الأكراد والمضي نحو الانفصال عن سوريا
إن اتجاه الأكراد نحو تشكيل “ادارة ذاتية” ذات طابع كردي في الشمال الشرقي لسوريا، باتجاه الحصول على “اعتراف سياسي” بها من قبل المجتمع الدولي، يثير القلق لدى قطاع واسع من السوريين، الذين يخشون أن تكون الخطوة محاولة لتشكيل إقليم في شرقي الفرات، يكون مقدمة لتقسيم سوريا، وخاصة ان الادارة الذاتية قائمة على فكرة القومية وليس المواطنة وبالتالي هناك اقصاء كامل لفئات مختلفة وشرائح متنوعة من الشعب السوري، وهذا يشكل خطراً كبيراً على مستقبل سوريا في ظل انعدام “الديمقراطية”.
الاتجاه نحو الاعتراف بـ”الادارة الذاتية” جاء بدعوة من قائد “قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، الذي دعا إلى المشاركة في حملة إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي أطلقها ما يُسمّى “الإعلام الافتراضي في كردستان”، من أجل نيل اعتراف دولي بـ”الإدارة الذاتية” و”ضمان مستقبل منطقة شمال شرقي سورية”، وفق عبدي. كما دعا عدد من القياديين الأكراد في “مجلس سورية الديمقراطي” (مسد)، وهو الجناح السياسي لـ”قسد” ذو الثقل الكردي، للمشاركة في الحملة، مشيرين إلى أن “الإدارة الذاتية نموذج فعّال لحل الأزمة في سوريا، وشكل حضاري نهضوي يعبّر فيه الشعب عن حقه في تقرير مصيره، وطريقة مثلى في مشاركة السلطات بين المركز والمناطق/ الأقاليم السورية”.
ما الذي تعنيه الحملة التي أطلقتها “الإدارة الذاتية” في شمال سوريا للاعتراف بها، ولمن تتوجه، وهل هي بداية لإعلان كيان مستقل في الشمال السوري؟.
انطلقت الحملة قبل يومين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك عبر “هاشتاغ” يدعو للاعتراف بتلك الإدارة، نشرته الصفحات الرسمية للجهات التي تشرف على مناطق واسعة شمال وشرق سوريا، بهدف “المطالبة بالاعتراف بالإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا”، فمن تخاطب هذه الحملة، ولماذا؟
يقول نائب الرئاسة المشتركة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، بدران جياكرد: “نحن خاطبنا بها الرأي العام وكذلك كل القوى والأطراف الفاعلة، أقصد عبر الهاشتاغ، وأردنا أن تتم رؤية هذه الإدارة والاعتراف بها على أنها وجهة حل، أي عكس ما يتم الترويج له على أننا نقسم سوريا وما شابه، بل العكس نحن أكثر من حافظنا على وحدة سوريا ووحدة مجتمعها وابدينا رؤيتنا في الحل والحوار الوطني ونحن جاهزون دوما”.
وحول ما بدأ يوجه للحملة من أنها خطوة باتجاه إنشاء كيان مستقل في الشمال السوري، يقول جياكرد، إن الإدارة تقدم مشروعها “بوصفه حلا ضمن الحل السوري، ولا نريد أن نطور أي عوامل فصل في ذلك”.
ويضيف: “عندما تتم رؤية الإدارة الذاتية بأنها تمثل الحل فهذا جيد لسوريا عامة لأن الإدارة مشروع وطني سوري يريد الحفاظ على سوريا”.
من الطبيعي جدا أن يدافع المسؤولون الاكراد عن فكرتهم، لكن المعطيات السياسية تشير إلى أن مسعى “الإدارة الذاتية” يواجه عقبات ليس من السهولة تجاوزها للوصول إلى اعتراف سياسي بها، أبرزها تركيا التي تعتبر “قسد” امتداداً لحزب “العمال الكردستاني” وتشكل تهديداً لأمنها القومي، ومن ثم فإن أنقرة ستقف في وجه أي محاولة للاعتراف بـ”الإدارة الذاتية” كطرف في المعادلة السياسية السورية. كما تواجه الإدارة رفضاً من الشارع العربي في شرقي نهر الفرات، الذي يخشى هيمنة كردية طويلة الأمد على القرار في المنطقة التي تضم كبريات القبائل العربية في سورية. وفي السياق، تواجه “الإدارة الذاتية” رفضاً صريحاً ومطلقاً من الائتلاف الوطني السوري المعارض الذي يتهم “قسد”، التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الأهم، بالسعي إلى سلخ الشمال الشرقي من سورية لإنشاء كيان كردي. من جهتها رفضت الحكومة السورية الاعتراف خلال جولات حوار عدة في العاصمة دمشق، بمبدأ التشاركية في إدارة منطقة شرقي الفرات، مستودع الثروات الأكبر في سوريا.
وحتى الشارع الكردي السوري، يقف قطاع واسع منه في وجه طموح “الإدارة الذاتية” التي يهيمن عليها حزب “الاتحاد الديمقراطي”. ويحاول الأخير تهميش الأحزاب التي تشكل “المجلس الوطني الكردي”، الذي يحظى بتأييد كبير في هذا الشارع.
