رام الله تنتفض على إجرام السلطة الفلسطينيّة.. ما الذي أسقطها من قلوب الفلسطينيين؟
ضجت وسائل الإعلام العربيّة بالتظاهرات التي انطلقت، مساء الاثنين الفائت، على دوار المنارة وسط مدينة رام الله في الضفة الغربيّة المحتلة، تنديداً باغتيال المعارض السياسيّ، نزار بنات، ومطالبة بالعدالة له ومحاسبة المجرمين ومن يقف وراءهم، بعد مرور 30 يوماً على اغتياله، حيث ردد عشرات المشاركين في المظاهرة شعارات تندد بالحكم العسكريّ، ورفعوا لافتات تطالب بمحاسبة القتلة، داعين كافة النشطاء في مجال حقوق الإنسان والحركات الشعبية للمشاركة في دعمهم وفاءً للشهيد بنات، الذي اغتالته أجهزة السلطة الفلسطينيّة في 24 حزيران المنصرم، بعد اقتحام المنزل الذي كان فيه، وقد تعرض للضرب المبرح بأدوات حديديّة لعدة ساعات، قبل أن ينقل جثة هامدة إلى أحد مستشفيات المدينة.
الدم لم يجف
بعد أن خذلت السلطة الفلسطينيّة الشعب الفلسطينيّ وأعادت غرز خنجر الحقد الصهيونيّ والخيانة العربيّة في ظهر قضيّتهم، وتحت شعار “ثلاثون يوماً والدم لم يجف”، شدّدت الدعوات الفلسطينيّة على أن محاسبة قتلة نزار بنات حق يطالب به جميع الفلسطينيين، حيث تشهد محافظات الضفة الغربيّة منذ أسابيع مظاهرات منددة بجريمة الاغتيال بحق الناشط السياسيّ، وسط دعوات لمحاسبة المتسببين بمقتله.
وفي الوقت الذي أشارت فيه منظمة العفو الدوليّة في تقرير لها، إلى أن السلطة الفلسطينيّة شنّت حملة قمع مروعة لقمع الاحتجاجات السلميّة باستخدام القوة غير القانونيّة، مستهدفة الصحفيين ونشطاء المجتمع المدنيّ والمحامين بالاعتقالات التعسفيّة، وتخضِع المعتقلين لعمليات التعذيب، أضافت أن التوترات في فلسطين تصاعدت منذ اغتيال الناقد والناشط الفلسطينيّ البارز نزار بنات، وهو مرشح للانتخابات التشريعيّة عن قائمة “الكرامة”، ومعروف بمعارضته السياسيّة للسلطة الفلسطينيّة في الضفة، ومهتم بمجال حقوق الإنسان والديمقراطيّة، ونشط ضد مشروع التسويّة واتفاقية “أوسلو”، وكان ناقداً للفساد ولتقييد الحريات، وإن آخر ما نشره كان حول مخاطر صفقة اللقاحات الفاسدة التي حاولت السلطة تمريرها على الشعب الفلسطينيّ.
وفي هذا الصدد، دعا الفلسطينيون إلى النزول للشوارع والاحتشاد على دوار المنارة وسط رام الله، للمطالبة بمحاسبة قتلة نزار في اليوم الأربعين لاغتياله والموافق 2 أغسطس/ آب القادم عند الساعة السادسة، وتتحمل عناصر أجهزة السلطة الفلسطينيّة المسؤوليّة الكاملة عن تلك الجريمة البشعة، بالتزامن مع التظاهرات الحاشدة وشبه اليومية للمطالبة بمحاكمة قتلة الناشط الحقوقيّ، وكذلك للتنديد بقمع أجهزة السلطة للمواطنين واستمرار الاعتقالات السياسيّة.
“رحيل رئيس السلطة وزعيم حركة (فتح) محمود عباس” هو المطلب الأساس للفلسطينيين المشاركين في التظاهرات اليوميّة، التي كانت أبرز شعاراتها: “ارحل ارحل يا عباس.. هذا قرار كل الناس”، و”يسقط يسقط حكم العسكر”، و “ارفع ايديك وعلي.. الموت ولا المذلة”، و”يا نزار ارتاح ارتاح… واحنا نواصل الكفاح”، و”مطالبنا شرعية… بدنا كرامة وحرية”،و “برا برا… التنسيق الأمني برا”.
وذلك يعني أنّ السلطة الفلسطينيّة المتخبطة في قراراتها فاقدة للشرعية بالنسبة للفلسطينيين أكثر من أي وقت مضى، والدليل ما قاله الحراك الفلسطينيّ في بيانه: “إن كانت هذه السلطة المتخبطة الفاقدة للشرعية تريد أن ترضي الشارع قبل أن ترحل بطريقة سلميّة، فيجب عليها أن تحفظ البلاد وسلمها الأهليّ وألا تحرف البوصلة عن نضال الشعب الفلسطينيّ ضد العدو الإسرائيليّ، وعليها الكف عن لعب دور الوكيل لتل أبيب والاستجابة لمطالب الجماهير وليس الالتفاف عليها”.
