التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, نوفمبر 6, 2024

عودة طالبان وانعكاساتها السياسية والأمنية على إيران 

إستضاف معهد أنديشه سازان نور اجتماعاً متخصصاً وتحليلياً بعنوان “عودة طالبان… الآفاق والتداعيات السياسية والأمنية على إيران”.

وركز الاجتماع في طهران على التطورات الأخيرة في أفغانستان وعودة ظهور طالبان، حيث أعرب الخبراء في القضايا الإقليمية عن آرائهم في هذا الصدد.

الدکتور أسد اللهي: الولايات المتحدة سعت فقط للسيطرة العسكرية والأمنية على أفغانستان

في بداية الاجتماع، رحب الدكتور زاهدي، رئيس مجموعة عمل الدراسات الأفغانية الباكستانية، بالضيوف والإعلاميين الذين حضروا الاجتماع، وشرح الوضع الراهن في أفغانستان.

وقال: يتمثل أحد أوجه القصور الرئيسية في مجال الدراسات الأفغانية في إيران، في عدم وجود رواية إيرانية عن طالبان مقابل الرواية الأمريكية عن طالبان، والرواية الإيرانية للتاريخ المعاصر لأفغانستان مقابل الرواية الأمريكية للتاريخ المعاصر لأفغانستان.

في معهد أنديشه سازان نور للدراسات الإستراتيجية بذلنا قصارى جهدنا لاتخاذ خطوات للقضاء على هذا القصور، من خلال عقد اجتماعات وندوات وإنتاج الأدبيات المكتوبة.

وفي هذا الصدد، وللاستماع إلى آراء الخبراء الإيرانيين بشأن أفغانستان، فإننا في خدمة الأستاذين العزيزين، الدكتور مسعود أسداللهي والدكتور زارعي، الخبيرين في قضايا العالم الإسلامي.

سيتحدث الدكتور أسد اللهي عن دور ومسؤولية الولايات المتحدة، وسيراجع سجل الولايات المتحدة في العقدين الماضيين. كما سيستعرض الدكتور زارعي القضايا الأفغانية ويقدم تحليلًا حول ماهية القضايا والتنبؤ بالتطورات المستقبلية.

الدکتور أسد اللهي: الولايات المتحدة سعت فقط للسيطرة العسكرية والأمنية على أفغانستان/الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يشبه الانسحاب الأمريكي الفاضح من فيتنام

تناول الدكتور مسعود أسد اللهي، الخبير والباحث في دراسات الشرق الأوسط، موضوع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ووصفه بأنه هادئ للغاية ودون تغطية إعلامية، حتى أن وسائل الإعلام الأمريكية لم تتطرق إلى موضوع وأبعاد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، لأن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يشبه الانسحاب الأمريكي الفاضح من فيتنام.

وتابع الدكتور أسد اللهي: “في فيتنام سُجل مشهد مهين للولايات المتحدة، والآن في أفغانستان، حتى لا تتكرر مثل هذه المشاهد، رفضت الولايات المتحدة التغطية الإعلامية لمغادرة أفغانستان. الحقيقة أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان هزيمة كاملة، وتجدر الإشارة إلى أنه لماذا فشلت أمريكا بعد 20 عاماً؟”

من أجل دراسة هذا الموضوع لابد من إلقاء نظرة تاريخية على موضوع وجود القوات الأجنبية في أفغانستان، لأنه في القرن التاسع عشر لم يكن البريطانيون قادرين على السيطرة علی شعب أفغانستان وهزموا، وبعد بريطانيا فشل الاتحاد السوفيتي في أفغانستان في القرن العشرين ورحل بعد 10 سنوات، والآن في القرن الحادي والعشرين نرى هزيمة الولايات المتحدة بعد عشرين عاماً في أفغانستان.

وتجدر الإشارة إلى أن هزيمة البريطانيين في أفغانستان كانت مقدمةً لانهيار الإمبراطورية البريطانية، ووفقًا للعديد من المحللين، فإن الانسحاب السوفيتي من أفغانستان عجل بانهيار الاتحاد السوفيتي، والآن يعدّ انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان مقدمةً لأفول الولايات المتحدة القوة العظمى وحلف شمال الأطلسي.

