نزاع ناغورنو كاراباخ… لماذا تصاعدت التوترات مرةً أخرى
في حين أن منطقة القوقاز كانت هادئةً نسبيًا خلال الأشهر الثلاثة الماضية على الأقل، فقد تصاعدت التوترات الحدودية بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا مؤخرًا.
حتى قبل يومين، أفادت مصادر إخبارية بوقوع اشتباك بين أذربيجان وأرمينيا في منطقة “كلبجار”، أسفر عن مقتل جندي أذربيجاني وإصابة ثلاثة جنود أرمنيين.
بعد هذا الاشتباك، ألقى الجنرال حسنوف، وزير دفاع جمهورية أذربيجان، باللوم على أرمينيا في تصعيد التوترات في المنطقة، وقال: “على الرغم من انتهاء الحرب، ولکن ما زلنا مستعدين، ويجب أن نكون مستعدين للحرب في أي لحظة”.
الصراع بعد الاتفاق
خلال الصراع العسكري الذي استمر 44 يومًا وبدأ في 26 أكتوبر من العام الماضي، تمكنت جمهورية أذربيجان من تحرير أراضيها من احتلال القوات الأرمينية في ناغورنو كاراباخ.
وأخيرًا انتهت هذه النزاعات العسكرية في 11 نوفمبر من العام الماضي، بتوقيع بيان ثلاثي من قبل رئيسي أذربيجان وروسيا ورئيس وزراء أرمينيا.
لكن في الآونة الأخيرة، ذكرت وسائل الإعلام الأرمينية، نقلاً عن مصادر رسمية، أن القوات الأذربيجانية تقدمت لمسافة تصل إلى 3.5 كيلومترات داخل أراضي أرمينيا في إحدى المناطق الحدودية.
في غضون ذلك، تدعي مصادر إخبارية في جمهورية أذربيجان أنه خلال حرب ناغورنو كاراباخ الأولى في التسعينيات، سيطرت القوات الأرمينية بشكل غير قانوني على بعض المناطق الحدودية لجمهورية أذربيجان، بالإضافة إلى ناغورنو كاراباخ.
انسحاب العسکريين الأذربيجانيين
قالت أرمينيا إن أذربيجان لم تقم بواجبها بالكامل في سحب قواتها من الأراضي الأرمنية، ولهذا طلبت يريفان من موسكو المساعدة العسكرية.
کما أعلن رئيس الوزراء الأرميني المؤقت “نيكول باشينيان” يوم الخميس، أن مجموعةً من القوات الأذربيجانية عبرت الحدود على الرغم من اتفاق وقف إطلاق النار، و”تعدت” على أراضي البلاد بالقرب من البحر الأسود.
لکن أذربيجان نفت هذه المزاعم ووصفتها بأنها “استفزازية”. وقالت أذربيجان إن قواتها تحركت فقط في مواقعها في منطقة “كالباجار-لاتشين” في جمهورية ناغورني كاراباخ.
وفي إشارة إلى المحادثات بين المسؤولين في البلدين، نقلت وكالة أنباء انترفاكس عن باشينيان قوله “لقد تم الاتفاق أمس على مغادرة القوات المسلحة الأذربيجانية أرمينيا اليوم”.
وقال رئيس الوزراء الأرميني المؤقت: “تم تنفيذ هذا الاتفاق إلى حد ما. هناك مناطق غادرها الأذربيجانيون بالفعل. لكن بسبب عدم تنفيذ الاتفاق بشكل كامل، توجهت اليوم إلى الرئيس الروسي طلباً للمساعدة العسكرية”.
روسيا هي حليفة أرمينيا، وقد وقِّعت اتفاقية لوقف إطلاق النار العام الماضي تحت إدارة موسكو وإشرافها.
في السياق نفسه، قالت وزارة خارجية جمهورية أذربيجان إن قائد الحدود في البلاد اجتمع مع الجانب الأرميني يوم الجمعة لمناقشة التوتر الحدودي الحالي.
من جهة أخری، تقول أرمينيا إن نحو 250 جندياً أذربيجانياً قد توغلوا حتى عمق حوالي ثلاثة كيلومترات في الأراضي الأرمنية.
واتصل نيكول باشينيان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في وقت متأخر من يوم الخميس. وقال الكرملين في بيان إن بوتين أبلغ باشينيان أنه يجب احترام “اتفاق وقف إطلاق النار” بالكامل، ومن جانبه قال باشينيان إنه يؤيد أي “حل سلمي وسياسي ودبلوماسي” للمشاكل التي نشأت.
وقال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف يوم الجمعة “بالطبع أعرب الجانب الأرميني عن قلقه الشديد بشأن الوضع على الحدود. والرئيس فلاديمير بوتين لديه نفس القلق”.
بدورها قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جالينا بورتر أيضاً، إن واشنطن تتوقع أن تسحب أذربيجان قواتها على الفور، و”توقف المزيد من الاستفزازات”.
