراج إسرائيل من الأزمة الحالية.
المصدر/ الوقت