وأوضح الدكتور أسد اللهي سبب هزيمة القوى العالمية في أفغانستان على النحو التالي: إن الظروف الجغرافية لأفغانستان تجعل من المستحيل على القوى العسكرية الكلاسيكية أن تهيمن على هذا البلد. والقضية الأخرى هي ثقافة الشعب الأفغاني الرافضة للهيمنة، والتي منعت القوى الأجنبية من الهيمنة على البلاد على مدى القرون الثلاثة الماضية، وأخيرًا يأتي دور النسيج الريفي والاجتماعي في أفغانستان الذي يهزم الأجانب في هذا البلد.

في الوقت نفسه، لم يكن للوجود الأمريكي في أفغانستان أي نتيجة. لأنه أينما ذهب الأمريكيون، فإنهم يبحثون فقط عن الهيمنة العسكرية وينفقون الكثير من الأموال في هذه البلدان، لكن هذه التكاليف ليست لتطوير ذلك المجتمع، بل من أجل النزعة العسكرية. ترامب نفسه قال أيضًا إنه أنفق 7 تريليونات دولار في العراق، وإنه إذا أنفقوا حتى مبلغًا صغيرًا على النمو والتنمية في تلك البلدان، لكان بإمكانهم تغيير الكثير في أفغانستان لدرجة أننا لم نعد نشهد الفوضى، لكننا نرى أنه لم يكن هناك تطور اجتماعي أو اقتصادي في أفغانستان، وعلى العكس من ذلك، فقد تم تدمير الكثير من البنية التحتية للعراق وأفغانستان في العمليات العسكرية الأمريكية، والولايات المتحدة تترك وراءها مجتمعًا منهارًا، بما في ذلك العراق الذي لا يملك حالياً الكهرباء على الرغم من موارده في مجال الطاقة.

لذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى السيطرة الأمنية فقط، ولا سيما على أفغانستان، وكانت الولايات المتحدة تحاول جعل أفغانستان مركزًا للتطرف، بحيث تصبح بؤرةً للأزمات في المنطقة لإيران والصين وروسيا.

وأضاف الدكتور أسد اللهي: “في الوقت الحالي، حتى الهند قلقة من التطورات في أفغانستان. ومع ذلك، فإن ظهور التطرف في أفغانستان كان على حساب الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لأنه يمكن خلق التطرف، ولكن لا يمكن السيطرة عليه. في الوقت نفسه، فإن هدف جمهورية إيران الإسلامية هو منع وجود الأجانب في أفغانستان. قبل الثورة الإسلامية، بدأ سباق التسلح في الخليج الفارسي بسبب وجود الأجانب، مما تسبب في توترات في المنطقة. وعلى مر السنين الماضية أيضًا، سعت الولايات المتحدة إلى تحويل كل دولة في المنطقة إلى مركز نفوذ ضد إيران ومركز أزمة، وهذا ممكن عندما يدعم الأمريكيون السياسيين الفاسدين، لأن السياسيين الفاسدين يعتمدون على الأجانب لحمايتهم أنفسهم.

کما أظهرت التجربة أنه كلما تولى المستقلون في المنطقة السلطة، فإنهم يقفون في وجه الولايات المتحدة. لذلك، تؤيد إيران أي انسحاب أميركي من المنطقة. وعلى الرغم من مخاوف طهران بشأن مستقبل التطورات في أفغانستان، إلا أن طالبان تدعي أيضًا أنها قد تغيرت عن الماضي، وهناك أمل في أن تفي طالبان بوعودها بعد وصولها إلى السلطة. لكن في الوقت نفسه، يجب أن نفكر في العواقب والتأثيرات على إيران إذا واصلت الولايات المتحدة وجودها في المنطقة، لأن العديد من الأحداث والأعمال الإرهابية التي وقعت في إيران هي نتيجة الوجود الأمريكي في المنطقة. ولذلك، فإن انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة يعدّ خطوةً إيجابيةً، رغم أن التطورات المستقبلية في أفغانستان لا يمكن التنبؤ بها بدقة.