وصرحت بورتر للصحفيين أن “العمل العسكري في المناطق المتنازع عليها عمل غير مسؤول وغير ضروري واستفزازي”، مضيفةً أن قضايا ترسيم الحدود يجب حلها من خلال المفاوضات.
كما أبدت بعض الدول الأخرى في العالم حساسيةً تجاه النزاع الحدودي الحالي بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا. على سبيل المثال، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قوات جمهورية أذربيجان إلى مغادرة المناطق الحدودية لأرمينيا.
کذلك، دعت إيران جمهوريتي أذربيجان وأرمينيا إلى ممارسة ضبط النفس، وحل خلافاتهما بالطرق السلمية.
لماذا تصاعدت التوترات مرةً أخرى؟
بالإضافة إلى قاعدتها العسكرية في أرمينيا، أرسلت روسيا مجموعةً من قوات حفظ السلام إلى منطقة القوقاز العام الماضي للمساعدة في تنفيذ وقف إطلاق النار. هذا البلد لديه علاقات جيدة مع أرمينيا واتفاقية دفاع متبادلة، ولكن لديه أيضاً علاقات ودية مع أذربيجان.
والاتفاقية التي تم التوقيع عليها العام الماضي بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا لإنهاء الصراع في ناغورنو كاراباخ، حققت النتيجة بوساطة روسيا. لكن الغموض في أجزاء من اتفاق وقف إطلاق النار الثلاثي في ناغورنو كاراباخ، هو السبب الرئيسي لتجدد التوترات في المنطقة.
إن المنطقة المتنازع عليها هي ما يسميه الأرمن “سونيكس”، وفي جمهورية أذربيجان تسمى “زنغزور”. ووفقًا للاتفاقية الثلاثية، يجب أن يمر عبر هذه المنطقة طريق يربط باكو بمنطقة ناخيتشيفان وتركيا.
والآن تصر جمهورية أذربيجان على إنشاء هذا الطريق عبر أرمينيا، وتقول إن هذه الاتفاقية الثلاثية بين يريفان – باكو وموسكو يجب أن تنفذ، وإلا فإنها ستلجأ إلى القوة.
في الوقت نفسه، فإن تنفيذ الاتفاقات بطيء في الوقت الحالي، وقد حذر الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف من استعداده لبناء هذا الممر ولو بالقوة.
وقال الرئيس الأذربيجاني علييف إنه تم اتخاذ “خطوات جادة للغاية” في الاجتماعات الثلاثية لمجموعة العمل على مستوى نواب رؤساء أذربيجان وأرمينيا وروسيا، بشأن بناء ممر زنغزور.
بعد نهاية حرب ناغورنو كاراباخ الثانية في عام 2020، استعدت جمهورية أذربيجان لإنشاء ممر زنغور. في الوقت نفسه، أصبحت نبرة باكو أكثر قسوةً تدريجياً. وفي 20 أبريل، أعلن إلهام علييف أن باكو ستحقق هدفها، بغض النظر عما إذا كانت أرمينيا تريد ذلك أم لا، ووصف زنغزور بأنها أرض مغتصبة.
لکن رئيس الوزراء الأرميني باشينيان قال إنه “وفقاً للاتفاقات التي تم التوصل إليها والوثائق المنشورة، لا يمكن لأذربيجان أن تصل إلا إلى الممر الذي تحصل عليه أرمينيا عبر أراضي أذربيجان وناخيتشيفان”.
من جانبها أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأرمينية “آنا نغداليان”، أن اتفاق 9 نوفمبر لم يأت علی ذکر أي ممر.
وفقًا لذلك، فإن آفاق بناء الممر غامضة، ويبدو أن بناء الممر مهمة تستغرق وقتًا طويلاً. وحاليًا، لا يوجد حراك جاد في هذا الصدد.
أرمينيا تصر على الوفاء بشروط معينة، وبنود أخرى من اتفاق نوفمبر، وخاصةً بشأن عودة الأسرى، وتعتبر يريفان أن هذه القضية(عودة الأسرى) أهم بكثير من بناء الطرق والممرات. وفي الواقع، لا يسمح الوضع الحالي للعلاقات بين أرمينيا وأذربيجان بحل قضايا على هذا المستوى.
من ناحية أخرى، لا يزال الوضع السياسي الداخلي في أرمينيا غير واضح، وإذا وافق رئيس الوزراء الحالي على مطالب جمهورية أذربيجان، فإن ذلك سيعني بالنسبة له انتحارًا سياسيًا.
وبناءً على ذلك، يبدو أن ما يؤدي الآن إلى تفاقم التوترات في ناغورنو كاراباخ مرتبط بالغموض حول كيفية تنفيذ اتفاقات الممر، وكذلك كيفية إعطاء الأولوية لإطلاق سراح السجناء الأرمن، ومن ناحية أخرى، فقد ساهمت حالة عدم اليقين بشأن المستقبل السياسي في أرمينيا في نشوء هذا الوضع الغامض.
المصدر / الوقت