مفاجأة مقتدى الصدر.. الدوافع والتداعيات
مقتدى الصدر زعيم الصدريين وداعم تحالف “سائرون” في البرلمان العراقي والذي لطالما كان من أبرز السياسيين على الساحة السياسية العراقية في السنوات الأخيرة، في قرار آخر مثير للجدل في 15 يوليو 2021، أعلن رسميا انسحابه من الانتخابات النيابية المبكرة في البلاد والتي ستجرى في 10 أكتوبر. وقد تناولت وسائل الإعلام والمحللون السياسيون القرار باعتباره قنبلة إخبارية. في هذا المقال، يتم فحص وتحليل انسحاب الصدر من المشاركة في الانتخابات على مستويين من الدوافع، وتحليل النتائج المحتملة للقرار.
دوافع الصدر لإعلان استقالته من العمل السياسي
فيما يتعلق بنيّة مقتدى الصدر الانسحاب من انتخابات تشرين الأول، يمكن النظر في محورين مهمين:
اولاً: الحفاظ على مكانة الصدر الاجتماعية وشرعيته بين مؤيديه: إذ لطالما سعى مقتدى الصدر إلى تحقيق التوازن بين مكانة الصدر الاجتماعية وشرعيته الدينية في خضم الأزمات والأحداث السياسية في السنوات التي تلت عام 2007، عندما حلّ تشكيلات “جيش المهدي” ودخل الانتخابات بشكل تدريجي. في أوقات مختلفة، عُرض على مقتدى الصدر ورفاقه مناصب سياسية مختلفة في مجلس الوزراء، والتي كانت دائمًا مصحوبة بقبول مبدئي، ثم إدارة المسؤولية بطريقة غير متوقعة. في الوضع الراهن، يبدو أن مقتدى الصدر يقيّم مشاركته في انتخابات تشرين الأول على أنها خطوة في اتجاه تقليص شعبيته وشعبية التيارات التابعة له.
ثانياً: الخوف من خسارة الانتخابات: لطالما سعى مقتدى الصدر إلى الاعتراف به كزعيم يتمتع بشخصية كاريزمية أو حتى شخصية بارزة في السياسة والحكومة العراقية في السنوات التي تلت عام 2003. لقد أدلى بتصريحات وأفعال مختلفة في أوقات مختلفة واتخذ مواقف متقلبة. في الوضع الحالي، يسيطر “تحالف سائرون”، بصفته التيار المدعوم من الصدر بـ 54 مقعدًا، وبذلك على أكثر الأصوات في البرلمان. لذلك، يبدو أن مقتدى الصدر يخشى أن تنخفض هذه الأصوات بشكل حاد إذا شارك في الانتخابات. لأن ممثليه أو مقربيه في الحكومة، ولا سيما في وزارة الصحة، لم يؤدوا عملهم بشكل صحيح، وبالتأكيد سيتم استعمال هذه المسألة ضده في الحملات الانتخابية للمجموعات السياسية الأخرى. لذلك يمكن القول إن عمل الصدر هو نوع من الإجراء الوقائي لتجنب الفشل.
تداعيات قرار الصدر بالانسحاب من الانتخابات
على صعيد آخر، إضافة إلى دوافع مقتدى الصدر، يطرح السؤال الآن، ما هي نتائج قرار مقتدى الصدر بالانسحاب من الانتخابات النيابية المبكرة. مما لا شك فيه، إذا استمر القرار الحالي، فإن عدم مشاركة الصدر في الانتخابات سيكون إشارة تحذير لمرشح منصب رئيس وزراء العراق ولكافة التيارات السياسية. يبدو أن عودة الصدر إلى موقع المعارضة، نظرًا لسجله التاريخي المتمثل في عدم الخوف من تنظيم احتجاجات مناهضة للحكومة، تلقي بعبء ثقيل على جميع التيارات السياسية التي فازت في انتخابات تشكيل الحكومة المقبلة.
على صعيد آخر، على الرغم من أن مقتدى الصدر لديه قاعدة اجتماعية كبيرة في وسط وجنوب العراق، فإن هذه الفرضية ستكون غير صحيحة إلى حد كبير إذا لم يشارك اتباعه واتباع “سائرون” في الانتخابات. وعلى الرغم من حصول الصدر على 54 مقعدًا برلمانيًا، إلا أنه من الجدير بالذكر أنه في انتخابات 2018، شارك 44.5٪ فقط من العراقيين في الانتخابات، وهي أقل نسبة مشاركة منذ سقوط النظام البعثي. وحتى لو شُطبت المشاركة الواسعة لمحافظات إقليم كوردستان من العدد الإجمالي للأصوات، فسيكون واضحا أن نسبة الإقبال في المحافظات الشيعية كمركز لمقتدى الصدر كانت أقل من 40 بالمئة. في مثل هذا السياق، فإن خطة مقاطعة الصدر للانتخابات النيابية المبكرة ستؤدي إلى خفض كبير في الأصوات. لأنه في الانتخابات السابقة في المناطق الشيعية وبمشاركة أقل من 40٪ من الشعب، فاز الصدر بأكبر عدد من المقاعد، وهذا يدل على أن ثقله السياسي في الحالة الأكثر تفاؤلاً لا يصل حتى 10٪ من المشاركين.
بشكل عام يمكن القول إن مقتدى الصدر كزعيم سياسي في موقف المعارضة التي تتخذ موقف الناقد، لا يمكن أن يدفع عجلة التقدم في الساحة السياسية العراقية ولا يؤدي إلى وجود حكومة مستقرة لشعب هذا البلد. وخلافا للمقاعد والوزارات الخاضعة لسيطرتهم، فإن تبني قضية المعارضة ورفض قبول المسؤولية على الأرض يمكن أيضا أن يراه العراقيون كنقطة سلبية للصدر، بل وسيقلل من شعبية الصدر وأتباعه في المستقبل.
المصدر/ الوقت