وتشكّلت “الإدارة الذاتية” مطلع عام 2014 في محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية، ثم بدأت تتوسع بضم الأراضي التي تسيطر عليها “قسد” من تنظيم “داعش”، حتى باتت اليوم تضم كامل محافظة الحسكة وأغلب محافظة الرقة وريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات، ومدينة منبج وريفها في غربي نهر الفرات، إضافة إلى مدينة تل رفعت وقرى في محيطها في ريف حلب الشمالي. وخسرت هذه الإدارة منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي مطلع 2018، ومدينتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي وريفها، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي وريفها، نتيجة عملين عسكريين قام بهما الجيش التركي. وتُعتبر “قسد” الذراع البرية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، والتي كان لها دور كبير في القضاء على تنظيم “داعش” في شمال سورية وشرقيها.
بكل الأحوال إن الدولة المركزية الحقيقية هي دولة المؤسسات التي يتمثل المواطنون فيها عبر أحزاب وهيئات ونقابات وطنية باشكال طبقية واجتماعية . تتجاوز الانتماءات الضيقة، ونتدمج فيها القوميات والأعراق والأديان ليصبح جميع المواطنين تحت سقف القانون متساويين بالحقوق والواجبات وكلما ازداد الاندماج حققت الدولة نجاحا أكثر.
فالمطالبة بإدارة لامركزية .هي شكل من أشكال التمرد، أو عدم رضى المطالبين بإدارة لامركزية عن إدارة الدولة من قبل السلطات التي تديرها في احسن الأحوال.
وتهدف إلى تقاسم السلطة عوضا عن المشاركة بها، ومحاولة تصويب مايمكن تصويبه بغية الوصول لأفضل النتائج .
هل انعدمت السبل لإيجاد حلول عقلانية بين الأطراف والمركز؟
تمنع الوصول للمطالبة بإدارة ذاتية تؤسس لصفحة جديدة من التناقضات، قابلة للتوظيف من قبل أطراف دولية وإقليمية تريد اضعاف الوطن .بغية تحقيق مكاسب ومصالح خاصة .
إن الأسباب التي تقتضي المطالبة بإدارة لامركزية، قد تكون قابلة للنقاش، لولا أنها تحمل في طياتها خطرين اثنين.
الأول، جاء بعد المطالبة من قبل بعض القائمين عليها بفيدرالية في الجزيرة السورية وتم التراجع عن هذا المشروع ، بعد الانتكاسة التي حصلت في اربيل.
الثاني، العلاقة المشبوهة التي تشكلت بين المطالبين بإدارة ذاتية، والولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر الداعم الأكبر للكيان الصهيوني، والمدافعة عنه في جميع المحافل الدولية فهل يصدق عاقلا، ان الإدارة الأمريكية تريد خيرا لبلداننا، بعد انكشاف علاقتها خلال سبعة عقود من الزمن ، تجاه القضايا العربية بشكل عام وتجاه حقوق الشعب الفلسطيني بشكل خاص ودعمها غير المحدود للكيان الغاصب، والمحاصرة والتضييق على الشعب الفلسطيني الذي احتلت ارضه وشرد في جميع دول العالم!!
فهل تقبل الإدارة الامريكية في قيام فدرالية على الأراضي الفلسطينية ؟!لماذا تشجع على إدارة ذاتية بالجزيرة السورية بمكونات قومية ومذهبية تحمل معها خطرا حقيقيا على الديمقراطية التي تدعي دعمها في العديد من البلدان.
وهل تقوم الديمقراطية على أسس طائفية وقومية، أو على أساس المواطنة ؟!
وما هي الأسباب التي دفعت الإدارة الأمريكية لدعم الأكراد في شرق سوريا والتخلي عنهم في تركيا؟! وهل الأكراد في سوريا مضطهدين اكثر من اضطهادهم في تركيا؟!
لقد اختبر العالم صلاحية النسخة الأمريكية من الديمقراطية، في العديد من البلدان وتم اكتشاف ماذا فعلت في العراق ولبنان، وماذا فعلت بالسودان واليمن وماذا تفعل في سوريا وليبيا! وفي العديد من البلدان.
إن الدوافع الأمريكية من خلال نشر نسختها الحديثة من الديمقراطية واضحة للجميع تهدف إلى إقامة شرق أوسط جديد كما تريد تحقق من خلاله أمن الكيان الصهيوني، وتضمن تفوقه وقدرته على ضبط المنطقة بما ينسجم مع المصالح الامريكية والصهيونية.
لذلك اعتمدت النسخة الحديثة للديمقراطية التي تعتمد على ابراز المكوانات، القومية، والطائفية، والمذهبية بغية استثمارها في تاجيج التناقضات بين الشعوب داخل الكيان الواحد بغية خلق صراعات جديدة تستخدمها في تحقيق غايتها، باقامة شرق أوسط جديد وفق الرؤيا الأمريكية.
المصدر/ الوقت