الدکتور زارعي: الولايات المتحدة تبحث عن مؤامرة جديدة في أفغانستان لمزيد من عدم الاستقرار

بدوره استعرض الدكتور سعد الله زارعي، مدير معهد أنديشه سازان نور للأبحاث، التطورات الحالية في أفغانستان.

وبشأن التقدم الحالي لحركة طالبان في أفغانستان، قال الدكتور زارعي: “إن قضية التقدم الحالي لطالبان في أفغانستان ليست قضيةً جديدةً، لأن تقدم طالبان في أفغانستان مستمر طوال السنوات العشر الماضية. في بعض المناطق تولت طالبان الإدارة، وفي مناطق أخرى لا تزال الحكومة تسيطر رسميًا، لكن السيطرة الحقيقية في أيدي طالبان. لكن ما حدث مؤخرًا هو أن تلك المناطق التي تقدمت فيها طالبان ولم تتحمل مسؤولية الحكم فيها قد تولت المسؤولية الآن، ومن ناحية أخرى تعرضت المناطق الأوزبكية والطاجيكية لهجوم طالبان في الأسابيع الأخيرة.

وأضاف الدكتور زارعي حول وضع المعارك في أفغانستان: “بحسب التقارير، فإن طالبان تسيطر حاليًا علی 183 محافظة، تشكل حوالي 50 بالمائة من المحافظات. کما أن 136 محافظة هي موقع الصراع بين الجيش الأفغاني وطالبان، و 23 ٪ من المحافظات تحت سيطرة حكومة كابول بالكامل. وترتبط التطورات الأخيرة بـ 136 محافظة متنازع عليها بين طالبان وحكومة كابول، والتي تشكل 27 بالمائة من المحافظات.”

کذلك، أكد الدكتور زارعي على التحذير من التطورات الحالية في أفغانستان، وقال في هذا الصدد: “القضية الخطيرة الحالية في أفغانستان هي إجراءات طالبان في المناطق الأوزبكية والطاجيكية، وقد تؤدي هذه الأعمال إلى نوع من الصراع القبلي. والواقع أن الاشتباكات التي كانت تدور بين الحكومة وطالبان في مناطق البشتون، ستؤدي الآن إلى اشتباكات عرقية وقبلية بين البشتون والأوزبك والطاجيك في المناطق الشمالية، وستفاقم هذه الظروف عمق الكارثة وتزيد من عدد الضحايا وتتسبب في التدخل الخارجي، لأن الدول المجاورة لا يمكن أن تكون محايدةً أو صامتةً حيال هذه التطورات؛ إيران على سبيل المثال لا يمكن أن تكون غير مبالية بمصير الشيعة والشعب الأفغاني بشكل عام، مثلما لا يمكن لتركيا أن تكون غير مبالية بوضع الأوزبك، أو طاجيكستان تجاه أوضاع الطاجيك.

وتابع الدكتور زارعي قائلاً: “لأن طالبان تشعر أن المعارضة الوحيدة لتشكيل دولة البشتون والإمارة الإسلامية تأتي من المناطق الشمالية، فقد اشتبكوا مع الجبهة الشمالية لتحقيق السيطرة الكاملة وإعلان الإمارة الإسلامية، وهو أمر غير مقبول لإيران؛ لأن طهران لا تقبل استخدام القوة ودعمت دائمًا الحوار والمصالحة بين الجماعات العرقية في أفغانستان، ولا يمكن لمجموعة عرقية معينة رفض الدستور الأفغاني وفرض قانونها العرقي المنشود على أفغانستان، وبما أن هذه القضية ستتسبب في أزمة إنسانية في أفغانستان، فإن موقف جمهورية إيران الإسلامية هو أنه ينبغي تنحية الصراع والحرب في أفغانستان جانباً، ومناقشة القضايا على أساس الحوار بين الأفغان من خلال مفاوضات شاملة بين جميع الأطراف والجماعات العرقية، وبالطبع ستكون طالبان وشعب البشتون جزءًا من هذه المحادثات أيضًا. کما تعتقد إيران أنه نظرًا لأن البشتون غالبًا ما لعبوا دورًا رئيسيًا في الحکومات الأفغانية في تاريخ أفغانستان – على الرغم من أن هؤلاء لا يتمتعون بأغلبية مطلقة في أفغانستان بل لديهم أغلبية نسبية – ولكن من حقهم لعب الدور الأكثر نشاطاً في مستقبل أفغانستان، لكن ليس لديهم الحق في استخدام القوة والنزعة العسكرية لتشكيل التطورات في أفغانستان.”