وتأتي تلك الأنباء بالتزامن مع رفض المتظاهرين تفويض أيّ جهة لنقل مطالبهم لحكومة محمد اشتية، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح التي يرأسها عباس، أو أي جهة كانت، وذلك بعد يومين من إعلان مجموعة من الشخصيات جلوسها مع اشتية للتباحث في التوصل لحل الأزمة التي تعصف بالشارع الفلسطينيّ بعد إلغاء الانتخابات واغتيال الناشط السياسيّ المعارض، مؤكّدين أنّ أهدافهم العامة التي انطلقوا من أجلها تتمثل بتحقيق العدالة لنزار ومحاسبة قاتليه ومن أعطى الأوامر باغتياله، إضافة إلى رحيل النظام السياسيّ وقيادته وعلى رأسهم محمود عباس.
كذلك، فإنّ الهتافات التي صدح بها صوت المتظاهرين عالياً في شوارع مدينة رام الله وسمعها العالم، كان الرد عليها بالسحل والقمع والاعتقال من قبل قوات السلطة ودوائر صنع القرار، في ظل نضال شعبيّ من أجل حل جذريّ وعادل للأزمة المتراكمة التي صنعتها السلطة الفلسطينيّة وقيادتها الأمنيّة والسياسيّة، عبر الاتفاقات التي وقعتها مع العدو القاتل وعبر التفرد والفساد المستشريّ الذي ينخر كل مفاصلها.
اعتذار مرفوض
واضحة بشدة كانت رسائل عائلة الناشط نزار بنات التي تحدثت خلال كلمة لها في تظاهرة خرجت منتصف الشهر الجاري وسط رام الله، حيث بيّنت أنّه كان الأجدر بقيادات السلطة الفلسطينيّة وحركة فتح، أن “تقف مع قضية ابنهم، وليس العكس”، منوهة إلى أنّ وزير الداخلية في حكومة رام الله، ما زال يفكر في اعتبار نزار بنات شهيداً”، بيد أنّ الشعب الفلسطيني كله يعتبر نزار بنات شهيداً.
كما أعلنت عائلة الشهيد المغدور رفضها قبول الاعتذار الذي قدمه رئيس هيئة الشؤون المدنيّة وعضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، حسين الشيخ، بعد تورط أجهزة السلطة في جريمة اغتيال ابنهم، معتبرين أنّه “اعتذار لا قيمة له وهو يهدف للتستر على الجريمة”، وذكر غسان بنات الشقيق الأكبر للمعارض السياسيّ المقتول، أن الهدف من هذا الاعتذار هو تبرير الموقف العام للسلطة الفلسطينيّة أمام وسائل الإعلام الغربيّة والأمريكيّة على وجه الخصوص، وأنّه جاء متأخراً وبالتالي فهو مرفوض بالنسبة للعائلة جملةً وتفصيلاً، إذ أن العائلة تطلب أن يكون الاعتذار عبر وسائل الإعلام الرسميّة والمحليّة والعربيّة وأن يكون بشكل معلن ورسميّ وباللغة العربية لا أن يكون موجهاً في حديث صحافي.
“ليس أمامك سوى الرحيل”، عبارة وجهتها العائلة المكلومة للرئيس عباس، مؤكّدة أنّ ملف اغتيال نزار لن يغلق إلا بعد أن يتنازل آخر شبل من أبناء الشعب الفلسطينيّ، وأنّهم سيطاردون القتلة في كل المحافل والمحاكم، وقد تصدر وسم #ارحل الذي أطلقه نشطاء فلسطينيون منصات التواصل الاجتماعيّ، وذلك في ظل حالة الغليان والغضب التي يعيشها الفلسطينيون عقب جرائم السلطة ضد شعبها في الضفة الغربيّة المحتلة، وحمل المغردون الرئيس عباس وسلطته مسؤوليّة ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من انتكاسات وانتهاكات، فيما جاء الوسم بعد مرور 17 عاماً على وجود عباس في الحكم.
يُذكر أنّ المشاركة في التغريد على الوسم لم تقتصر على المواطنين الغاضبين، بل شارك فيها عدد ضخم من النشطاء والكتاب والنخب المثقفة عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، من خلال تغريدات مختلفة تطالب برحيل من قتل المعارضين وحاصر الغزيين وقطع مخصصات أهالي الشهداء والمعونات عن المعوزين، في وقت عظُم فيه مستوى العمالة والخيانة من قبل حكومة السلطة الفلسطينية التي لم تمثل في يوم من الأيام صوت الفلسطينيين وتطلعاتهم.
ختاماً، ليس بغريب أن تستخدم السلطة الفلسطينيّة تلك الأساليب الإجراميّة ضد شعبها، وهي المُصرة على استخدام منهج الخنوع الذي لم يجلب لها سوى الخيبة والهزيمة أمام العدو الصهيونيّ، والذي أسقطها من قلوب الفلسطينيين وجعلها أداة رخيصة تستعمل ضد إرادة الشعب وتطلعاته، كيف لا؟، وهي التي راهنت على عودة العلاقات مع العدو واستمرت بالتنسيق الأمنيّ مع تل أبيب، واقفة في وجه توحيد الصف الفلسطينيّ لمنع تحدي الاحتلال الغاصب وعرقلة مقاومة التطبيع والتهويد والضم والاستيطان المستمر.
المصدر/ الوقت