التحديث الاخير بتاريخ|الأربعاء, نوفمبر 27, 2024

استثمارات أميركية في موانئ أوروبية لقطع طريق الحرير الصيني 

وكالات ـ الرأي ـ
استثمرت الصين، في إطار مشروع طريق الحرير الجديد، مليارات في برامج بنى تحتية كبرى في دول نامية، على وجه الخصوص في أفريقيا وآسيا، عبر بناء موانئ ومطارات، وطرق وسكك حديدية وغيرها. هذا المشروع اعتبره مراقبون غربيون اختراقاً اقتصادياً يتركز هدفه النهائي في الهيمنة السياسية.

وفي هذا الإطار، طرحت الإدارة الأميركية خلال اجتماعات قمة مجموعة السبع الصناعية الكبرى في كورنويل ببريطانيا مشروعاً بديلاً لطريق الحرير الصيني، أُطلق عليه “إعادة بناء عالم أفضل”. حول هذا الموضوع، ذكرت مجلة “فورميكي” الإيطالية في تقرير حمل عنوان “الولايات المتحدة تحول مسار طريق الحرير عبر الاستثمار في الموانئ اليونانية. بينما يتنامى في إيطاليا سباق البنى التحتية بين الصين والولايات المتحدة، في ظل تعاظم مساعي واشنطن لكسر اعتمادية دول الاتحاد الأوروبي على رؤوس الأموال الصينية. والنموذج اليوناني المتمثل في أحواض بناء سفن ميناء إليفسيس ليس وحده في هذا السياق، مقابل سيناريوهات أخرى ساخنة مثل ميناءي ترييسته وتارانتو الإيطاليين.

وتابعت المجلة أن أحواض بناء سفن ميناء إليفسيس اليوناني على وشك أن تدب فيها الحياة من جديد، بفضل الولايات المتحدة التي تسعى لتحديثه ليكون النموذج المقابل لبيريوس الذي تهيمن عليه مجموعة كوسكو الصينية للملاحة التي حوّلته إلى أهم ميناء في البحر المتوسط تُتداوَل فيه 5 ملايين حاوية وقد تصل إلى 7 ملايين، وهو بذلك يتخطى ميناء فالنسيا الإسباني محتلاً المركز الرابع أوروبياً والـ26 عالمياً.

في هذا الإطار، يمثل ميناءا إليفسيس وأليكساندروبولوس مناط التحركات الأميركية المرتبطة بالبنى التحتية اليونانية، في حين انتقلت تبعية أكبر ميناءين في البلاد: بيريوس وسالونيك، من الحكومة اليونانية التي تباشر حالياً عملية إسناد إدارة 6 موانئ أخرى إلى شركات خاصة. وتجدر الإشارة إلى أن ميناء سالونيك قد انتقلت ملكيته إلى شركة بيلتيرا للاستثمار لصاحبها رجل الأعمال اليوناني – الروسي إيفان سافيديس المقرب من الرئيس الروسي بوتين، حيث كان موقعه بجوار خطي أنابيب غاز تاب وتاناب عنصراً حاسماً في هذه الصفقة.

وأضافت الصحيفة أن ملف أحواض بناء السفن مرتبط بخط مزدوج بالصفقة الجديدة الخاصة بالفرقاطات الحربية، التي ستتخذ الحكومة اليونانية قراراً بشأنها في هذه الأيام. وأشارت إلى أن هذا الملف قد تحددت ملامحه بفضل العمل السري الدؤوب للسفير الأميركي في أثينا جيفري بيات، الذي يتعاون منذ 2015 بشكل مكثف مع الحكومة اليونانية وبصفة خاصة مع وزير التنمية والاستثمار أدونيس جيورجياديس حول كيفية إحياء التقاليد البحرية اليونانية بالغة الأهمية. وفي هذا السياق يبدو كل من ميناءي إليفسيس وسكارامانغاس الموقعين المحتملين لإنتاج الفرقاطة اليونانية المستقبلية.

ويقوم العرض الأميركي، من خلال شركة لوكهيد مارتين مع فينكانتييري الإيطالية، على تصنيع الوحدة الأولى من بين 4 سفن في حوض بناء السفن التابع لهذه الأخيرة في إيطاليا، على أن تُصنَع السفن الثلاث الأخرى في أثينا. هذا الخيار من شأنه أيضاً تسهيل عمليات تدريب وتحديث قدرات أحواض بناء السفن اليونانية.

ورأت المجلة أنه يتعيّن على الولايات المتحدة المضي قدماً في رسم ملامح النموذج المقابل لطريق الحرير من أجل التصدي للنفوذ الاقتصادي المتنامي للصين، وذلك من خلال تنفيذ استثمارات استراتيجية ضخمة. وتجدر الإشارة هنا إلى قرار الرئيس الأميركي بايدن تخصيص ملياري دولار من أجل محاصرة تكنولوجيا الجيل الخامس الصينية. وختمت بقولها إنه من المفترض، من خلال هذا التوجه، أن تكون الموانئ وشبكات البنى التحتية والرقمية في خدمة حلف شمال الأطلسي “ناتو” مع تجنّب أن ينتهي بها الحال في أيدٍ أجنبية. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، يبرز إسهام شركة تمويل التنمية الدولية، الذراع التي تعوّل عليها الحكومة الأميركية في منافسة تمويلات الصين.

وفي حديث خاص للمجلة ذاتها، ذكرت فرانشيسكا غيريتي، خبيرة الشؤون الصينية بمعهد الشؤون الدولية، أن الاتحاد الأوروبي يمضي قدماً في إصدار قرارات تهدف إلى تمركزه كلاعب جيوسياسي بارز، لذا فإن هذا المشروع الجديد يضاف إلى المبادرات المختلفة التي أطلقتها بروكسل من أجل استعادة مكانتها على الساحة العالمية والتأكيد على تميز صوتها.

وأوضحت غيريتَي أن الاتحاد الأوروبي أراد، بعد أسابيع قليلة من قمة مجموعة السبع الكبار ودعم مبادرة واشنطن “إعادة بناء عالم أفضل وأراد وضع النقاط على الحروف وإيضاح أنه على الرغم من دعمه للمبادرة الأميركية، فإنه يملك مبادرة أخرى”.

وأضافت أنه على الرغم من أن نجاح المبادرة الأوروبية ليس مضموناً، فإنها تتضمّن عنصراً مهماً، ليس موجوداً في المبادرة الأميركية، ألا وهو التخطيط لوضع سقف زمني للانتهاء من المشروعات القائمة علاوة على تسمية وإطلاق مشروعات تجريبية. وهذا العنصر الأخير على وجه التحديد من الممكن أن يكون أداة حسم كبيرة وسبباً لاستمرارية ونجاح المبادرة الأوروبية. ولفتت إلى أنه لا شك في أن المبادرة الأوروبية تعترضها مشكلات عدة يتعين تسويتها، وفي هذا السياق فإنه من غير الممكن بأي حال من الأحوال تجاهل إشكالية التمويل، إذ إن دول الاتحاد الأوروبي نفسها تجد مشقة في إيجاد تمويل لمشروعات البنى التحتية على أراضيها، وليس في الإمكان إدراج كل شيء في الخطط المالية متعددة السنوات.

ورأت الخبيرة الإيطالية أخيراً أن الاتحاد الأوروبي يبدو مدركاً لهذه الإشكالية وأن لديه، على الأقل من الناحية النظرية، خططاً بديلة للتمويل. وقالت ” يبدو لي، من وجهة النظر الشخصية، أن إيجاد موارد مالية هائلة من القطاع الخاص أمر أصعب بكثير مما تضمنته وثيقة المبادرة”. وفي سياق متصل، ذكر الباحث الإيطالي الدكتور دافيدي تينتوري، في تقرير نشره معهد دراسات السياسة الدولية بميلانو تحت عنوان “طريق حرير صنع في أوروبا”، أنه ربما يكون من المبكر القول إن الاتحاد الأوروبي يسعى لإطلاق “طريق الحرير” خاصته، ومع ذلك فإن تحركاته الأخيرة تسير في اتجاه اكتساب مزيد من الاستقلالية والاكتفاء الذاتي مقابل المشروعات التي تطلقها بكين. وتابع تينتوري أن المبادرة التي أقرّها مجلس العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي في اجتماعه يوم 12 يوليو/ تموز الجاري تصبّ في ذات المسار الأميركي، إذ أكد الاتحاد رغبته في التركيز على الاستثمار في قطاع البنى التحتية لخدمة مصالحه الاقتصادية على المستوى التجاري من جهة، ومن جهة أخرى فإن هذه المبادرة من شأنها تعزيز أمن المنطقة، سواء ما يتعلق بإمدادات الطاقة أو بحماية شبكات الاتصالات.

وقال إنه يتعيّن أن نحدد بدايةً أن مبادرة “أوروبا موصولة عالمياً” لها مدلول جيوسياسي في المقام الأول، إذ أقرّ المجلس في نهاية الاجتماع سالف الذكر بأهمية ربط الاتحاد الأوروبي عبر وسيلتين: الأولى تنفيذ استثمارات أكبر في البنى التحتية التقليدية، مع اهتمام أكبر بوضع أطر تنظيمية تضمن وجود قواعد للعبة تتسم بالشفافية ومشتركة بين جميع اللاعبين.

ومع الأخذ في الاعتبار فجوة البنية التحتية المقدرة في كلتا القارتين، فإن الاتحاد الأوروبي يرى أنه من الضروري تعزيز الاستثمارات شرقاً على مستوى السكك الحديدية وفي القطاع البحري والطاقة والأنظمة الرقمية، وذلك من خلال مشروعات محددة من المنتظر إطلاقها اعتباراً من العام المقبل.

ومن المثير، في هذا السياق، أن إعلان إطلاق مبادرة “ربط أوروبا عالمياً” لم يأت على ذكر الصين ولو لمرة واحدة، بل إنه أشار صراحة إلى رغبة الاتحاد في التعاون مع اليابان والهند ودول آسيان والولايات المتحدة. ولدى الاتحاد الأوروبي احتياج أساسي لتنويع خياراته فيما يتعلق بتدفقات رؤوس الأموال للاستثمارات وبمسارات تجارية لكيلا يعتمد بشكل يكاد يكون حصرياً على العلاقات مع الصين.

وأشار الباحث تينتوري إلى أن الصين، من جانبها، استقبلت إطلاق مبادرة الاتحاد الأوروبي بموقف اتسم بالتسامح، وأكدت ترحيبها بأي مقترحات جديدة لتحسين الربط والبنى التحتية، على اعتبار أن مبادرة الحزام والطريق ذات توجه منفتح على التعاون الدولي.

وأوضح تينتوريأن مقصد بروكسل من هذه المبادرة هو الابتعاد عن المدار الجيوسياسي للصين، ومن أجل بلوغ هذه الغاية، فإنه من المفترض أن تتحرك الدول الأعضاء بشكل متماسك بدلاً من التحرك بطريقة تفتقد للنظام. في هذا الإطار، نجد أن فرنسا وألمانيا على سبيل المثال تريّثتا بشأن اتخاذ مواقف عدائية حيال الصين في المقام الأول من أجل حماية مصالحهما الاقتصادية. وبالنسبة لإيطاليا، فإن السوق الصيني يمثل أولوية لما لدى الصين من أهمية.

وختم الباحث الإيطالي تينتوري بقوله إنه بناء على ما تقدم، فإن أهمية المبادلات التجارية والاستثمارات المشتركة لن تكون موضع نقاش، وإنما ستتخذ موقعها في سياق جيوسياسي متجدد يكون فيه الاكتفاء الذاتي الأوروبي وحلف شمال الأطلسي دليلاً لمقاربة الاتحاد الأوروبي.انتهى

طباعة الخبر طباعة الخبر ارسال الخبر الى صديق ارسال الخبر الى صديق

اضافة تعليق