وقال الخبير في الشؤون الإقليمية: “لكن بأي حكم ديني يُسمح بقتل مسلم آخر؟ ما هو مبرر قتل المسلمين على يد المسلمين؟ لذلك، فإن مبدأ هذا المنطق غير مقبول من وجهة نظر إيران، وتؤكد إيران أن كل قبائل أفغانستان يجب أن تشارك في الحكم. أي، على الرغم من أن الإصلاح الدستوري هو حق الشعب الأفغاني، ويمكن لطالبان أيضًا أن تطالب بتغييرات دستورية، وهذه هي الطريقة الصحيحة لحل مشاكل أفغانستان، لكن المسار الحالي من خلال عسكرة الأوضاع في أفغانستان قد تسبب في النزوح والذعر في هذا البلد، ورغم أن هذا يعدّ نزوحًا داخليًا، إلا أنه يعني أن إجراءات طالبان الحالية في أفغانستان تسببت في حالة من الذعر، وهذا الأسلوب مخالف لإعلان ومواقف طالبان الحالية التي تدعي الأمن في أفغانستان. لذلك، هناك فرق بين بيان طالبان وأفعالها، وإيران تدعو طالبان للحوار على أساس مصالح الشعب الأفغاني ورغباته.”

وكان موضوع المؤامرة الأمريكية بالتزامن مع مغادرة أفغانستان، نقطةً أخرى ذكرها الدكتور زرعي، حيث قال في هذا الصدد: “النقطة الأخرى هي أن الولايات المتحدة تنفذ حاليًا أسلوبًا في أفغانستان ليس له نتيجة سوی التوتر والاضطراب. لقد تفاوضت الولايات المتحدة عدة مرات في الدوحة وقطعت وعودًا، ولكن لماذا أجلت الولايات المتحدة انسحابها إلى سبتمبر بينما كان من المفترض أن تغادر أفغانستان في مايو؟ لماذا أجبرت الولايات المتحدة طالبان على كسب الأرض بالقوة عبر انتهاك اتفاقها مع الحرکة؟ لماذا تخلت الولايات المتحدة عن مفاوضاتها مع حكومة أشرف غني ولم يتم الإفراج عن سبعة آلاف سجين وعدت الولايات المتحدة طالبان بذلك؟ لقد دخلت الولايات المتحدة أفغانستان باسم الأمن، لكنها تغادر أفغانستان وسط حرب أهلية واضطراب، والسؤال هو لماذا تغادر الولايات المتحدة أفغانستان بينما تعيش أفغانستان حالة أزمة وصراعًا داخليًا؟ هل هذا بسبب عدم القدرة على التواجد في أفغانستان، أم أن هذا الانسحاب مقدمة لمؤامرة جديدة في أفغانستان؟ هل ستسلم الولايات المتحدة دورها للقوات بالوكالة وتضاعف التوتر وتحول أفغانستان إلى سوريا ثانية؟ أليس الانسحاب الأمريكي من أفغانستان مقدمةً لخطة تستهدف الاستقرار في أفغانستان؟ يعتقد الكثيرون أن الولايات المتحدة، بانسحابها من أفغانستان، تسعى إلى إلحاق المزيد من الضرر بالبلاد، والسؤال التالي هو، ما دور الأمم المتحدة في التطورات الحالية في أفغانستان؟ ألا يعني صمت الأمم المتحدة مؤامرةً جديدةً على أفغانستان؟ ألا يعني عدم لعب الأمم المتحدة دورًا أن أفغانستان ستكون أمام مؤامرة جديدة؟”

وفي ختام الاجتماع، بينما شدد الدكتور زارعي على عملية الحوار الداخلي والأفغاني في أفغانستان، رفض أي توترات عرقية وعدم الاستقرار في أفغانستان، معتبراً أن الحل الوحيد للتوتر الحالي هو العودة إلى طاولة المفاوضات بدلاً من ساحة المعركة.
المصدر/ الوقت

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق